أزِفَ الوَداعُ، فيا زَكيّ تَجَمَّلِ |
يا لَيْتَ لَـمْ تَضْحَـكْ ولَـمْ تَتَهَـلَّلِ |
أزِفَ الوداعُ، فكَيْـفَ تَتْـرُكُ إخْـوَةً |
فَرَشوا دُروبَك بالشَّذا والمَخْمَلِ |
طابَتْ شَمائِلُهم، فكلُّ سَحابَةٍ |
قَدْ تَنْجَلِـي... وسَحابُهـم لا يَنْجلـي |
قَطعَـوا بجُودِهِـم لِسانَـك... لَيْتَهـم |
مَنَحوا الجَزِيلَ، فمـا غَرِقْـتَ بأجْـذَلِ |
يتسابَقونَ إلى المعالي، كلَّما |
بَلَغوا الكمالَ تَنافَسـوا فـي الأكْمَـلِ |
أزِفَ الوَداعُ فكَيْـفَ تَصْبِـر للنَّـوَى |
رُدَّ المياهَ عَنِ الحدائقِ تَذْبُلِ |
بُعْداً لحظِّكَ، كلُّ حَفَنةِ سكرٍ |
منه، تليه ألفُ حَبَّةِ حَنْظَلِ |
ما جـارَت الدُّنْيـا عليـكَ، وإِنَّمَـا |
هذا الجَزاءُ جَزاءُ كلِّ مُغَفّلِ |
خادَعْتَ نَفْسَـك بالسَّـرابِ، تَظُنُّـه |
ماءً، فعُدْت منه بما لم تأْمَلِ |
لا صَفْوَ إلاَّ بَعْدَه كدرٌ، ولا |
مَنْجاةَ مِـنْ حُكْـمِ القَضـاء المُنْـزَلِ |
أحْسَنْتَ ظَنَّك بالحيـاة، فنَـمْ علـى |
جَمْرٍ، وخُضْ مِنْ شَوْكِها فـي مَجْهَـلِ |
تِلْكَ البُرَيْهاتُ السَّعيـدةُ لَـمْ تَكُـنْ |
مِنْ نافلاتِ زَمانِك المُتَفَضِّلِ |
بَلْ أفْلَتَتْ منه بغَيْرِ تَعَمُّدٍ |
شَأْنَ البَخيـلِ سَخَـا لِغَلْطَـةِ أنْمـلِ |
أعْطاكَها لكنْ لِيَأخُذَ في غَدٍ |
عَبَراتِ مُشْتاقٍ لأكْرَمِ مَنْزِلِ |
ماذا جَنَيْتَ مِنِ ازديادِ أحبّةٍ |
غَيْرَ ازدياد أسىً وفَرْطِ تَعَلُّلِ |
لَوْ لَمْ تحـلَّ علـى جَوانحهـم، كمـا |
حَلّ الهَزارُ على الغُصونِ المَيَّلِ |
لَمَضَيْتَ، لا شَوْقٌ يَهُزُّهمُ، ولا |
ظَمَأُ يُهُزّك للنَّمير السَّلْسَلِ |
قَسَماً سَتبْقَى في خَواطرهم وإنْ |
طالَ المَدَى بَيْـنَ الدُّخـولِ وحَوْمَـلِ |
وَيَظلُّ طَيْفُهمُ بذِهْنِك ماثلاً |
مَهْما تَناءَوا عَنْك لَمْ يَتَحوّلِ |
* * * |
يا لَيْتَهم لَـمْ يُكْرِمُـوك، ولَـم تَعُـدْ |
مِنْهم بغيْرِ نَدامة المُتَطَفِّل |
أوْ لَيْتَ دَرْبَكَ حـادَ عَـنْ فِرْدَوْسِهِـمْ |
أوْ لَيْتَ قَلْبَـكَ قِطْعَـةٌ مِـنْ جَنْـدَلِ |
لَقَضَيْتَ عُمْركَ لا تثيرُك نَفْحَةٌ |
مِنْ رَبْوَةٍ، أوْ نَغْمةٌ مِنْ بُلْبُلِ |
وجَهلْـتَ ما مَعْنَـى هَديـل حَمامـةٍ |
فَوْقَ الغُصـونِ، وما تَهامُـسُ شَمْـأَلِ |
ولَعِشْتَ خالي الذِّهْنِ لَمْ تَسْـألْ ولَـمْ |
تَسْهَدْ ولَمْ تَحْزَنْ وَلَمْ تََتََوََسَّلِ |
* * * |
يا إخْوَتِـي هـاجَ الفِـراقُ مَدامعـي |
وحَلَفْتُ لولا حُبُّكُمْ لَمْ تُهْمِلِ |
يَبْكي فُؤادي – لا جُفونـي – كلَّمـا |
أخْنَتْ عليّ الحادثاتُ بكَلْكَلِ |
لكنّ عاديَـة النَّـوَى جـارَتْ علـى |
قَلْبي وجَفْني واستَباحَتْ مَقْتَلي |
إنِّي سأذْكُرُكُمُ وأهْتِف قائلاً |
(ما الحبُّ إلا للحبيبِ الأوّلِ) |
ما زِلْتُ مُنْذُ حَبَوْتُ أبْحَـثُ عَـنْ أخٍ |
حتى سَخـا دَهْـري علـيَّ بجَحْفَـلِ |
أنا قدْ تجـاوَزْتُ الـدَّراري باسْمِكُـمْ |
ونَزَلْتُ مِنْ آلائكم في هَيْكَل |
لولا هوى غَلْواء يَمْلأ بالشَّذا |
عُشّي، ويَنْضَحُ بالعُذوبةِ مَنْهَلي |
وفتىً – كما ضَحِك الربيـعُ – مُـدلّلٌ |
وأراه مَهْما اشْتَطّ غَيْرَ مُدَلَّل |
لأنَخْتُ رَكُبي بَيْنكم، وجَعَلْتُكم |
أهْلي إذا حُمَّ القَضاءُ، ومَوْئلي |
ولَرُحْتُ أستَغْني بظلِّ قُلوبكم |
وعُيونِكم، عَنْ حاتَمٍ وسَمَوأَلِ |
ولقُلْتُ للزَّاهي عليّ بأهْلِهِ |
إنَّ الخَناجِرَ مِنْ عبيدِ الفَيْصَلِ |
سُبْحَانَ مَنْ لـو شـاءَ يُسْعـد عَبْـدَه |
ألْقاه مِنْكم في السِّماك الأعْزَلِ |
* * * |
يا إخْوتي جارَتْ علينا غُرْبةٌ |
هَلْ يَلْتقـي الأحبـابُ بَعْـدَ تَرَحّـلِ؟ |
إنّا هَجَرْنَا الـدارَ، لكـنْ لَـمْ نَـزَلْ |
نَصْبُو إلى فِرْدَوْسها المُتَهِلِّلِ |
ونطوف في الأحلام بَيْنَ طلُولها |
ما أمْتَع الأحْلامَ للمُتَعَلِّلِ |
ونَحُطُّ أطيـاراً علـى سَقْـطِ اللِّـوى. |
ونَحومُ أشباحاً بدارَة جُلْجُلِ . |
* * * |
يا مَنْ نُوَدِّعُهم وفي أكبادِنا |
نارٌ تَؤجّ وغُمّةٌ لا تَنْجَلي |
حامَ الغُزاة عَلَيْكُمُ، فتحسّبوا |
ما أْنُتمْ عَنْ كَيْدهم في مَعْزَلِ |
قَدْ يَدْخُلون بيوتَكم في مَشْربٍ |
أو يَهْدِمون حُصونَكم في مَأْكلِ |
لَوْ كُنْتُمُ صَفاً لخابَ رَجاؤهم |
رَغْمَ السلاحِ، ثَقيلُه والأثْقَلِ |
لا تَتْرُكوا الأحقادَ تَسَعَى بَيْنَكُمْ |
لَولا تَدَاعي صَفِّنا لَمْ نُؤْكَلِ |
دارُ العُروبة دارُكم فتعاوَنوا |
ما الفَرْقُ بَيْنَ "المُنْتَهـي" والكَرْمَـلِ
(1)
|
البارحَ اغتصَـبَ العَـدوّ "جَليلكـم" |
وغَداً يحطُّ جَرادُه في "المَوصِلِ" |
لَنْ تأمَنوا ما دامَ في أثْوابكم |
صِلٌّ يَجُوس وثَعْلَبٌ لا يَأْتلي |
* * * |
أزِفَ الوَداع، فما أقولُ لخافِقٍ |
بَيْنَ الضُّلـوعِ يقـولُ وَيْحَـك أجِّـلِ |
أدْنانيَ الجارُ البعيدُ، وعقّني |
مَنْ كان عِنْدي في المقام الأوَّلِ |
أنا ذاهبٌ... لكـنْ سَيَبْقـى صَوْتُكُـم |
في مَسْمَعيَّ، ورَسْمُكُمْ في هيكلي |