شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عاصمـة القُـرى
من وحي زيارته لمسقط رأسه يَبْرود، عام 1984
جُرّي الذُّيولَ على الحواضِرِ والقُـرَى
وتَخَطَّري بينَ السحابِ على الـذُّرَى
وعلى ذِراع الشمس نامي واحْلَمـي
بغَدٍ يمـوجُ شـذاً ويَلْمـعُ جَوْهـرا
أنا ما هجرتُكِ – مُذْ تركتُكٍ – لَحْظَة
فكأنّ قلبي في ثَراكِ تَسَمّرا
ما زلْـتُ مُرْتبطـاً بحبِّـك إن يكـنْ
غَيْري علـى مـرّ السنـين تنكَّـرا
وُلدَ الوفاء معي، وقد يَقْضـي معـي
بئس الرفيـقُ علـى الرفيـقِ تغيَّـرا
لا خَيْرَ في الإنسان ينسَى دارَه
إمَّا تَغرَّبَ واستَحبّ المهجَرا
يَبْرُود كَيفَ يَعـقُّ فضـلكِ شاعـرٌ
مُذْ أبْصَرَتْ عَيْنـاهُ وجْهَـكِ كبَّـرا
أطْلِقْتِنِي فَرخاً وها أنا عائدٌ
نَسْراً يُزاحـم في الفضـاء الأنْسـرا
لي فيكِ أحبابٌ أذوب إليهمُ
شوقاً، ولي أضعافُهم تَحْـتَ الثَّـرَى
ذهبُوا وأبقَـوا في ضُلوعـي جَمْـرةً
لا دَمْعَ يُخْمِدُ حَرَّهـا مهمـا جَـرَى
إني أقولُ، وقـد فُجعْـتُ بفَقْدِهـم
يا لَيْتَ هـذا القلبُ كـان تَحَجَّـرا
ما نَفْـعُ طَيْـرٍ صـادحٍ إن لم يَجِـدْ
غُصْناً تأوَّدَ أو غَديراً ثَرْثَرا؟
أنا كلمـا ذُكِـروا أحـسُّ كأنـني
مَيْتٌ تَجدَّدَ مَوْتَه وتكررا
أنكرتُ نفسي بعدَهـم ولـو أَنَّهـم
لم يذهبُـوا كنتُ الحسـامَ الُمْشهـرَا
العيشُ بعدَ الأصفياءِ تَفاهةٌ
لا يُحسَدُ الناجـي أضـاع المَعْشَـرا
ما ضَرَّ لو أغمضـتُ عيـني بينهـم
يومَ استراحوا تحت غاشية الكـرى؟
يا ذكرياتِ طفولتي لا تُوقظي
جُرْحاً غَفَـا بـين الجَوانـح أحْمَـرا
لم يُجْدِ فيه الطُّـبُّ أو تُغْـنِ الرُّقـى
إني أخاف عليه ألسنةَ الوَرَى
أنا قد أبيـع بساعـةٍ منهـا غَـدي
لو أنَّ ساعـاتِ الطُّفولـة تُشْتَـرى
أحببتُ حتى لم يَعُدْ في عالَمي
مَنْ لا أُريد لهُ الهَناء الأكبرا
وغَسَلْتُ صَدْري فاستبـانَ خَفـاؤه
حتى لَقَدْ سـاوَى الكفيفُ المُبْصـرا
أنكرتُ في المستعمرِ استعمارَه
لكنَّني لم أكْرَه المُسِْتَعْمرا
لا فَضْلَ لي أني اقتبستُ فضائلي
من نَفْح رَوْضكِ، واقتطفتُ العَنْـبرا
* * *
يـبرودُ يا مَهْـدَ الطفولـة والهَـوَى
سُبْحانَ من سـوّاكِ مرجـاً أخضَـرَا
أنا إن تجاوَزْتُ السُّهَى فلأنني
حلّقْتُ باسمـكِ واستبقْتُ الأعْصُـرا
مهما أصِفْ شوقـي إليـك فإنـني
سأظلّ مَعْقودَ اللِّسانِ مُقَصِّرا
ويظلُّ رَسْمُـك في ضمـيري ماثـلاً
أجثُو لديه مُكبِّراً ومُبِخّرا
مِنْ "مَرْمَرونَ" شموخُ قافيـتي، ومِـنْ
أنفاسه العِطْرُ الذي منهـا سَـرَى (1)
جَبَلٌ تعـرّى للصبـاحِ، فإن بَـدَتْ
جِنّيةُ الليلِ البهيمِ تَسَتَّرا
زَحَم النجومَ وراح يُوغل في الثَّـرَى
حتى لأوشكَ لأن يجاوز عَبْقرا
يَقْري ببسمتـه الضيـوفَ، وطالمـا
أغنَى ضِياءُ الوجه عن نـارِ القـرَى
ما الكوثرُ الرَّقْراقُ إلا فَلْذَةً
من نَهْرك الساجي استقـلَّ وأَنْهَـرا
أغراه فِرْدّوسُ الخلـود، ولـو دَرَى
ما فيك من حُسْـنٍ لعـادَ القَهْقَـرى
خَطَرَ الجمالُ فكنتِ دُرّةَ تاجِه
والفرقـدانِ فكنتِ أنـت الأبْهـرا
أحسَنْتِ للـداني وللقاصـي، فَمَـنْ
يَذْكُرْكِ إلاّ بالثَنا فقد افتَرى
أبناؤك الصِّيد الأباةُ تفرّقوا
في الأرض، ما ملُّو المسيرَ ولا السُّرَى
ركبوا الجليلَ من الصِّعـابِ ليرفَعـوا
لكِ مَعْقِـلاً أو يَفْرِشُـوا لكِ مِنْـبرا
حَفِيتْ – ولكن لم يَهُوا – أقدامُهُـم
وتنافَسوا – شَأْنَ النسورِ – على الذُّرَا
لولا عيونَكِ لم يخوضوا غَمْرةً
تُثْني القـرومَ، ولا الفَضـاء المُقْفِـرا
أنّى استقـرُّوا عَمّـروا… لكنهـم
كنتِ اليدَ اليُمنى لمـنْ قـد عَمّـرا
وسِعَتْ قلوبُهُم الوجودَ، فلـم يَـرَوا
فيه قبيحاً، أو يَمُجُّوا مَنظَرا
الناسُ لـولا الجهـلُ كانـوا إخـوةً
يَرْعى كبيرهـمُ الشقيـقَ الأصغـرا
أمُّ القُرَى اقترنَـتْ بذكـر مَحَمّـدٍ
ولأَنْتِ يا يَبْـرودُ سيـدةُ القُـرَى!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :921  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 470 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج