| عُدْنا إليـك وكـان عَـوداً أحمـدا |
| هَيْهات أخشَى اليومَ عادِيـة الـرَّدَى |
| عُدْنا إليك وفي الجوانِحِ لَهْفةٌ |
| حَرّى لوجهِـكَ لا يُلَطِّفهـا النَّـدَى |
| عُدْنا نُغنِّي للصَّبابةِ والهَوَى |
| وعلى دُروبِ الغِيدِ نَفْـرُشُ أكْبُـدا |
| الشَّيْبُ هاجَمنا ولكنْ لم نَزَلْ |
| نَردُ الجمالَ ونَستطيبُ المَوْردا |
| تُذكي بيَ السَّمـراءُ وَجْـداً كامِنـاً |
| وتُعيدُني الشقراءُ صَبًّا أمْرَدا |
| لا تدْر غَلوائي فلَسْتُ أريدها |
| طَرَفاً كسيراً أو مُحيًّا أرْبدا |
| يا مَهْدَ أحلامي أتذكـرُ كَـمْ هَفـا |
| قلبي إليـك وكـم بَكَـى وَتَنَّهـدا؟ |
| وكم امتطَيتُ إليك أحلامـي، وكـمْ |
| وَطَّأتُ في أحضانِ رَوْضِـك مَرْقَـدا |
| يا شـامُ أضنانـي الحنـينُ، فَـبرِّدي |
| نارَ الصَّدَى في مُهْجةٍ ذابـتْ صَـدَى |
| كم نازحٍ ما غابَ عنـك وإنْ يَعِـشْ |
| في آخرِ الدُّنْيا شريداً مُبْعَداً |
| يَغْفو وطيفُـكِ في مطـاوي جَفْنِـه |
| حُلْمٌ – كما ضحكَ الربيعُ – تَـوَرّدا |
| بيني وبينـك ألـفُ ألـفِ وَشيجـةٍ |
| تزدادُ – ما ازدادَ الفِـراقُ – تجـدُّدا |
| أنا طيرك الصَّـداح تَعْرفُـني الرُّبَـا |
| مهما نأى منفـايَ أو شـطّ المَـدَى |
| لم تحْلُ إلاّ فيك ألحاني، ولمْ |
| أرْفَعْ لغيرك في ضُلوعي مَعْبَدا |
| أنا من ثَراه ذَرّةٌ، أنا قَطْرةٌ |
| مِنْ نَهْـره الجـاري رَقيقـاً مُزْبـدا |
| عادَيتُ أصحابي لأجلِ عُيونه |
| ونَبَذْتُ ألـفَ يَـدٍ تَسـحُّ زُمُـرّدا |
| ما حاجـتي للمـالِ يَخْنُـقُ عِزَّتـي |
| ويَردُّني في الرَّوْعِ سَيْفاً مُغْمدا |
| شرٌّ من الليل ادْلَهمَّ جَبينُه |
| صُبْحٌ بأطباقِ الغُيوم تَلَبَّدا |
| مَنْ كـان يرجـو جَنَّـةً مَسْحـورةً |
| فأنا أَرى الفيحـاءَ أحْلَـى مَشْهـدا |
| في ظلِّها الحانـي قَضَيْـتُ طفولَـتي |
| مَنْ لي بَقَبْرٍ في مَغَانيها غدا؟ |
| ما الكَوْثَـرُ الرَّقْـراق يَنْثُـر فضّـةً |
| بَرَدَى على الشَّطّيْن يَنْثُـر عَسْجَـدا |
| حُمْنا كمـا حامَـت عليـه طُيُـوره |
| فَهَفَا وصَفّـقَ للضيـوف وزَغْـردَا |
| قَبَسَ البشاشة مِـنْ خَمائـل دُمَّـرٍ |
| وَسَخا عليهـا بالنَّضـارة والنَّـدَى |
| يا نهرُ كَـمْ ألهَمْـتَ "شَوْقـي" آيـةً |
| لم يَنْقَطعْ بـينَ الـرواةِ لهـا صَـدَى |
| تَقِفُ العقولُ إزاءَها مأخوذةً |
| نَشْوَى، وتنشدُها المجالـسُ سُجَّـدا |
| تزدادُ حُسْنـاً مـا تكـررَ ذِكْرُهـا |
| كم شوّهَ التكْـرارُ حُسْنـاً مُفْـردا |
| سارَتْ على السَّنَن القويم وخَالَفَـتْ |
| نَهْجاً على أمِّ اللُّغاتِ تَمَردا |
| يَدْعونه الشِّعْـر الحديـثَ ولَوْ هُـمُ |
| عَدَلُوا لَسّموه البلاَء الأسوَدا |
| بُشْراكَ يا شَوْقي، فلـو طَرِبـوا لهـا |
| لَخَسِرْتَ عَرْشاً في القلـوب مُوَطَّـدا |
| أثْنى الغُرابُ علـى الهَـزار فشانَـه |
| يا ليتَه أرغَى عليه وأزْبَدا |
| يا شامُ لمْ نَهْجُـرْك زُهْـدًا أو قِلـىً |
| حاشا لأشبـالِ الحِمَـى أن تَزْهـدا |
| لكنْ دعانـا المجـدُ للجُلّـى، فلَـمْ |
| نَقْعُدْ ومِـنْ حـق العُـلا أن نَنْهـدا |
| غَسّان أنْجَبَنا فكيف نَعُقُّه |
| تَقْضي الحميّةُ أن نَبرّ المَحْتِدا |
| باسمِ العُروبةِ باسمِها خُضْنـا الـرَّدَى |
| ولِمَجْدِها الغالـي غَزَوْنـا الفَرْقَـدا |
| عَزَّتْ بما شِدْناه مُغْتِرباتُنا |
| يا لَلْمَسود يَصيرُ فيها سَيِّدا |
| في كلِّ ناحيةٍ بَنَيْنا مَعْقلاً |
| يَزْهُو بآياتِ الفضيلةِ والهُدَى |
| أيّان سِرْنا فالدروبُ بشَاشَةٌ |
| يَحْلو الجُمانُ مُفَرّقاً ومُنَضَّدا |
| لم نَفْتَحِ الدُّنيا لِنَجْني شَهْدَها |
| لكنْ لنكسوَ بالرَّجاء الفَدْفَدا |
| بئسَ الفَتَـى يَزْهُـو بمـا في جيبـه |
| إن كان مِنْ حُسْن الخِصـالِ مُجَـرّدا |
| أطماعُ "أشعَـبَ" شَوَّهَـتْ أخبـارَه |
| وصِفاتُ "حاتَمَ" خلّدتْه مُؤَبَّدا |
| يا نهـرُ يا بَـرَدى حَديثُـك مُتْعـةٌ |
| فأدِرْه يِسْكِرْ بالرَّحيق المُنْتدى |
| مليونَ عصرٍ قـد طَوَيـتَ ولم تـزَلْ |
| تَطْوي العُصورَ وسَوْفَ تَبْقَى سَرْمَـدا |
| فأعِدْ لنا أخبار ماضٍ حافلٍ |
| ماجَتْ بآياتِ البُطولةِ والفِدا |
| حَدِّثْ فنحنُ على ضِفافِـك خُشّـعٌ |
| نُصْغي إليك مُجَدِّداً ومُقَلدا |
| هذا الخريرُ قصائدٌ مَنْثورة |
| طَرَقَتْ مكامِن همِّنا فتَبدَّدا |
| كم فاتـحٍ أغرتْـه منـك وَدَاعـةٌ |
| فَغَزَاكَ واستَعْلـى ومـاجَ وأرْعَـدا |
| شَرِبَ العشيـةَ منـك مـاءً بـارِداً |
| وسَقَيْته في الصبح سُماً أبْردا |
| ألقيتَ فيـه الذُّعْـرَ حـينَ جَبَهْتَـه |
| وَتَركْتَه خَبراً أضاعَ المُبْتدا |
| حدِّثْ وإن كـرهَ الذيـن تمسّحـوا |
| بالأجنبيَِ، وباركوهُ تَوَدُّدا |
| مِنْ كل دَجّاٍل تهوّدَ خَفْيةً |
| وَتَراه يَدْعُو غيرَه مُتَهوِّدا |
| عادَى الأخ الأدْنى وعَقَّ جدارَه |
| وأجار واختارَ الغريبَ الأبْعَدا |
| وَرث الزعامةَ والثَّراءَ ولمْ يَرِثْ |
| قَلْباً أبرَّ ولا لِساناً مُرْشِدا |
| يَزْهُو بسادَتهِ ويَسْتَقْوي بهم |
| لولا يَـدُ اسْرائيـلَ لم يَرْفَـعْ يَـدا |
| * * * |
| يا نَهْرُ حدِّثْنـا عـن النَّسْـرِ الـذي |
| قَهَر الرَّدَى في "مَيْسلـونٍ" بالـرَّدَى |
| هانَتْ عليه نفسُه فَسخا بها |
| كي لا يقولوا هـانَ مَوْطِنُـه غَـدا |
| * * * |
| حَدّثْ وحَدِّثْ عن خـوارق "حافظٍ" |
| بَطَلِ الكريهـةِ والسـلام المُفْتـدى |
| المالئِ الدنيا وشاغلِ أهلِها |
| بنضالِه… والمُرْتَجَى والمُجْتَدى |
| تشرينُ سَطْـرٌ في صحائـف مَجْـده |
| أقذَى عيـونَ الكاشحـينَ وسَهَّـدا |
| قادَ الصفوفَ إلى الـنزالِ فحقَّقَـتْ |
| نَصْراً يَظَلُّ علـى الزَّمـان مُخَلَّـدا |
| فتحَّ الطريق بزَعْقةٍ لرجالِه |
| وبزَعْقَةٍ سَدَّ الطريـقَ علـى العِـدَى |
| أسطورةُ "الجيـشِ الـذي لم يَنْهـزِمْ" |
| صارَت كلاماً فارغـاً يُلقـى سُـدَى |
| هذا هو النَّصْر الذي لجلاله |
| وبنورِه تُحنَـى الرقـابُ ويُهتَـدَى |
| يا شامُ عُدْنـا بعـد طُـول تغـرّبٍ |
| ما أسْعَدَ اللُّقيـا وأحْلَـى الموعِـدا! |
| أهلي هنا وقبورُ أحبابي هُنا |
| فكَفاكِ يا قَدَمـي، كَفَـاكِ تَشَـرُّدا |
| أقْسمـتُ لولا برعُمـان بمَهْجَـري |
| فَرَشا دُروبي بالبَشاشة والنَّدَى
(1)
|
| يتنازَعان خواطِري وهواجِسي |
| ويُبَدّدان مخاوفي أنْ غَرّدا |
| لَزَرَعْتُ رجْلـي في تُرابِـكِ راضيـاً |
| وقَصَصْتُ جُنْحـي عامِـداً مُتَعمِّـدا |
| يا شـامُ أنتِ علـى لِسانـي نَغْمـةٌ |
| وقَصيدةٌ لا يستقرّ لها صَدَى |
| قَيّدْتُ قَلْبي في هَواكِ ولم يَزَلْ |
| ولسوفَ يَبْقَى مـا حييـتُ مُقَيَّـدا! |