نَفَيْتُ عَنْكَ العُلا يا شاعـرَ العَـرَبِ . |
إنْ لَمْ تَهزَّ عروسَ الوَعْرِ مِنْ طَـرَبِ . |
جاءتْك تُعْربُ عَنْ مَكْنـونِ لَهْفَتِهَـا . |
فهَلْ تُطيقُ سُكوتاً يا فَـمَ الذَّهَـبِ؟. |
وفَّيْتُها حقَّها بالأمْسِ مُغْتَرِباً . |
فكَيْفَ تَغْمُطُ هذا الحقَّ عَنْ كَثَـبِ؟. |
رُحْماكِ غَلْـواءُ إنّ العَـيَّ قَيَّدنـي . |
فكَيْفَ أنْقُلُ خَطْوي دونمـا رَهَـبِ؟. |
حِمْصُ العدّيةُ لَمْ أذْكُـرْ مجالِسَهـا . |
إلا تَثَنّيتُ مِنْ عُجْبٍ ومِـنْ عَجَـبِ . |
هَتَفْتُ باسمكِ وَهْو الحُسْنُ مُجْتَمِعـاً . |
لولا عيونُك كانَتْ مُنْتَهـى أرَبـي . |
لولاكِ كانتْ عروسُ الوَعْرِ مَمْلَكتي . |
وكانَ قَلْبي إلـى أحْضانهـا سَبَـبي . |
هنا ذُؤابةُ مَجْدٍ في التـرابِ ثَـوَى . |
تَوَدُّ لو كفَّنتْه الشمـسُ بالسُّحُـبِ . |
حَمَى الرسالةَ في الجُلَّـى وعزَّزهـا . |
بنورِ إيمانِه، بالجَحْفَلِ اللَّجِبِ. |
سَيْفٌ لأحْمَـدَ باسـمِ الله جَـرَّده . |
أرْسَى به أسسَ الإِسـلام والعَرَبِ
(1)
. |
هنا أُصُولُ فروعٍ فـي مَهاجِرِهـم . |
شادُوا المشافي وأعْلو دَوحـةَ الأدبِ . |
الضَّادُ تَشْهَدُ كم في حَقْلِها بَـذَروا . |
بلا تَعال، وكَمْ ضَحَّوا بلا صَخَـبِ . |
لم تُخْفِ أعْلاقَها عَنْهمٍ ولا زَجَـرَتْ . |
مَنْ جاسَ تُرْبتَها في البَحْثِ والطَّلَبِ . |
تَجُرُّ أذيالها زَهْواً إذا ذُكروا |
وكَيْفَ لا تَزْدَهي الجَوْزاء بالشُّهُبِ؟ . |
لَمْ يَنْزِلوا بَلَداً إلا أحَلَّهُمُ |
في حَبَّةِ القَلْبِ أو في ضَمَّـة الهُـدُبِ . |
يَحْنُو عليهم فيَجْني مِـنْ شمائِلِهِـم . |
أضْعافَ أضْعافِ مَنْ يَجْنونَ مِنْ نَشَبِ . |
هنا مَسارِحُ "ديكِ الجِنَّ" ما بَرِحَـتْ . |
فوّاحَةً بعبيرِ المَجْدِ والحَسَبِ |
إن فاخروها بسَيْفٍ أو ببارِجَةٍ . |
رَدّتْ على الفَخْر بالأقْلام والكُتُـبِ . |
هنا مَدارجُ "نَصْـرٍ" كَيْـفَ أُنْبِئُهـا . |
أنَّ الذي انْتَظَرَتْه العُمْرَ لَمْ يَـؤبِ
(2)
. |
مضى وكانـت هُيَامـاً في سريرتـه . |
ونفحةً حلوةً في قلبه التعب |
بَرَى الحنـينُ إلى العاصـي أضالِعَـه . |
ولَمْ يَنَلْ رَشْفَةً مِـنْ مائـه العَـذْبِ . |
سارَتْ قصائِدُه فيهـا ومـا فَتِئـتْ . |
تسيرُ كالشمسِ مِنْ قُطْبٍ إلى قُطُـبِ . |
هنا ملاعبُ "حُسْني" هَلْ أقولُ لها |
كم حنَّ "حُسْـني" إلـى فِرْدَوْسهـا الذهـبي؟ |
كم علَّلَ النفسَ بالرُّجْعَى وخادَعهـا . |
والشَّوْقُ أقْتَلُ أحياناً مِـنَ الوَصَـبِ . |
أحبَّها قَبْـلَ أنْ تَسْعَـى بـه قَـدَمٌ. |
فكَيفَ لما نأى عَنْ صَدْرٍها الحَـدِبِ؟. |
هنا مغاني "نسيبٌ".. دَمْعَةٌ جَمَـدَتْ . |
في جَفْنها.. ليتني أقْوَى على الهَـرَبِ . |
كيفَ المفَـرُّ إذا جـاءتْ تُسائلُـني . |
نَسيبُ حيٌّ؟ أجَلْ حيٌّ على الحُقَـبِ . |
آثارُه مِـلءَ سَمْـع الدَّهْـر باقِيـةٌ. |
وروحُه بيننا جاءتْ مَـعَ السُّحُـبِ . |
لم تُغْرِه جنّةٌ عنها ولا عَلقَتْ. |
عَيناهُ إلا بهـا في البُعْـدِ والقُـرْبِ . |
يا حِمْصُ لم يَبْقَ مِنْ قَلْبي سوى رَمَقٍ . |
واهٍ! فرِفْقاً بهذا الظامـئِ السَّغَـبِ . |
كَمْ بَعْثَر الأملُ الـبرّاقُ مِـنْ أُسَـرٍ . |
وَحوّلَ المُدُنَ الكُبْـرى إلى خَـرَبِ . |
ما ضَرَّ لو عادَ للأوطان مَنْ نَزَحـوا . |
ونضَّروا قَفْرها بالسَّعْـي والـدَّأَب؟. |
أغْلَى مِنَ التّبْر مهمـا عـزّ مَعْدِنُـه . |
دُموعُ أمٍّ على ابنٍ... أو حَنـينُ أبِ . |
* * * |
يا حِمْص مَنْ بَطَلٌ في الشامِ يَحْرُسُها . |
مِنَ الغُزاة ويَحْميهـا مِـنَ النُّـوَبِ . |
يَبْني لها المجـدَ صاروخـاً ومَدْرَسـةً . |
لولا المُعَلِّمُ والجُنْـديّ لَـمْ نُهَـبِ. |
لا، لَمْ يَفُتْـنيِ ولا أخْطـأتُ هَيْبَتَـه . |
ألَيْسَ هذا المُحيّـا حافـظَ العَـرَبِ . |
الناشِرُ الذُّعْرَ في أعداء أمتِهِ . |
والكاسِرُ السمَّ في حَيّاتهـا الرُّقُـبِ . |
والكاشِفُ الغَدْر في دَعْوى "أبي لَهَب" |
والفاضِحُ الكَيْدَ في "حَمّالة الحَطَبِ" |
عَيْناه في السِّلْمِ دنيا رحمةٍ ونَدَىً |
صافٍ... وفي الحَـرْبُ بُرْكانـاً مِـنْ غَضَـبِ |
سَعَتْ به الزُّمرةُ الخرقاءُ وائتَمَـرتْ . |
فردَّ خِطَّتَها بالصارِم الذَّرِبِ . |
تَوَهَّمتْ حِلْمَه ضَعفاً فعلَّمها. |
أنّ الرعُونةَ قادتْها إلى العَطَبِ . |
وأنَّ دعوتَها لا بُدَّ خاسرةٌ |
وأنَّ في يَدِها سَيْفـاً مِـنَ الخَشَـبِ . |
وأنَّ حُرْمةَ سوريا مُقَدسةٌ |
في نَفْسِ كل فَتىً حُرِّ الضَّمـيرِ أبـي . |
وأنَّ مَنْ صالَ في تشريـنَ صَوْلَتَـه . |
ما زالَ مِلءَ عُيونِ الغِيلِ لَـمْ يغِـبِ . |
الدينُ يَبْـرأُ ممَّـا لا ضمـيرَ لَهُـم. |
بئْسَ التديّنُ يَرْمي النـاسَ بالحـرَبِ . |
يا حافظَ الشام تَرْعاك القُلوبُ فَقَـدْ . |
رَعَيْتَها أنـتَ بالإِيمـان والقُضُـبِ . |
هَتَفْتُ باسْمِكَ في شِعْـري فنمَّقَـهُ . |
رُواةُ شِعْري بالياقـوتِ والذهَـبِ . |
* * * |
عادَ الغريبٌُ إلـى مَغْنـاه تَحْمِلـُه. |
أشْواقُه بَيْـنَ مَكَبـوتٍ ومُلْتَهـبِ . |
لكنَّه لَمْ يَجِدْ إلاّ هَواجِسَه خِـلاّ.... |
وإلاّ بقايا مَنْزلٍ خَرِبِ |
لِداتُه ذَهبوا إلا أقلّهمُ |
وأهْلُه انْتثَروا في كلِّ مُغْترَبِ |
لولا التأسِّي بكمْ يـا مَـنْ أحبَّكـمُ . |
قَلْبي، وأنزلَكُـم في بَيْتـه الرَّحِـبِ . |
لَمَا تصاعَدَ غَيْرُ الحُزْن مِـنْ وَتَـري . |
ولا تسرَّب غَيْرُ الجَمْـرِ في عَصَـبي . |
يا آلَ حِمْصٍ، غداً أمْضي وأتْرُكُكُمْ . |
لكنْ سأبْقَى هنا بالـروحِ والنَّسَـبِ . |
إنْ أنْسَ ماءكُم يَوْمـاً وخُبْـزَكُـم . |
فلا ارْتَوَيْتُ ولا عُوفيتُ مِنْ سَغَـبِ . |
يَبْرودُ مَسْقَطُ رأسي لسْتُ أُنْكِرُهـا . |
لكنَّ حِمْصاً عُكاظُ الشِّعـرِ والأدبِ . |