| حييتُه ومضيتُ في أَمري |
| تتزاحمُ الأشباحُ في فِكري |
| إِنْ جِئتُ سَابقَ ظِلُّهُ قَدمي |
| وإِذا غدوتُ غدا على إِثري |
| حَمَلَ العَناءَ على مَناكِبِهِ |
| وحَملتُ بَلواهُ على صَدري |
| عرقُ الجهادِ عَلى مَلامِحِهِ |
| وَدُمُوعُه الحمراءُ في نَحرِي |
| يا ضَارباً في الأَرضِ يَزرَعُهَا |
| بِشْراً... قضيتَ العُمرَ في بِشرِ! |
| بالروحِ جُعبتُك التي هَزأتْ |
| آياتُها بعجائبِ السِّحرِ |
| فاضتْ على لَيلِ الحياةِ سَناً |
| وتماوجَتْ بالنَّدِّ والعِطِر |
| كمْ دَمعةٍ لولاكَ ما انقطعتْ |
| وبشاشةٍ لولاكَ لم تسْرِ |
| ولكمْ جبرتَ فؤادَ والدةٍ |
| من بعدِ ما استعصى على الجبرِ |
| طالَ اغترابُ وحيدِهَا فقضتْ |
| أيّامَهَا في وَحشةِ القَبرِ |
| تبكي فلا يَرثي للوعتِها |
| قلبٌ، كأنَّ الناسَ مِنْ صَخرِ |
| غَرِقَتْ بغُضَّتِها ابتسامتُها |
| وخبا بريقُ النُّور في الثَّغرِ |
| لم يبقَ مِن آمالِهَا قَبَسٌ |
| ذَهبَ القُنوطُ بِنِعمةِ الصَّبرِ |
| ما زالَ ريبُ الدَّهرِ يقذِفُها |
| من مهمهٍ قفرٍ إِلى قَفرِ |
| حتى وقفتَ ببابِها فرأتْ |
| خلفَ ابتسامِك ليلةَ القَدْرِ |
| هُرِعَتْ إِليكَ يَقُودُها أملٌ |
| كالفَجرِ، بل أَزهى مِنَ الفَجْرِ |
| يتعثَّرُ التَّرحيب في فمِها |
| ويضيعُ بينَ المَدِّ والجزرِ |
| سلِمتْ يداكَ لقد رَددتَ لها |
| أُنسَ الحياةِ وأَنتَ لا تَدري |
| هذا وحيدُ القلبِ يُنْبِئُها |
| بإِيابه في غُرَّةِ الشَّهرِ |
| فاعذرْ إِذا اضطربتْ جَوارِحُهَا |
| تَخَاذلتْ عن واجِبِ الأَجرِ |
| عقد السُّرورُ لِسانَهَا فَهَمَتْ |
| من مُقلَتيهَا آيةُ الشُّكرِ |
| * * * |
| ساعي البريدِ متى أعودُ، متى |
| ينفكُّ من قيدِ النَّوى أَسري؟ |
| خلَّفتُ عَبرَ البَحرِ والِدَتي |
| تحيا على أَذكى من الجمرِ |
| أبصارُها في البابِ عالقةٌ |
| وفؤادُها الدَّامي على البَحرِ |
| تنسابُ خلفَكَ كُلَّما سَمِعَتْ |
| باباً يَدقُّ وعابِراً يَجري |
| فارفِقْ بها واحْمِلْ لها نبأً |
| يُحيي رَجَاهَا آخرَ العُمرِ |
| نذراً عليَّ ولَستُ أَنكثُهُ |
| - سَاءتْ عواقبُ ناكثِ النَّذرِ - |
| سأُقيمُ إِنْ حقَّقتَ لي أَملي |
| نصباً من الرَّيحَانِ والزَّهرِ |
| وأصبُّ رسمَكَ في قواعدِهِ |
| ذكرى مقدسةً على الدَّهرِ |
| تجثو القُلوبُ لَديهِ خَاشَعَةً |
| وتطوفُ فيه عرائسُ الشِّعرِ |
| * * * |
| ساعي البريدِ إِلى اللِّقاءِ غداً |
| حزَّمتُ أَمتِعتي على ظَهرِي! |