جُرّي الذُّيولَ على الحواضِرِ والقُـرَى |
وتَخَطَّري بينَ السحابِ على الـذُّرَى |
وعلى ذِراع الشمس نامي واحْلَمـي |
بغَدٍ يمـوجُ شـذاً ويَلْمـعُ جَوْهـرا |
أنا ما هجرتُكِ – مُذْ تركتُكٍ – لَحْظَة |
فكأنّ قلبي في ثَراكِ تَسَمّرا |
ما زلْـتُ مُرْتبطـاً بحبِّـك إن يكـنْ |
غَيْري علـى مـرّ السنـين تنكَّـرا |
وُلدَ الوفاء معي، وقد يَقْضـي معـي |
بئس الرفيـقُ علـى الرفيـقِ تغيَّـرا |
لا خَيْرَ في الإنسان ينسَى دارَه |
إمَّا تَغرَّبَ واستَحبّ المهجَرا |
يَبْرُود كَيفَ يَعـقُّ فضـلكِ شاعـرٌ |
مُذْ أبْصَرَتْ عَيْنـاهُ وجْهَـكِ كبَّـرا |
أطْلِقْتِنِي فَرخاً وها أنا عائدٌ |
نَسْراً يُزاحـم في الفضـاء الأنْسـرا |
لي فيكِ أحبابٌ أذوب إليهمُ |
شوقاً، ولي أضعافُهم تَحْـتَ الثَّـرَى |
ذهبُوا وأبقَـوا في ضُلوعـي جَمْـرةً |
لا دَمْعَ يُخْمِدُ حَرَّهـا مهمـا جَـرَى |
إني أقولُ، وقـد فُجعْـتُ بفَقْدِهـم |
يا لَيْتَ هـذا القلبُ كـان تَحَجَّـرا |
ما نَفْـعُ طَيْـرٍ صـادحٍ إن لم يَجِـدْ |
غُصْناً تأوَّدَ أو غَديراً ثَرْثَرا؟ |
أنا كلمـا ذُكِـروا أحـسُّ كأنـني |
مَيْتٌ تَجدَّدَ مَوْتَه وتكررا |
أنكرتُ نفسي بعدَهـم ولـو أَنَّهـم |
لم يذهبُـوا كنتُ الحسـامَ الُمْشهـرَا |
العيشُ بعدَ الأصفياءِ تَفاهةٌ |
لا يُحسَدُ الناجـي أضـاع المَعْشَـرا |
ما ضَرَّ لو أغمضـتُ عيـني بينهـم |
يومَ استراحوا تحت غاشية الكـرى؟ |
يا ذكرياتِ طفولتي لا تُوقظي |
جُرْحاً غَفَـا بـين الجَوانـح أحْمَـرا |
لم يُجْدِ فيه الطُّـبُّ أو تُغْـنِ الرُّقـى |
إني أخاف عليه ألسنةَ الوَرَى |
أنا قد أبيـع بساعـةٍ منهـا غَـدي |
لو أنَّ ساعـاتِ الطُّفولـة تُشْتَـرى |
أحببتُ حتى لم يَعُدْ في عالَمي |
مَنْ لا أُريد لهُ الهَناء الأكبرا |
وغَسَلْتُ صَدْري فاستبـانَ خَفـاؤه |
حتى لَقَدْ سـاوَى الكفيفُ المُبْصـرا |
أنكرتُ في المستعمرِ استعمارَه |
لكنَّني لم أكْرَه المُسِْتَعْمرا |
لا فَضْلَ لي أني اقتبستُ فضائلي |
من نَفْح رَوْضكِ، واقتطفتُ العَنْـبرا |
* * * |
يـبرودُ يا مَهْـدَ الطفولـة والهَـوَى |
سُبْحانَ من سـوّاكِ مرجـاً أخضَـرَا |
أنا إن تجاوَزْتُ السُّهَى فلأنني |
حلّقْتُ باسمـكِ واستبقْتُ الأعْصُـرا |
مهما أصِفْ شوقـي إليـك فإنـني |
سأظلّ مَعْقودَ اللِّسانِ مُقَصِّرا |
ويظلُّ رَسْمُـك في ضمـيري ماثـلاً |
أجثُو لديه مُكبِّراً ومُبِخّرا |
مِنْ "مَرْمَرونَ" شموخُ قافيـتي، ومِـنْ |
أنفاسه العِطْرُ الذي منهـا سَـرَى
(1)
|
جَبَلٌ تعـرّى للصبـاحِ، فإن بَـدَتْ |
جِنّيةُ الليلِ البهيمِ تَسَتَّرا |
زَحَم النجومَ وراح يُوغل في الثَّـرَى |
حتى لأوشكَ لأن يجاوز عَبْقرا |
يَقْري ببسمتـه الضيـوفَ، وطالمـا |
أغنَى ضِياءُ الوجه عن نـارِ القـرَى |
ما الكوثرُ الرَّقْراقُ إلا فَلْذَةً |
من نَهْرك الساجي استقـلَّ وأَنْهَـرا |
أغراه فِرْدّوسُ الخلـود، ولـو دَرَى |
ما فيك من حُسْـنٍ لعـادَ القَهْقَـرى |
خَطَرَ الجمالُ فكنتِ دُرّةَ تاجِه |
والفرقـدانِ فكنتِ أنـت الأبْهـرا |
أحسَنْتِ للـداني وللقاصـي، فَمَـنْ |
يَذْكُرْكِ إلاّ بالثَنا فقد افتَرى |
أبناؤك الصِّيد الأباةُ تفرّقوا |
في الأرض، ما ملُّو المسيرَ ولا السُّرَى |
ركبوا الجليلَ من الصِّعـابِ ليرفَعـوا |
لكِ مَعْقِـلاً أو يَفْرِشُـوا لكِ مِنْـبرا |
حَفِيتْ – ولكن لم يَهُوا – أقدامُهُـم |
وتنافَسوا – شَأْنَ النسورِ – على الذُّرَا |
لولا عيونَكِ لم يخوضوا غَمْرةً |
تُثْني القـرومَ، ولا الفَضـاء المُقْفِـرا |
أنّى استقـرُّوا عَمّـروا… لكنهـم |
كنتِ اليدَ اليُمنى لمـنْ قـد عَمّـرا |
وسِعَتْ قلوبُهُم الوجودَ، فلـم يَـرَوا |
فيه قبيحاً، أو يَمُجُّوا مَنظَرا |
الناسُ لـولا الجهـلُ كانـوا إخـوةً |
يَرْعى كبيرهـمُ الشقيـقَ الأصغـرا |
أمُّ القُرَى اقترنَـتْ بذكـر مَحَمّـدٍ |
ولأَنْتِ يا يَبْـرودُ سيـدةُ القُـرَى! |