شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
في أرض الرسالـة
في زيارته للمملكة العربية السعودية، عام 1992
الحمدُ لله استجابَ لمَطْلبي
فعَقَلْتُ في أرض الرسالة مَرْكَبي
جاء البريدُ مُضَمَّخاً بولائكم
فسَكرْتُ منه بالأريجِ الأطْيَبِ
ما كنتُ أحْلُمُ أنْ سأبلـغُ عندَكـم
شَأواً يعـزُّ علـى النَّسـورِ الجُـوَّبِ
يا إخوتي لا تَعْذِلوني إنْ أمِسْ
طَرَباً، فمنذ طُفولتي لم أَطْربِ
طالَت مراحـلُ غُرْبـتي، يـا ربِّ لا
تَجْعلْ ضَريحي في تُرابٍ أجنبي
لم يَكْبُ لي أملٌ ببابِك، فَلْيكُنْ
أمَلي لَدَيكَ الآن غيرَ مًخَيَّبِ
إني اغتسلْـتُ من الذنـوب فلُفَّـني
بجميل عَفْوِكَ واْرضَ عـن مُتِقـرّبِ
لم يِبْقِ لي نابٌ أذودُ بِه العِدَى
أو مِخْلبٌ، فَلقد تقطَّعَ مِخْلَبي
سبعونَ من عمري مَضَـتْ في حُرْقَـةٍ
أوَ لَيس لي مِنْ مَخْـرَجٍ أو مَهْـرَبِ؟
هَيْهات يُدْرِكُ ما النَّـوى وشُجونُهـا
مَنْ لم يَغِبْ عـن مَنْـزلٍ أو مَلْعـبِ
مَهْما يَـكُ البلـد الغريـبُ مُحَبَّبـاً
فالشَرقُ غير الغَرْبِ للمُتَغرِّبِ
قالوا تعصَّبَ، قلـتٌ ليـس تَعَصُّبـا
شَتَّان بين مَحَبةٍ وتَعَصُّبِ
وهَبُوا تَعَصَّبَ شاعرٌ لبلادِه
فلقَدْ عَجِبْتُ لمنطِقِ المتعجِّبِ
إني أحبُّ الناسَ دونَ تفاوتٍ
لكنّ أقربَهم إلى قَلْبي أبي
والماءُ أعذبُه الذي في مَنْهلي
والنورُ أسناه الذي في كَوْكبي
لا حـدَّ عنـدي بين مَصْـرَ وجِلَّـقٍ
أو بين عاصمـة الرشيـدِ ويَثْـرِبِ
العُرْبُ عائلةٌ، وإن يَتَنافروا
لا فَرْقَ بين مُشَرِّقٍ ومُغرِّبِ
لم أختَرِ الفُصْحـى لِحُسْـنِ بيانِهـا
لكن لأني يَعْرُبيُّ المَذْهَبِ
يأبى لساني أن يدورَ بغَيْرها
ما حيلتي بالشامِسِ المترهِّبِ؟
لم تُغْرِهِ لُغةٌ برغمِ ثوائهِ
في مَخْصَـبٍ بالأرض أو في مَجْـدَبِ
لولا فَراخٌ يَفْرحونَ لعَوْدتي
وابْنٌ أكـادُ أقـولُ غَيْـرُ مُهَـذَّبِ
أُخْفي تباريحي كرامةَ عيْنهم
وأغلُّ غصّاتِ الفؤادِ المُتْعَبِ
لأنَخْتُ في بَلَـدِ الرسـولِ مطيّـتي
وحَلَفْتُ أني لن أعودَ لمكتبي
ولقُلْتُ للأيامِ لَسْتُ بخائفٍ
ما تُضْمريـن، فسالمـي أو فاغضَـبي
أنا مِنْ قلـوبِ عَشيرتـي في مَأمـنٍ
مَنْ كان في كنَفِ الشَّـرى لم يُطْلَـب
الآن ألقَى وَجْهَ ربِّي راضياً
فَرِحاً، وأنسَى كل ضَيْـم حَـلَّ بـي
هَيْهات تَخْدَعُني النُّعوتُ وإن سَمَـتْ
عمّي نِزارِيٌّ وخالي تَغْلِبي
وَيحَ الغريبِ يعيشُ مُضْطرِبَ الخُطَـى
كدَجَاجةٍ شَمّتْ روائح ثَعْلبِ
حَمَلتْ رسائلُه الرجاءِ لأهلِهِ
ثم انقَطَعْنَ، فَلَيْتَه لم يَكْتُبِ
* * *
يا فَهْـدُ يـا فَهْـدُ المـروءة إنَّـني
أُزجي إليك تحيّةَ الشَّعْبِ الأبي
تُنْسَى حَزازاتُ النفـوسِ إذا كَبَـتْ
فَرَسُ الشقيقِ على مواطـئِ أجنـبي
العِرْقُ دَسّاسٌ، ورُبَّ إساءةٍ
غُفِرَت لقاء تحيّةٍ من مُذْنِبِ
أبكي لِداهيـةِ الغريـبِ فكيـفَ لا
أبكي لداهيةِ النسيبِ الأقربِ
مهما يَجُرْ أهلي عليَّ فإنهم
أهْلي… ومَهْما يَغْضَبـوا لم أعْتَـب
مِنْ خبزِهـمْ زادي ومِـنْ يُنبوعِهـمْ
مائي، فَهُـمْ في مأكلـي أو مَشْربـي
منْ آخـرِ الدنيـا أتيـتُ مُجَـدِّداً
عَهْدَ الولاءِ لأريحيٍّ أغلَبِ
صُلْبِ العقيـدةِ مَـنْ تجـاوزَ حـدَّهُ
يمشي إليـه علـى الغَضَـا المُتَلَهّـبِ
مُتَمَنْطِقٍ بالحزمِ يَستهدي به
في حالكات زَمانه المُتَقَلّبِ
حامي حِمَى الحَرَمَيْنِ تَسْطَعُ شَمْسُـه
إنْ تَلْتَفعْ شمسُ النهار بَغَيْهَبِ
يبني على الإيمان قبّةَ مُلْكِهِ
ويحوطُه باسمِ الجلالةِ والنبي
لِلْبرّ والإِحسان غُرَّةُ يَوْمِه
ومساؤه لِتَعَبّدٍ وتَقَرُّبِ
جَمَعَ الفخار تَليدَه وطَريفَهُ
مَنْ يَنْتَسبْ للشمس يُـرْجَ ويُرهَـبِ
هامَت رعيّتُه به وأحبَّها
تَزْكو القَرابةُ بالشُّعورِ الطيّبِ
صانَ البلادَ مِنَ الذِّئـاب ولم يَخُـنْ
عَهْداً، ولم يِكْفرْ بجيرةِ عِقْربِ
ظَفِرَ الفقيرُ بحقِّه في ظِلّهِ
ومَشَى الغنيُّ علـى بِسـاطٍ مُذْهَـبِ
فكلاهما مُتَفاهمٌ مَعْ جاره
مُتَعايِشٌ رغـم اختـلافِ المَنْصِـبِ
لا حِقْدَ بينهما ولا مِنْ حاقدٍ
الحِقْدُ يَخْـرِبُ كـلَ غَيْـرِ مخـرَّبِ
* * *
مِنْ هذه الأرض السَّخِيةِ أشْرقتْ
شَمْسُ الهُدَى، شَمْسُ الرسول اليَعْرُبي
طَافتْ علـى الدنْيـا فهَلَّـلْ أهلُهـا
إلاّ وُجوهَ الأنبياءِ الكذَّبِ
وتهادَتِ الأصنامُ بَعْدَ تِشامُخٍ
وتفرّقَ الأتباعُ بعدَ تألُّبِ
وتآلَفَتْ باسم الحَنيفةِ أمّةٌ
كانت شَراذمَ لا تَدينُ بمَذْهَبِ
عزّتْ فعـزَّ الشـرقُ تحـت لِوائهـا
والغَرْبُ منهـا في ربيـعٍ مَخْصِـب
فَتَحَتْ، ولكن أمّنتْ أعداءَها
وغَزَتْ، ولكـن لم تَجُـرْ أو تَنْهَـبِ
تاريخُها قبلَ الرسالةِ ظُلْمةٌ
لولاَ بَصيـصٌ مِـنْ رَجـاءٍ لاحِـبِ
أنّى تُقَلّبُه تجدْهُ رَوْضةً
لم تَزْدَهِرْ أو حَقْلةً لم تُعشبِ
يَسْطو القويُّ على الضعيف وتُشتَرى
بنْتُ الفَقير بنَعْجةٍ أو أرْنبِ
وأتَى الكِتابُ فـزالَ كـلُّ تفَـاوتٍ
بَيْنَ العِبادِ وما كلُّ تحزُّبِ
وحَمَى مِن الوأدِ البنـاتِ، ولم يَكُـنْ
وأدُ البناتِ مثارَ أمٍّ أو أبِ
من كان يَخْبطُ في دياجيـه اْهتـدَى
وبَدَا صراطُ الحَقِّ للمتريّبِ
وسِعَتْ شَرائِعُهُ الشُّعـوبَ وألَّفَـتْ
بَيْنَ القُلوبِ على اختلاف المَشْـربِ
لم يَبْقَ لابن الأكرمينَ مَزّيةٌ
يُزهَى بها عُجْبـاً علـى المُسْتَغْـرِبِ
* * *
يـا إخوتي عابُـوا علـيَّ صَراحـتي
يا لَيْتَهم عابوا عليَّ تَذَبْذُبي
ما حيلتي والصِّدْقُ فيَّ سَجيّةٌ
مَوْروثةٌ لا تَختفي أو تَخْتَبي؟
عَبَثاً أقاومها وأخْنُقُ صَوْتها
لَيْسَتْ معانـدَة الخِضَـمِّ بأصْعَـب
إنَّي أحبُّ من البيان نقيَّه
ومنَ الصَّديق أحـبُّ كـل مُجَـرّب
الشعرُ عندي ما تألّق لَفْظُه
واختال في المعـنى الأنيـق المُطْـرب
الشعرُ عاطفةٌ وفَيْض قَريحةٍ
مهما استمرَّ عطاؤها لم تَتْعَب
الشعرُ غانيةٌ تناهَى حُسْنها
وَتَرَفَّعَتْ عن واغلٍ مُتكِسب
أو رَوْضةٌ غنّاءٌ دانيةُ الجَنَى
يُغْني شَذَاها عن دواءٍ مُطْبب
قالوا الحداثـةُ قُلْـتُ لسـتُ بهائـم
فيها ولا أنا عندها بمُحَبَّب
إنَّ الطلاسمَ لا تُعَدُّ حداثة
إلا لَدَى المتَعَنِّتِ المُتَعَصِّبِ
خَرَجوا على ميراثِهم لكنَّهمْ
يتهافتون على خوان الأجْنبي
يتعيَّشون على فُتات رَغيفِهِ
وعلى بقيةِ مائِه المتسرّب
إنْ يَعْطُس الغربيُّ في لَشبونةٍ
مَرضوا بمصرَ ورشّحوا في غَبْغَـب (1)
لا أنبذُ المَعْنى الشريفَ إذا أتى
في لَهجةٍ أحلَى وثَوْبٍ أعجبِ
لكنْ إذا استَعْصـى وراوَغَ والتـوَى
لم يَلْقَ غيرَ تَهَرُّبٍ وتجنُّبِ
كمْ شاعـرٍ نـالَ العُـلا بقصيـدةٍ
ما أكثـرَ الشِّعْـرَ الـذي لم يُكتَـبِ
إني معَ التجديد، لكـنْ لسـتُ مَـعْ
تهديم ماضٍ بالجلالِ مُقَبَّبِ
أخْلَصْتُ لِلفُصْحـى ولم أخْفـرْ لهـا
عَهْداً وعن أسلوبها لم أرْغَبِ
قد أنجَبَتْ شَوْقـي، فـلا يتغامَـزوا
شَوْقي أميرُ الشِّعْـر غَيْـرُ مُكَـذَّبِ
تمضي القُرونُ وذِكْرُه متألٌّق
مُتَجدِّدٌ مَعْ كـل مَطْلَـعِ كَوْكـبِ
* * *
يا إخْوَتي لا تَستطيعُ عَزيمتي
أن تَشْرَئبَّ إلى البيان الأعذَبِ
عَبَثَتْ بي السبعونَ بل جَـارَتْ علـى
رُوحي وعافِيَتي، فأنَ تَوَثُّبي؟
لَوْمي علـى غَلْـواءَ فهـيَ نجيَّـتي
في الشِّعْر، وَهْي رفيقـتي في المَلْعَـب
قَطَعتْ منابعَ وَحْيهـا عنِّـي، فهَـل
يُجدي اعتـذاري أو يُفيـدُ تهرُّبـي؟
لا تُنكروا دّمْعي، فإني فاتحٌ
قَلْبي لَدَى أهلي فيـا عَيْـنُ اسْكـبي
ذَهَبَ الرَّدَى برفـاق دَرْبي وانطـوَى
مُلْكٌ رَفَعْنا بندَهُ في المَغْرب (2)
حَمَل الجديدَ ولم يَعُقَّ قديمَهُ
لَيستْ مناجـزةُ القديـم بِمَكْسَـبِ
دَرَسَتْ معالِمُهم فلا خبرٌ ولا
أثَرٌ يجيـبُ علـى سـؤال مُنَقِّـبِ
لكأنهمْ لم يَخْدموا الفُصْحى ولم
تُخْصِب مزارعُهمْ ولم تَعْشوْشبِ
أبكي لهـم فلَقَـدْ تناثَـر شَمْلُهـمْ
يا لَهْـفَ نَفْسـي للنُّسـورِ الغُيَّـبِ
أنا حَقْلةٌ يَبِسَتْ ولكنْ أنْتُمُ
أوْهَمْتُموني أنني لم أجْدِبِ
أنا جَدْول لا ماءَ فيه وأنتُم
أقْنَعْتموني أنني لم أنْضُبِ
أنا طائـرٌ هـاضَ الخريـفُ جناحَـهُ
لكنْ جَبَرْتُم بالمحبةِ مَنْكبي؟
فإذَا ذَكَرْتُكمُ تَلَجْلَجَ مَنْطِقي
هل تأخذونَ علـى رَطانَتِـهِ غَـبي؟
وإذا شَكَرْتكُم فلستُ ببالغٍ
أدْنَى مراتبِ مُحْتَفٍ ومُرَحِّبِ
أَحْبَبْتُكُمْ قَبْلَ التلاقي فاكتفوا
مني بدَمْعَةٍ واجِفٍ مُتِهيّبِ
إني اجترأْتُ علـى الخِضـمِّ فهالَـني
أنِّي على الشاطـي غَرِقْـتُ بمِرْكـبي
بالأمس كنتمْ دَفْتراً في مكتبي
واليومَ أنْتُمْ بـين سِرْبـي الأقـربِ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :463  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 473 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج