جَدّدْ بسَعْيكَ مجدَ العُرْب يـا أسـدُ |
لا يأمن الغِيـل إن لم يَحْمِـهِ الأسـدُ |
لا يَشْمخنَّ علـى أعلامهـم عَلَـمٌ |
ما أبعدَ القَمَر الداني لمـن صَعَـدوا! |
إن الأُلَى رَوَّتِ الدنيا حضارتَهم |
لم يَبْرحوا الكوثَرَ الأزكى لمـن وَرَدوا |
أعْطوا وما شوّهـوا بالمَـنِّ رِفْدَهُـمُ |
ليس الكرامُ بِمَنّانين إن رَفَدوا |
بَعْضُ الزعاماتِ ظِـلٌّ وارفٌ وجَنًـى |
وبعضُها زَبَدٌ.. هـل ينفـعُ الزَّبَـدُ؟ |
يا حافظَ الشام حَبْلُ العُرْبِ مُضْطَربٌ |
وَسَيْفهم –لا تَسَلْ عن سيفهم– قَصَدُ |
فاجْمَعْ على الحبِّ والإيمـان صَفَّهُـمُ |
لا شأنَ للشعـبِ إلاّ حـينَ يتَّحـدُ |
تَرْنُو إليـك قلـوبُ الأهـلِ هاتفـةً |
عليك وَحْدكَ بعدَ الله نَعْتَمدُ |
لا تلتفِتْ للأُلَى ماتـوا وما علمـوا |
ولا تُبال بمَنْ عَـزّوا ومـا حَمَـدوا |
قُدْنا إلى غَمراتِ النار تَصْهرُنا |
لا يَعْبَقُ العُود إلا حينَ يتَّقدُ |
آياتُ تشريـنَ في الأذهـان ماثلـةٌ |
فثنِّ وافتح بها أبصـارَ مـن هَجَـدوا |
يا فارسَ البَعْث لاحتْ شمسُ وحدَتِنـا |
أينَ المفرّ لمن عَقّوا ومـنْ جَحَـدوا؟ |
ومَنْ ترامَوا علـى أقـدام غاصِبهـم |
كأنَّهم في زوايا بيتِه وُلِدوا |
ومَنْ أَقاموا على العُدْوان دَوْلَتهمْ |
وأعلموا السيفَ في الأعناقِ واضطهدوا |
ومَنْ سَقَوا بـدم القَتْلـى زعامَتهـمْ |
وبالجَماجمِ غذّوهـا ومـا سَهِـدوا |
ماذا نقولُ لهـم، مـاذا نقـولُ لهـم |
هل ينفعُ القولُ فيمن خانَه الرَّشَـدُ؟ |
ما كانتِ الشامُ يوماً غـيرَ مَدْرسـةٍ |
على هُداها اهتدى قُصَّادها وهَـدُوا |
في ظلِّها السَّمْحِ شادَ الفكـرُ دولتَـهُ |
ولا تزالُ لها الراياتُ تَنْعقدُ |
وفي رُباها استقرّ الشعـرُ، وارتفَعـتْ |
له على بَـرَدَى الأطنـابُ والعُمُـدُ |
لولا مَصابيحُهـا لم يَنْقَشـعْ غَسَـمُ |
للمُدلجينَ، ولا قرّتْ لهم كَبِدُ |
في كلِّ يـوم لنـا "بَـدْرٌ" مُحَجَّلـةٌ |
غرَّاء إن خالَطتْ أيامَنا "أُحُدُ" |
نَهْوَى السلامَ ونَسْعَى فـي مناكبِـهِ |
وفي خمائِلهِ الغناءِ نَبْتردُ |
لكنْ سننبذُه نَبْذَ النَّواة إذا |
ما دِيْسَ حَقٌ لنـا أو مُـسَّ مُعَتَقـد |
ترَفَّعتْ عن مَهاوي الحِقْـد أنفْسنـا |
لكنْ سنحقـدُ إن أعداؤنـا حَقَـدوا |
لا خَيرَ في السِّلـم لم يَسْلمْ به شَـرفٌ |
ولا رُقادَ لمن في ظلِّه رَقَدوا |
عَهْدُ العشائرِ قد ولّى، فـلا رَجَعـتْ |
ليلاتُهُ السودُ أو أيامُه الرُّبُدُ |
ثُرْنا على الضَعْف نستهدي بمُعْتَصـبٍ |
بالشمسِ… يجفلُ من نبراتـه الأبـدُ |
حُلْوِ الشمائل تَجْلـو الليـلَ طلعتُـهُ |
يكادُ بالفضلِ والإيمانِ يَنْفردُ |
عَفِّ السريـرةِ، لا يَطـوي جوانحـه |
على غُـرورٍ ولا يَعْلـو ولا يَجِـد
(1)
|
تجسدتْ فيه رُوح الشعب، وانْعَقَدتْ |
عليه آمالُهُ واستبشرَ البلدُ |
أعاد هَيْبةَ سُوريّا وشادَ لها |
دُنيا من العـزِّ لم يَحْلـمْ بهـا أحـدُ |
يحيا الفقيرُ سعيداً في مراتِعها |
ولا يُحسُّ ضَعيفُ أنه وَتَدُ |
الطائفيةُ داواها بحِكْمتِهِ |
فزال كلُ خِـلاَفٍ وانتهـى اللَّـدَدُ |
لا دينَ إلاّ له في الشام حُرْمتهُ |
ولا عقيدةَ إلا أهلها سَعِدوا |
والجهلُ حاربَـه بالعلـم، فانقطَعَـتْ |
أسبابُه … وانتهتْ في الأنفس العُقَـدُ |
وغاصَ بالدَّم لبنانٌ فأنجدَهُ |
وفي الشدائدِ يُرجى السيـدُ النَّجِـدُ |
لبَّى النداءَ وآساه بمحنتِهِ |
وكم يـدٍ عَمَّـرتْ ما دمّرتْـه يَـدُ |
نَجَّاه من سِجْـن صهيـونٍ وأنقـذَهُ |
من نفسه حين عزَّ الغَـوْثُ والسَّنـدُ |
وليس أتعـسُ ممَّـن لا نصـيرَ لـه |
إن فاته أملٌ، أو خانَه جَلَدُ |
إن الزعامةَ أنواعٌ، وأقربُها |
للقلب تـلكَ الـتي تبـني ولا تَعِـدُ |
تُرْسي بُـروجَ المعالـي دون ثَرْثـرةٍ |
وتخدمُ الشعـبَ لا مـسٌّ ولا فَنَـدُ |
في ظلها يجدُ المكدودُ راحتَهُ |
وفي حِماها يُلاقـي البَسْمَـة النَّكِـدُ |
كلُ المواهبِ في قانونها شرَعٌ |
سِيانِ من طمعوا بالمـال أو زَهِـدوا |
إذا تململَ في بلواه ذو سقمٍ |
ففي جوانحهـا مـن سُقْمِـهِ وَقَـدُ |
وإن شَكَا صاعـدٌ شـدَّتْ عزيمتَـهُ |
وشجَّعَتْهُ فزالَ الخَوْفُ والجُهُدُ |
* * * |
يا قائـدَ الوَثْبـةِ الزهْـراء دونكَهَـا |
تحيةً بِلَهيبِ الشّوق تتّقدُ |
تَطوي إليك صحارَى لا حـدودَ لهـا |
وأبحراً مـا لَهـا حَصْـرٌ ولا عَـدَدُ |
باسم الذين تنـاءَوا عـن مواطنهـم |
ليرفَعوا ذِكْرها أيَـانَ مـا قَصَـدوا |
إن شرَّقوا فهي نورٌ فـي دياجرِهـمْ |
أو غرّبوا فهي فـي رمضائهـم بَـرَدُ |
باسم الذين بَرَى التَّحنـانُ أضلُعَهـم |
ولم يَزلْ وَجْدُهم يَنْمُو ويطرّدُ |
باريسُ عندهمُ صَحْراءُ خاويةٌ |
إذا تراءتْ لهـم يَبْـرودُ أو صَـدَدُ |
باسم الذين قَضوا فـي دار غُرْبتهـم |
وجَفْنَهم في سمـاء الشـرقِ مُنْعَقـدُ |
لم يَبْذروا أينما حلُّـوا سِـوى حَبَـقٍ |
يا حُسنَ ما بَذَروا، يا سُوءَ ما حَصَدوا |
باسم الذين بَنـوا للضّـادِ مَمْلكـةً |
في الغَرْب يَقْطرُ منها المـنُّ والشَّهَـدُ |
تحرّر الحـرفُ فيهـا مـن رواسبـهِ |
يا للضعيفِ بَـرَى أضلاعَـه الـزَّرَدُ |
باسم التي أَلْهَمْتني الشعرَ مَنْ صِغْري |
وأوهَمَتْنِي أني الشاعرُ الغَرِدُ |
ولَوَّنتْ أمَلي بالزَّهْر تَنْثُرُه |
على دروبي، فـزال الغَـمُّ والكَمَـدُ |
أحنِي جَبينيَ للفيحاءِ مِنْ وَرَعٍ |
كما تهيَّبَ دون الوالدِ الوَلَدُ |
وأخلَعُ النَّعْلَ تَقْديساً لتربتها |
فكلُّ حَفْنـةِ رَمْـلٍ ضَيْغـمٌ حَـرِدُ |
غَلْواءُ لا تَعْجَبي ممَّن يُهاتِرني |
سَكَتُّ عن هَذْرهم فاستذأبَ النَّقَدُ
(2)
|
نال الخَنافسُ من شعْـري فقلتُ لهـم |
لا يَكْرَه الشمس إلاّ الخُلْـدُ والرَّمـدُ |
ما كـان أشأمـني حَظـاً وأَتْعَسـني |
لو طابَ شَدْوي لمن قاموا وما قَعَـدوا |
يا شامُ روحـي إلـى رَيّـاك ظامئـةٌ |
حتامَ يبقَى رهـينَ الغربـةِ الجَسَـدُ؟ |
طال اغترابي، ولكن أنتِ في خَلَـدي |
وقد يعيـشُ بعقـر الـدارِ مُبْتَعِـدُ |
حاشا لمثلي إذا ناداه واجبُهُ |
ألا يُلَبيَ مهما استأخَرَ الأمدُ |
يا نَسْرَ تشريـنَ وما وشّيـتُ قافيـةً |
إلا ولاحَقَني في حبِّكَ الحَسَد |
لئن أجَدْتُ فما في ذاك مـن عَجَـبٍ |
إني لأمدحُ لكـن حـينَ أعتقـدُ… |
جئْنا نبثُّ روابي الشام حُرْقَتَنا |
ونَنفضُ الصَّدْرَ ممَّا في النَّـوَى نَجِـد |
جئْنا نجدّدُ أسبابَ الوَلاء لها |
ونسألُ اللهَ أن يَرْعاك يا أسدُ |