| حيّاكِ باسْمِ عشيرة الأدباءِ |
| شادٍ يعيـشُ علـى سَـرَاب رَجـاءِ |
| هاضَتْ جَناحَيْه الرياحُ عَتِيّةً |
| وَرَمَتْه بين البَحْرِ والصَّحْراءِ |
| لم يَجْنِ مِنْ دُنياه إلاّ خَيْبةً |
| أوَ تلْكَ آخرةُ اليَدِ البَيْضاءِ؟ |
| مُتَغَربٌ عن عِشِّهِ، مُتَغيّبٌ |
| عن سِرْبه، مُتَعطِّشُ لِلِقاءِ |
| الحَرْبُ دائرةُ عليه، وروحه |
| في مَعْزلٍ عن نارِها الحمراءِ |
| تَجْري وراءَ طريدةٍ فِكْريةٍ |
| وتحومُ حَوْل خَريدةٍ عَصْماءِ |
| عيناهُ في الزَّرقاءِ تجتليانِها |
| ويَداهُ بين سَفاسفِ الغَبْراءِ |
| لولا هَـوَى غَلـواءَ لانطفـأ السَّنَـا |
| في أُفْقه… سَلِمَتْ يدا غَلْواءِ |
| هِيَ في مَتاهاتِ الحياةِ دَليلُه |
| وعَزاؤه… إن يَفْتَقر لعزاءِ |
| يا شاعـرَ الأهْـرام قلـبي لم يَـزَلْ |
| للشِّعْرِ مَفْتوحاً، ولِلشُّعَراء |
| ولِنَفْحةٍ ريّانة مِنْ رَبْوةٍ |
| ولِنَغْمةٍ نَدْياءَ مِنْ وَرْقاءِ |
| يَسَعْ الهَزارَ ولاَ يضيق بناعِبٍ |
| ويَبشُّ للسّمراءِ والشَّقراءِ |
| لم تَسْتَطعْ غِيَرُ النّوَى تَرْويضَه |
| أوْ تُغْرِهِ بوِجاهةٍ وثراءِ |
| إيوانُ كِسْـرى لا يسـاوي عِنْـدَه |
| بَيْتاً جميلَ السَّبْكِ "للخنساءِ" |
| نَبَذَ السعادَةَ لا يُظلُّ جناحُها |
| قَصْرَ الأمير وخيمةَ السَّقَاءِ |
| يَشْجَى لِشَـدْوِ حَمامـةٍ، وتُمِضُّـهُ |
| زَفَراتُ باكٍ أو عُبوسُ مَساءِ |
| يَصْبُو إلى "وادي الملـوكِ" ويَشْتهـي |
| لو عاش في جنّاتِه الغَنّاءِ |
| كَمْ طِفْتُ بالأحلام في جَنَباتِهِ |
| وسَعَيْتُ بين رمالِه السَّمْراءِ |
| * * * |
| أنا ظامئ للنِّيل… هَلْ مِـنْ رَشْفَـةٍ |
| تُطفي إلى نَهْر الخلودِ ظِمائي؟ |
| أنا في عُروقي حامِلٌ أنفاسَه |
| شُمّوا دمائي تَنْتَشوا بدِمائي |
| أحبَبْتُ مِصْرَ حضارةً بنّاءةً |
| فاضَتْ على الآفـاقِ بَحْـرَ ضِيـاءِ |
| ضَرَبتْ بأعماق الدُّهـور جُذورَهـا |
| وفُروعُها في القُبَّةِ الزَّرقاءِ |
| أحبَبْتُ مِصْرَ ثقافةً سَيّارةً |
| تجتازُ أرْجاءً إلى أرْجاءِ |
| مَلأتْ سماءَ المَشْرِقَيْن كواكباً |
| فانجابَ عنهـا ألْـفُ ألْـف غِشـاءِ |
| أحببتُها مأوىً لكلِّ مشردٍ |
| ومَحَجَّةً للعِلْم والعُلَماء |
| تُرْجَى فتَنْـدَى في الشدائـدِ كفُّهـا |
| يُرجَى الكريمُ لشدةٍ وعَناءِ |
| تُعطي بلا منٍّ، وتلكَ سَجيةٌ |
| شَأَتٍ العطـاءَ، وذاك خَيْـرُ سَخـاءِ |
| أحبَبْتُها للعبقريةِ مَنْبِتاً |
| في غير ما زُهْدٍ ولا خُيَلاءِ |
| "شَوْقي" أميري لَسْتُ أعْـرِف غَيْـره |
| نَسْراً تَجَاوزَ قبّةَ الجَوْزاءِ |
| حِكَمُ العُصور تزاحَمَـتْ في شِعْـره |
| وتلألأت في نَثْره الوَضَّاءِ |
| لا يتّهِمْني بالرِّياءِ مُكابرٌ |
| نَزّهتُ قولي عن قبيح رِياءِ |
| أو فَلْيَقُلْ ما شـاء… أنـي شاعـرٌ |
| وزّعْتُ بين الأقرباء وَلائي |
| أنا إنْ شَتَمتُ أخـي، فإنـي شاتـمٌ |
| نَفْسي، ومُنْتَهِكٌ ثَرَى آبائي |
| الشامُ مَهْدي والِكنانةُ قِبْلَتي |
| ولواءُ لبنانَ الجريحِ لِوائي |
| مهما تنابَذْنا فإنّا أُسْرةٌ |
| عَربّيةُ الآمالِ والأهواءِ |
| أمُّ اللُّغاتِ وَشيجةُ ما بيننا |
| سِيّانِ دانٍ في البلادِ وناءِ |
| جَمَعَتْ قلوبَ العُـرْب في ملكوتهـا |
| وتفردّتْ ببلاغةٍ وصَفاءِ |
| في ظلِّها يَئِدونَ كلَّ خُصومةٍ |
| ولِعِزّها يَرِدُونَ كلَّ فضاءِ |
| لِلشِّعْرِ فيها ألْفُ رَوْضٍ يانعٍ |
| ولطائراتِ الفِكْر ألفُ سَماءِ |
| الفاتحونَ مَضَـوا… وظلّـتْ قَلْعَـةً |
| هَلْ كان مَجْدُ السيف غَيْـرَ هَبـاءِ؟ |
| مَنْ لم يَشِـدْ بالحبَّ حائـطَ مُلْكـهِ |
| فجنودُه و جهودُه لِفناءِ |
| * * * |
| طُفْ يا رسولَ الفّـنَِ بـين قلوبِنـا |
| إنّا غَسَلناها مَنْ البَغْضاءِ |
| وانْزِلْ بـلا حَـذَرٍ علـى أجْفاننـا |
| فلقد حَرَسناها من الأقْذاء |
| لا سُوقَ في أدب الحياةِ لِبدْعةٍ |
| تختال بين رَطانةٍ وهُراءِ |
| دعَتِ الخروجَ على الجَمـال حَداثَـةً |
| ما أضّيَعَ المُؤْتمَّ بالظَّلماءِ! |
| في زَعْمها – لغرُورِهـا وقُصورهـا- |
| أنَّ الفَصاحةَ مَذْهَبُ القُدَماءِ |
| مالي أُجادلُها وليس طعامُها |
| زادي، ولا صَهْباؤها صَهْبائي |
| يا شاعرَ الأهـرام نَهْجُـك نَهْجُنـا |
| لا تَلْتَفِتْ للبِدْعةِ الرَّعْناءِ |
| ليسَ الأخ العربيّ ضَيْفاً بيننا |
| هو من صميم العِتْرة الغَرَّاءِ |
| هو واحدٌ منّـا سـواءُ كـان مِـنْ |
| وادي الكِنانة أو رُبَا الفَيْحاءِ |
| إني بَحَثْتُ فلم أجدْ أبقَى ولا |
| أنْقَى يداً مِنْ دَوْلةِ الأدَباء |