شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دمعـة وداع
في نهاية زيارته للمملكة العربية السعودية، عام 1992
غداً الوَدَاعُ، فما لَنا نَتَطيّرُ
ما خَطَّت الأقدارُ لا يتغيّرُ
غداً الوداعُ، فخَفّفـي مِـنْ لهْفـَتي
يا مُهْجةً في وَجْدها تَتَفَطّرُ
الصّبْرُ مِنْ شِيَم التقـيِّ، ولَـمْ أجـدْ
في الخارجينَ على التُّقَى مَـن يَصْـبرُ
صلّي إذا أبدَى الزمان نيوبه
تُغْفَرْ خَطاياك التي لا تُغْفَر
اللهُ حسبُـكَ، لا يخيبُ لَدَيْـه مَـنْ
حَسُنَتْ سَريرتُـه وطـابَ المَظْهَـرُ
لا تَحْذَري، مـا دُمْـتِ في مَلَكوتـه
ناباً يُخافُ ولا عَدُواً يُحْذَرُ
ما كلُ مَـنْ صلّـى تُثـاب صَلاتُـه
كَلاَّ، ولا الصَّوْمُ المموَّهُ يُؤجَرُ
الخالدان (1) على صباي تواطآ
فابيضَّ فَوْدي حـين قَلْـبيَ أخْضَـرُ
ما زَلْتُ في السبعـين أشعُـرُ أنـني
في عالم الشُّعراء غُصْنٌ مُثْمرُ
عندي ملاحمُ في الغرام خَبيثةٌ
أخْشَى علـى قرّائهـا أن يَسْكـروا
مِنْ وَحْي غَلْواءَ استَرَقْتُ خواطـري
لولا هَواها لم يَكُنْ لي مَصْدَرُ
يا مَنْ يَعيب عليّ أني عاشِقٌ
لم تَجْترِمْ… إني كما تَتَصوَّرُ
ماذا عليّ إذا تقاذفَني الهَوَى
أوَ لَمْ يَذُبْ في حُـبِّ عَبْلَـةَ عَنْتَـرُ؟
لا ليسَ يَحْظَـى باحترامـي زاهـدٌ
الفّخْـرُ أن يُغْريـكَ طَـرْفٌ أحـوَر
مَنْ يمتلـئْ جَيْبـاً ويَفْـرُغْ مُهْجَـةً
لا تَحْسِدوه، فإنه لا يَشْعُرُ
سأظل في أسْرِ الصَّبابة راسِفاً
ما أتْعَسَ القَلْـبَ الـذي لا يُؤسَـر
لولا الهـوَى لم يَشْـدُ طـيرٌ أبْكَـمٌ
كلاّ، ولم يهتزَّ وَرْدٌ أَحْمَرُ
تجري المراكـب باسمـه إن شَرَّقَـتْ
وبِذِكْره إن غرّبتْ تَتَبَخْترُ
* * *
غَلْواءُ قُولي للذينَ تضاحَكُوا
مِنْ شيبتي وتعامزوا وتَنَدَّروا
الشيبُ مِنْ نِعَـم السمـاء ولم أجِـدْ
في الناس مَنْ بِهِبـاتِ ربِّـكَ يَكْفـرُ
قُرِن اسمُـهُ بالعَقْـل، فهْـو فضيلـةٌ
وبثَلْج صِنّينٍ فراعَ المَنظَرُ
لا يُشْتَرى بالمالِ أو يَظْفرْ به
إلاّ الذين مِنَ الذنوبِ تطهَّروا
هذا البياضُ قَصيدةٌ مَنْثورةٌ
حَلَقاتُها مَنْظومةٌ لا تُنْثَرُ
زانَتْه أحداثُ الزمان بحِكْمةٍ
تجلو اليَقينَ لِحائرٍ يَتَعَثَّرُ
تَبْقَى على الأيام آيةُ شاعرٍ
ويَزولُ ما يبني الغنيُّ الموسِرُ
ولربما استَعْصَى الضياءُ لمُبْصرٍ
ورآه رأيَ العَين مَنْ لا يُبصرُ
ولربما عَثَرَ البخيلُ بظِّلهِ
وطوى مَتاهـاتِ الصحـارى الخَـيرُ
إن لم تَكُنْ عينُ الفَتَى في قَلبه
لم يَدْرِ أيّهما الطريقُ الأيسرُ
هَيُّ بُنُ بَيٍّ ليس أدنى رُتْبةً
من قَيْصرٍ، إنْ لم يبرّزْ قَيْصرُ
* * *
غداً الـوداعُ، فمـا أقـولُ لأُخْـوةٍ
الشَّهْدُ من أخْلاقِهم والعَنْبر؟
قرّتْ بهـم عـينُ المـروءةِ وارتَـوَى
مِنْ غَيْثهم حـتى استفـاضَ الكوْثـر
غَمروا طريقـيَ بالبَشاشَـةِ والنَّـدَى
فإذا عَثَرْتُ فبالمحبةِ أعْثرُ…
قد أنزلوني في سَوادِ قُلوبهم
سَلِمَتْ قلوبٌ بالحَميّةِ تَزْخَرُ
وَتكنّفوني بالرِّعايةِ والوَفَا
يُعْطي ويَعْتذرُ الكريمُ ويَشْكُر
إن يَنْظموا فقُـل العقـودُ تناسَقَـتْ
أو ينْثُروا فقُلِ استطارَ الجَوْهر
آمنْتُ باللهِ العَزيزِ وخُلْدِهِ
هذا هـو الخُلْـدُ الأبـشُّ الأنْضَـرُ
التَّبْرُ في كُلِّ المناجَمِ أصْفَرٌ
إلاَّ هنا، فالتِّبْرُ رَمْلٌ أسْمرُ
أنا حاملٌ منه لأهلي حَفْنةً
كي يعلموا أنّ الطُّفولةَ تَكْبُرُ
كي يُؤمنوا أنّ الصَّحارَى أصْبَحـتْ
رَوْضاً يَهشّ وَحَقْلَةً تُستَثْمَرُ
كي يُوقنوا أنّ الجزيرةَ أنْجَبَتْ
شَعْباً على نَشْـر الفَضيلـةِ يَسْهـرُ
كي يُدرِكوا أنّ العُروبةَ أسْرَةٌ
مهما تنازَعَ شَمْلَها المستَعْمرُ
لو ملَّكوني الأرض لم أخْتَـرْ سِـوَى
كوخٍ يكاد علـى الخَوَرْنَـقِِ يَفْخـرُ
كوخٍ بباديةِ الحجاز مُوَتَّدٍ
راسٍ تُغازلُهُ الصَّبا والصَّرْصَرُ
أستقبلُ الأصحـابَ فيـه، وأرْتـوي
مِنْ عِلْمهِم، وأزورُهم وأثَرْثِرُ
أنا حائرٌ يا قومُ، هَـلْ مِـنْ مَخْـرَجٍ
لفتىً يكادُ يحارُ مَعه المِنبرُ
عندي هنا أهْلٌ، ولـي في مَهْجِـري
أهلٌ… قد ارتبط الحِمَـى والمَهْجَـرُ
قَلبي يَحومُ عليكمُ في لَهْفَةٍ
وعلى زَغاليلي… فَمـنْ ذَا أُوثـرُ؟
غداً الـوَداعُ فمـا أقـولُ لأخْـوةٍ
الشّهْدُ مِنْ أخلاقهمْ والعَنْبرُ؟
يا ربِّ أرْشِدْنـي إلى سُبُـل الهُـدَى
مَنْ دَقَّ بابَـكَ راجيـاً لا يَخْسَـرُ!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :455  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 475 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.