حَيُّوا "حَماةَ" منارَ العِلْمِ والأدَبِ |
واحْنُوا الرؤوسَ احتراماً لاسْمِها الذَّهَبي |
مدينةٌ لَمْ تَلِنْ يَوْماً لطاغيةٍ |
ولا استكانَتْ ولا هانَـتْ لِمُغْتَصِـبِ |
إنْ لمْ تَكُنْ جنّةَ الدنيا فإنّ لها |
دَوْرَ الريادةِ في الإِسلام والعَرَبِ |
وليسَ إسلامُها طَبْلاً وَثرْثَرَةً |
بَلْ دَعْوة للنَّـدَى، للحـبِّ، للـدَّأبِ |
ما أبْعَدَ الدينَ عمَّـنْ لا ضمـيرَ لهـم |
وأبرأ الصَِّدْقَ مِنْ دَعْـوى "أبي لَهَـبِ" |
لو كان أحْمَدُ فظَّ القَلْـبِ لابتَعَـدَتْ |
عنه القلوبُ، فلم يَرْبَحْ سـوى التَّعَـبِ |
* * * |
"حَماةُ" يا درّةَ العاصي نَزَلـتُْ علـى |
أهْلي... فوا فَرَحي بالمَنْـزِلِ الرَّحِـبِ |
أبناؤكِ الصِّيـدُ إخوانـي وإن جَهِلـوا |
وهَلْ يَعُقُّ كريمٌ أصْلَه العربي؟ |
هُمْ طَوّقونـي بقَيْـدٍ مِـنْ مَكارِمِهـم |
ما أحْسَن القَيْد مِنْ حُبٍّ ومِنْ حَسَـبِ |
يَسْمُون بالجودِ عَنْ مَنٍّ وعَـنْ صَلَـفٍ |
بئسَ العَطِيَّةُ لَمْ تَخْلُـصْ مِـنَ الرِّيَـبِ |
يا قَلْبُ هذي الوجوهُ الضاحكاتُ هُـمُ |
وتِلْك نَبْرَتُهم لا رنَّة القَصَبِ |
لَكَمْ حَلِمْتُ بيَوْمٍ في ضيافَتِهم |
فحقَّقَ الله ما أرجوه من أرَبِ |
"يا قوتُ" ياقوتةٌ فـي تـاج دَوْلَتِهـم |
تَلأْلأَتْ بمجاني الفِكْر والأدَبِ |
بَحْرٌ من العِلْم لَـمْ تُـدْرَكْ شَواطِئـه |
ولم يَخِبْ غائصٌ فـي لُجِّـه اللًّجِـبِ |
زَكا عطاءً وأعلَى شَأْنَ أمَّتِه |
والجودُ بالنفسِ غيرُ الجـودِ بالنَّشَـبِ |
يَسْعَى إليه الأُلَى في روحِهِـم سَغَـبٌ |
فيَرْجِعون وقَـدْ بَلُّـوا مِـنَ السَّغـب |
تَزْداد ثَرْوَتُه ما ازداد نائِلُه |
وليسَ يُزْعِجُه مَنْ لَـجَّ فـي الطَّلَـبِ |
إنْ يَنْتَموا فَهُمُ في العُرْبِ ناصيَةٌ |
وَلَسْتُ أعْلَمَ مَنْ أُحْصيه فـي الذَّنْـبِ |
"أبو الفِداء" أبـو التاريـخ أطْلَقَهـم |
قَشَاعماً في مساري الشُّهْبِ والسُّحُـبِ |
تَجْري المروءةُ في أعْراقِهِم لَهَباً |
وفي مَراقِمِهم أذْكَى مِنَ اللَّهَبِ |
إنْ لم يُجارُوه في صَبْرٍ وفي جَلَدٍ |
فقَدْ شأَوه بمـا صاغـوه مِـنْ ذَهَـب |
هذي البدائـعُ مِـنْ عِلْـمٍ وفَلْسَفَـةٍ |
تٌغْنيك عمّا حَوَتْ بَغْـدادُ مِـنْ كُتُـبِ |
لا يَرْكَبُ الإِثمَ سَكْرانٌ بخَمْرتِها |
ويَدْخُل النـارَ عُشَّـاقُ ابنـةِ العِنَـبِ |
* * * |
"حَماةُ" جـاءكِ مِـنْ مَنْفـاه مَغَتَـرِبٌ |
فبَلْسِمي جُرْحَه يَغْمُرْكِ بالعَجَبِ |
مُدّي لـه كفَّـكِ السّمْحـاءَ تُنْقِـذُه |
ممَّا يكابدُ مِـنْ وَجْـدٍ ومِـنْ نَصَـبِ |
لولا عيونُـك لَـمْ يَطْـرَبْ لقافِيَـتي |
شَيْخٌ بمكةَ أوْ حَسْناءُ في حَلَب |
سَلُوا النَّواعـيرَ كَـمْ غـازٍ تداوَلَهـا |
زالُوا... وما بَرِحَتْ أُعْجوبـةَ الحِقَـب |
تَرْوي حكايتَها للدَّهْرِ قائلةً |
الحَمْدُ للهِ ثم المَجْدُ للعَرَبِ! |
"حماةُ" طَيْفُكِ أنّـى سِـرْتُ يَصْحَبُـني |
كأنَّه شُدَّ في سِلْكٍ إلى هُدُبي |
قادَ الحنينُ إلى مَغْناكِ راحِلتي |
فبَلْسِمي جُرْحَه يَغْمرْكِ بالعَجَبِ |
وكَيْفَ لا يَسْتَخِفُّ العُجْبَ مَنْ نَزَلَـتْ |
به المقاديرُ فـي فِرْدَوْسِـكِ الخَصِـبِ؟ |
تُحيطُه مِنْ جُنود الحقِّ طائفةٌ |
تَزْدانُ بالأدبِ الريَّانِ والحَسَبِ |
جَحاجِحٌ آمنـوا بالبَعْـثِ واعْتَصَمـوا |
بقائدِ البَعْثِ يَهْديهم إلى الغَلَبِ |
طابَتْ كنَفْحَـةِ عاصيهـم شَمائِلُهـم |
فكلُّهم "أسدٌ" حُرُّ الضمير أبي |
* * * |
يا مَنْ نَثَرْتُم على اسْمي ألْـفَ زًنْبقَـةٍ |
ولَمْ تَضُنُّوا بريّاكم على أدَبي |
أغْلَى الكنوزِ علـى قَلْـبي صَداقَتُكُـم |
وذِكْرُكُم في فَمي أحْلَى مِـنَ العِنَـبِ |
هذا الرِّبـاطُ الـذي بَيْـني وبَيْنكـمُ |
باقٍ على الدَّهْر، صوّالٌ علـى الحِقَـبِ |
مَهْما نأَيْـتُ فلَـنْ أنْسـى مَحَبَّتكـم |
لا تُجْحَدُ الشمسُ في بُعْـدٍ ولا قُـرُبِ |
غَلَوْتُمُ في مديحي... كيـفَ أشْكُركـمْ |
يا ليتَ لي بَعْضَ هذا المَنْطِـق الـذَّرِبِ |
يـا إخْوتي إنْ بدا عَـيٌّ علـى قَلَمـي |
وخابَ ظنُّكُم الغالي بمُغْتَربِ |
فأنْتُم أَهلي في كلِّ نائبةٍ |
وأنْتمُ في فُؤادي خَفْقَةُ الطَّرَبِ |