| غداً الوَدَاعُ، فما لَنا نَتَطيّرُ |
| ما خَطَّت الأقدارُ لا يتغيّرُ |
| غداً الوداعُ، فخَفّفـي مِـنْ لهْفـَتي |
| يا مُهْجةً في وَجْدها تَتَفَطّرُ |
| الصّبْرُ مِنْ شِيَم التقـيِّ، ولَـمْ أجـدْ |
| في الخارجينَ على التُّقَى مَـن يَصْـبرُ |
| صلّي إذا أبدَى الزمان نيوبه |
| تُغْفَرْ خَطاياك التي لا تُغْفَر |
| اللهُ حسبُـكَ، لا يخيبُ لَدَيْـه مَـنْ |
| حَسُنَتْ سَريرتُـه وطـابَ المَظْهَـرُ |
| لا تَحْذَري، مـا دُمْـتِ في مَلَكوتـه |
| ناباً يُخافُ ولا عَدُواً يُحْذَرُ |
| ما كلُ مَـنْ صلّـى تُثـاب صَلاتُـه |
| كَلاَّ، ولا الصَّوْمُ المموَّهُ يُؤجَرُ |
| الخالدان
(1)
على صباي تواطآ |
| فابيضَّ فَوْدي حـين قَلْـبيَ أخْضَـرُ |
| ما زَلْتُ في السبعـين أشعُـرُ أنـني |
| في عالم الشُّعراء غُصْنٌ مُثْمرُ |
| عندي ملاحمُ في الغرام خَبيثةٌ |
| أخْشَى علـى قرّائهـا أن يَسْكـروا |
| مِنْ وَحْي غَلْواءَ استَرَقْتُ خواطـري |
| لولا هَواها لم يَكُنْ لي مَصْدَرُ |
| يا مَنْ يَعيب عليّ أني عاشِقٌ |
| لم تَجْترِمْ… إني كما تَتَصوَّرُ |
| ماذا عليّ إذا تقاذفَني الهَوَى |
| أوَ لَمْ يَذُبْ في حُـبِّ عَبْلَـةَ عَنْتَـرُ؟ |
| لا ليسَ يَحْظَـى باحترامـي زاهـدٌ |
| الفّخْـرُ أن يُغْريـكَ طَـرْفٌ أحـوَر |
| مَنْ يمتلـئْ جَيْبـاً ويَفْـرُغْ مُهْجَـةً |
| لا تَحْسِدوه، فإنه لا يَشْعُرُ |
| سأظل في أسْرِ الصَّبابة راسِفاً |
| ما أتْعَسَ القَلْـبَ الـذي لا يُؤسَـر |
| لولا الهـوَى لم يَشْـدُ طـيرٌ أبْكَـمٌ |
| كلاّ، ولم يهتزَّ وَرْدٌ أَحْمَرُ |
| تجري المراكـب باسمـه إن شَرَّقَـتْ |
| وبِذِكْره إن غرّبتْ تَتَبَخْترُ |
| * * * |
| غَلْواءُ قُولي للذينَ تضاحَكُوا |
| مِنْ شيبتي وتعامزوا وتَنَدَّروا |
| الشيبُ مِنْ نِعَـم السمـاء ولم أجِـدْ |
| في الناس مَنْ بِهِبـاتِ ربِّـكَ يَكْفـرُ |
| قُرِن اسمُـهُ بالعَقْـل، فهْـو فضيلـةٌ |
| وبثَلْج صِنّينٍ فراعَ المَنظَرُ |
| لا يُشْتَرى بالمالِ أو يَظْفرْ به |
| إلاّ الذين مِنَ الذنوبِ تطهَّروا |
| هذا البياضُ قَصيدةٌ مَنْثورةٌ |
| حَلَقاتُها مَنْظومةٌ لا تُنْثَرُ |
| زانَتْه أحداثُ الزمان بحِكْمةٍ |
| تجلو اليَقينَ لِحائرٍ يَتَعَثَّرُ |
| تَبْقَى على الأيام آيةُ شاعرٍ |
| ويَزولُ ما يبني الغنيُّ الموسِرُ |
| ولربما استَعْصَى الضياءُ لمُبْصرٍ |
| ورآه رأيَ العَين مَنْ لا يُبصرُ |
| ولربما عَثَرَ البخيلُ بظِّلهِ |
| وطوى مَتاهـاتِ الصحـارى الخَـيرُ |
| إن لم تَكُنْ عينُ الفَتَى في قَلبه |
| لم يَدْرِ أيّهما الطريقُ الأيسرُ |
| هَيُّ بُنُ بَيٍّ ليس أدنى رُتْبةً |
| من قَيْصرٍ، إنْ لم يبرّزْ قَيْصرُ |
| * * * |
| غداً الـوداعُ، فمـا أقـولُ لأُخْـوةٍ |
| الشَّهْدُ من أخْلاقِهم والعَنْبر؟ |
| قرّتْ بهـم عـينُ المـروءةِ وارتَـوَى |
| مِنْ غَيْثهم حـتى استفـاضَ الكوْثـر |
| غَمروا طريقـيَ بالبَشاشَـةِ والنَّـدَى |
| فإذا عَثَرْتُ فبالمحبةِ أعْثرُ… |
| قد أنزلوني في سَوادِ قُلوبهم |
| سَلِمَتْ قلوبٌ بالحَميّةِ تَزْخَرُ |
| وَتكنّفوني بالرِّعايةِ والوَفَا |
| يُعْطي ويَعْتذرُ الكريمُ ويَشْكُر |
| إن يَنْظموا فقُـل العقـودُ تناسَقَـتْ |
| أو ينْثُروا فقُلِ استطارَ الجَوْهر |
| آمنْتُ باللهِ العَزيزِ وخُلْدِهِ |
| هذا هـو الخُلْـدُ الأبـشُّ الأنْضَـرُ |
| التَّبْرُ في كُلِّ المناجَمِ أصْفَرٌ |
| إلاَّ هنا، فالتِّبْرُ رَمْلٌ أسْمرُ |
| أنا حاملٌ منه لأهلي حَفْنةً |
| كي يعلموا أنّ الطُّفولةَ تَكْبُرُ |
| كي يُؤمنوا أنّ الصَّحارَى أصْبَحـتْ |
| رَوْضاً يَهشّ وَحَقْلَةً تُستَثْمَرُ |
| كي يُوقنوا أنّ الجزيرةَ أنْجَبَتْ |
| شَعْباً على نَشْـر الفَضيلـةِ يَسْهـرُ |
| كي يُدرِكوا أنّ العُروبةَ أسْرَةٌ |
| مهما تنازَعَ شَمْلَها المستَعْمرُ |
| لو ملَّكوني الأرض لم أخْتَـرْ سِـوَى |
| كوخٍ يكاد علـى الخَوَرْنَـقِِ يَفْخـرُ |
| كوخٍ بباديةِ الحجاز مُوَتَّدٍ |
| راسٍ تُغازلُهُ الصَّبا والصَّرْصَرُ |
| أستقبلُ الأصحـابَ فيـه، وأرْتـوي |
| مِنْ عِلْمهِم، وأزورُهم وأثَرْثِرُ |
| أنا حائرٌ يا قومُ، هَـلْ مِـنْ مَخْـرَجٍ |
| لفتىً يكادُ يحارُ مَعه المِنبرُ |
| عندي هنا أهْلٌ، ولـي في مَهْجِـري |
| أهلٌ… قد ارتبط الحِمَـى والمَهْجَـرُ |
| قَلبي يَحومُ عليكمُ في لَهْفَةٍ |
| وعلى زَغاليلي… فَمـنْ ذَا أُوثـرُ؟ |
| غداً الـوَداعُ فمـا أقـولُ لأخْـوةٍ |
| الشّهْدُ مِنْ أخلاقهمْ والعَنْبرُ؟ |
| يا ربِّ أرْشِدْنـي إلى سُبُـل الهُـدَى |
| مَنْ دَقَّ بابَـكَ راجيـاً لا يَخْسَـرُ! |