شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الكـوخ الأخضـر
كان في سالِف الأزمان كوخٌ أخْضَرُ
مُنْذُ ألفٍ أو تزيدْ
عَنْ ضَجيج المُدْن مَعْزولُ بَعيدْ
وعلى باعَيْنِ مِنْهُ الكَوْثرُ
يَتَهَادَى بِخَجلْ
ويُغَنّي للدُّجَى شِعْرَ الزَّجَلْ
كان بالزَّهْر وبالشَّوْكِ مُطَوّقْ
وعلى مَدْخَلِهِ نَقْشٌ مُزَوَّقْ
وعلى البابِ كلامٌ لابن موسى الحَنْظليِ
"أيُّها الطارقُ أهلاً، أنْتَ رَبُّ المَنْزِلِ"
لم يَجُرْ شَوْكٌ على زَهْرٍ فعاشا بسَلامْ
قال كلّ منهما لأخيه باختصار
لا تسُمْني الضَّيْم يَسْلَمْ بيننا حُسْنُ الجِوار
واحْتَرمْني فتنالَ الاحترامْ
* * *
كان في عُبِّ الجَبَلْ
رُبَّما مُنْذ الأزلْ
عِشْتُ فيه ناعِمَ البال سَعيدْ
قُوتي اليَوْميُّ يأتيني بمَجْهودٍ زَهيدْ
فلْيغُصْ في المال غَيْري وَيَنَلْ منه المَزيدْ
لا أرَى أفقَر ممَّن كلَّما أثْرَى استَزادا
لا ولا أخسَرَ ممَّن في مخازيه تَمادى
* * *
كان جِسْراً يَرْبِطُ الماضي بما سوفَ يَلي
وَطريقاً يصِلُ الأعلى بما في الأسفلِ
تَلْثُم الشمسُ صباحاً كلَّ يوم وَجْنَتَيْهِ
وإذا غابَتْ بكَتْ شَوْقاً وتَحْناناً إليْه
مَنْ رأى أعجَبَ منه، أو رأى أعْجَبَ منها؟
هِيَ لم تَسْتَغْنِ عنه، وهوَ لم يَسْتَغْنِ عنها
هكذا فلْيكُنِ الحُبُّ، وإلاّ فَهْوَ كاذبْ
ليسَ في الحُبِّ – كما في الحَرْب – مَغْلوبٌ وغالِبْ
* * *
لَسْتُ أدري مَنْ بَناهْ
إنَّ سَرَّ الغَيْب مِنْ عِنْد الإلهْ
قيل شادَتْهُ مِنْ الجِنّ أميرَهْ
تُؤثرُ العُزْلَة مُذْ كانَتْ صَغيرهْ
زَوَّجوها بأميرٍ ذي عِيالِ
فنأتْ عنه إلى هذي الجِبالِ
وأقامَتْ فيه أياماً قَصيرهْ
ثم غابَتْ عنه في شَرْخِ الحَياهْ
* * *
قاسَمَتْني العَيْشَ فيه حُلْوَةٌ بنتُ حَلالِ
تَتَثَنّى كلما مَرّتْ بها ريحُ الشَّمالِ
هكذا يَخْتَلج الوَرْدُ وتَفْتَرّ اللآلي
لم تُفَاخرْني بعَمِّ، أو تُغالبْني بِخَالِ
إنْ أجُعْ جاعَتْ وإنْ غالَيْتُ في أمرٍ تُغالي
أبداً لَمْ تَعْيَ في الردّ على أعْصَى سُؤالِ
تَعْرِف العالي من الشعر وما ليسَ بعالي
صَوْتُها؟ ما بُحَّةُ النايِ، وما خَمْر الدَّوالي؟
يَشْرئبُّ الليلُ مَذْهولاً إذا غنّتْ "ليالي"
كلُّ ما فيها جميلٌ، بل فَريدُ في الجمالِ
* * *
هذه الفِتْنةُ ليستْ بَشَرا
إنها جنّيةٌ مِنْ عَبْقرِ
نشَأتْ بين الثُّرَيّا والثَّرَى
وتربّتْ في قصورِ "المشترى"
* * *
كيف شمّتْ خَبَري؟
واقتفتْ بين البراري أثَري؟…
دّلَّها – لا شكَّ – كوخي الأخْضرُ
ودواليه التي لا تُثْمرُ
وسِراجي الأصفَرُ
والطُّيورُ الرائحاتُ الغادِيَهْ
وطريقٌ يَنْتهي في الرابيَهْ
وأقاحِيَّ، وضَوْءُ القمرِ
* * *
وأتى طوفانُ نُوحٍ فأزالْ
كلَّ شيءٍ في سُوَيْعاتٍ قِلالْ
الجبالُ الشمُّ صارَت أوْدِيَةْ
والسُّهولُ الجُرْدُ أصْبَحْنَ جِبالْ
وامَّحَتْ حتى رسومُ الأبْنيَةْ
* * *
وَلَدُنْ عادتْ إلى الأرض السَّكينهْ
واستقرّتْ في "أراراط" السَّفينهْ
لم يَلُحْ للعَيْن في الأفْقِ البَعيدْ
غَيْرُ كوخٍ في بقايا جَبَلِ
أدْرَكَتْهُ عادِياتُ الأجَلِ
حَمَلَ الدَّهرَ على أكتافِهِ
مُنذُ أنْ كان وَليدْ
والسُّهَى فاءت إلى أكْتافِهِِ
هَرَباً من غَضَب الله الشَّديدْ…
* * *
لم أعُدْ للكوخ، لم أشْتَقْ… ولا القلبُ التَفتْ
حاوَلَتْ رِجْليَ أن تخطو ولكن وَجَفَتْ
صُوَرُ الماضي – عليه رحمةُ الله – اخْتَفَتْ
قد صَرَفْتُ الطَّرْفَ عنهُ
ونَفَضْتُ الكفَّ منهُ
لم يَعُدْ في الذهن منه غَيْرُ حُلْوهْ
شدَّها مِنْ شعرها الطوفانُ عَنْوَهْ
فمضَتْ تَطْرُقُ أبوابَ السَّماءِ
وتُغنّي تحتَ جُنحِ الغَلَسِ
أنا يا رَبّاهُ مَنْ طينٍ وماءِ
فاكْتَنِفْني بجَناحِ القُدُسِ!..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :544  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 478 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج