حَنَّتْ إلَيْكَ الروحُ يا بَرَدَى |
هَلاّ مددت إلى فتاكَ يَدا؟ |
طالَ اغترابي عن ثَرَى وَطَني |
ورَزَحْتُ تحت طوارق المِحَنِ |
ولَبِسْتُ قبل منيّتي كَفَني |
يا لَيتَ لم أغِبِ |
عَنْ شَطّكَ الذَّهَبي |
عَنْ بَيْتيَ الخَرِبِ |
بئسَ الغنَى في غيرِ أوطاني |
كم سَامني خَسْفاً وأشقاني |
ومَسَحْتُ عَوْرَتَه بأجفاني |
أوَ كلَّما ذَكَروكَ يا بَرَدَى |
أذكَيْتَ فيَّ الوَجْدَ والكمدا؟ |
* * * |
كمْ عِشْتَ في حَزَني وفي جَذَلي |
وجَرَيْتَ في شِعْري وفي زَجَلي |
ولكمْ رَقَدْتُ بظلّ سَرَواتِكْ |
ومَزَجْتُ دَمْعاتي بدِمْعاتِكْ |
وأثَرْتَ ألحاني بأناتِكْ |
يا توأمَ الأزلِ |
يا كَوثْرَ الأملِ |
أقْسَمْتُ لم أزلِ |
مُذْ غِبْتُ عن مَغْناكَ ظمآنا |
قالوا أتَقْضي العُمْر تَحْنانا؟ |
قُلْتُ ارحموا يا ناسُ وَلْهانا |
يَرْعْى بعَيْن حنانِه الوَلدا |
ويموتُ مِنْ شَوْقٌ إلى بَرَدَى! |
* * * |
ما ضرَّ لو رَسَّخْتُ أقدامي |
في تربتي، وَزَجَرْتُ أوهامي؟ |
أخْنَى عليّ الهمُّ والتَّعَبُ |
وتحالَفَ الإفلاسُ والأدَبُ |
أهلي هنا وَعشيرتي عَرَبُ |
لكنْ غَدوا فُرَقا |
وتباينوا طُرُقا |
وتأمركوا خلُقا |
فإذا همُ انتسبُوا فلا نَسَبُ |
وإذا التقَوا فلقاءهم عَجَبُ |
ولربَّما اقتتلوا ولا سَبَبُ |
يا وَيْلَ شَعْبٍ مثلنا شرُدا |
لم يتفقْ رَأْياً وَمُعْتَقَدا |
ذَهَبَ الشبابُ وصُوِّحَ الأملُ |
ما حيلتي يا قَلْبُ، ما العَملُ؟ |
لولا عُيونُ حَبيبةِ العُمْرِ |
وحلاوةٌ في ثَغْرها تُغْرِي |
لخَنَقْتُ صَوْتَ الشعرِ في صَدْري |
ولقلتُ للقَلَمِ |
ضاعَفْتَ من ألمي |
فاذهَبْ ولا تلُم |
إنّا اصطَحبنا لا على ضَغَنِ |
وحَمَلْتَ مثلي وَطْأةَ الزَّمَنِ |
لكنْ وَهنْتُ، وأنتَ لَمْ تَهِنِ |
أتَرى احتكرْتَ السَّعْدَ والرَّغَدا |
وتركْتَ لي الحِرْمانَ والنَّكدا؟ |
* * * |
قالوا بلادُك للرَّدَى قُوتُ |
أينَ "الجليلُ" وأين بيروتُ؟ |
فلجَمْتُ في الأضلاع غصّاتي |
وحَبَسْتُ في عينيَّ دَمْعاتي |
ماذا أقولُ لهم وكلماتي |
ماتَتْ على شفَتي |
وتعطَّلَتْ لُغَتي؟ |
فَطَوَيْتُ أجنِحَتي |
ورَجَعْتُ مغلوباً على أَمْري |
مُتَسربْلاً بالصَّمْت والقَهْرِ |
وبَكَيتُ ثم هَمَسْتُ في سِري: |
ربّاه رُدَّ الشرَّ عن بَرَدى |
واحفظْ عليه الحسنَ منْفرِدا |
* * * |
غَلْواءُ لا تُحْزنْكِ شَكْوايا |
الشوقُ نارٌ في حَنايا |
أصْبُو إلى وطني وأذكُرُهُ |
وأوَدُّ لو في الحُلْم أُبْصِرُهُ |
يا ويحَ قلبي أينَ كوثرُهُ؟ |
يُحْيى وُرَيْقاتي |
ويَبُلُّ حُرْقاتي |
ويُعيدُ أوْقاتي |
كالأمسِ أعياداً مُسَلْسَلَةً |
ومواسماً بالحبّ مُثْقَلَةً |
ومعاركاً للشعر مُشْعَلَةً؟ |
أتَرَى أعودُ إليك يا برَدَى |
أمْ لا رجوعَ إلى الحِمَى أبداً؟… |