على الفَضيلةِ قامتْ دولةُ الأًدبِ |
لا تَزهُونَّ عَليها دَولةُ الذَّهبِ |
يا مَن يَعِيبُ عَليها فرْطَ حاجَتِهَا |
عاشَ المُجِدُّ بِلا جَاهٍ ولا نَشَبِ |
لا خَيْرَ في ثَروةٍ شَاهتْ مصادِرُها |
وشهرةٍ لم تقمْ إلاَّ على الكَذِبِ |
قَستْ عليْها اللَّيالي، فَهي مُذْ وُلِدتْ |
تَمشي عَلى الشَّوكِ أَو تَمشي عَلى اللَّهبِ |
يَهُونُ كرمى عيون الضادِ ما لَقِيَتْ |
وما تُلاقِيهِ من كَيْدٍ ومن نَصَبِ |
إِنْ يسْخرِ الناسُ منها فهي تُمْحِضُهُمْ |
صَفْحَ الكَريمِ... فقد جلَّتْ عنِ الرِّيَبِ |
لم يُعْزِها لَقبٌ، أو يُعْوِها شَرفٌ |
ما حَاجةُ القَمرِ الزَّاهي إلى اللَّقبِ؟ |
إنَّا لأَزهدُ أَهلِ الأرضِ قاطِبةً |
بتُرَّهَاتِ العُلى والمَجدِ والحَسَبِ |
ماذا تُفيدُ كُنوزٌ لا نَفَادَ لَها، |
الموتُ من تُخمةٍ كالموتِ من سَغَبِ |
هَيهاتَ ليسَ رَنينُ الفِلسِ يُطرِبُنا |
ورُبَّما زَلزَلتْنَا أنَّهُ القَصَبِ |
وَشَائِجُ الأَدبِ الرَّيَّانِ تَرْبِطُنا |
أكرِمْ بهِ نسباً يَسمو على النَّسبِ |
لم نَجتمعْ مَرةً إلاَّ على مِقةٍ |
أو نفترقْ مَرةً إلاَّ على أَدبِ |
إنْ أنَّ في الأَرزِ أُمِّ القُرى قَلمٌ |
لبَّاهُ مِنَّا يَراعٌ أنَّ مِن وَصَبِ |
وإن تَغَنَّتْ بِوادي النيلِ ساجعةٌ |
أجابَهَا سَاجعٌ في القُدْسِ أَو حَلَبِ |
أَلمْ يجئْ، وَظلامُ الجهْلِ منتشرٌ |
نَوراً يضيءُ دروبَ العُجْمِ والعَرَبِ |
ألمْ يَهُبَّ عَلى الأَصنامِ عَاصِفةً |
هَوجاءَ تَزحَفُ من قُطبٍ إِلى قُطْبِ |
أَلمْ يُشيِّدْ صُرُوحَ الفِكْرِ شَامخةً |
وينقلُ العَقلَ من جَدبٍ إِلى خِصْبِ |
رِسَالةُ الحُبِّ زَكَّاهَا وأَطلقَهَا |
في الناسِ، لم يُثنِهِ ما ثَارَ مِن صَخَبِ |
فَلَّ السُّيُوفَ وَقَاواهَا بريشتِهِ |
أُعجبْ بها ريشةً تمشي على القُضُبِ |
فكيفَ نَغفلُ عن تَمجيدِ سيرتِهِ |
وكيفَ نَترُكُه نَهباً لِمُنتهِبِ |
وكيفَ يسَبِقُنا مَن ليسَ يعرفُنا |
إِلى اغترافِ الطِّلا من نَبعِهِ العَذْبِ؟ |
يَقضي عَلينَا الوفا أنْ نَستَعِزَّ بِهِ |
وأَنْ نُقِيمَ لهُ الأَنصابَ مِن ذهبِ |
* * * |
يا رِفقةَ الدَّربِ هَذي رُوحُ جُبرانا |
تَحُومُ رَاحاً على النَّادي وَرَيْحَانا |
تُثيرُ مَا ماتَ في الأَرواحِ مِن أَملٍ |
وتَزرعُ اللَّيلَ أنواراً وأَلوانا |
طَافتْ على النَّجِم فابتشَّتْ مَواكِبُهُ |
وهلَّلَ الرَّوضُ أطياراً وأَفنَانا |
هلْ جاءَها أَننا شِدْنَا لها حَرَماً |
بينَ الضُّلوعِ ونَمْنَمْنَاه بُسْتانا |
وأَنَّنَا ما تَنادينا لنُكرِمَهَا |
لكنْ لِنُكْرمَ دُنيَانَا وأُخرانا |
يا روحَ جبرانَ لبنانٌ بِمهلَكَةٍ |
صَلِّي لِينُقِذَ رَبُّ العَرشِ لبنانا |
ما كانَ أهدأَهُ بالاً وأَهنأَهُ |
لو كانَ أخصبَ فيه زرعُ جُبرانا! |
* * * |
لبنانُ قلبي على بلواه ينقطرُ |
والنفسُ والِهَةٌ والجَفْنُ يستعرُ |
تَبَّتْ يدٌ مزَّقَتْه أًلفَ طَائِفَةٍ |
وأَطلقتْ بَينَها الأَحقادَ تشتجرُ |
وحَوَّلتْ جَنةَ الفِردوسِ مَقبرةً |
للحبِّ، يَسرحُ فيها الموتُ والخطرُ |
لَيَبرأُ الدينُ مِما باسمِه ارتكبوا |
ويبرأ الحقُّ ممَّنْ باسمِهِ اتَّجروا |
الدِّينُ يَدعو إِلى حُبٍ ومَغفِرَةٍ |
أينَ الَّذِينَ أَحبّوا أَينَ مَنْ غَفروا؟ |
والحقُّ نورٌ فأَينَ النُّورْ في بَلدٍ |
يَغشاهُ لَيلٌ من الأهوالِ معتكِرُ |
قالوا تَعَلَّمَ لبنانٌ فقلتُ لهم |
هل يأمرُ العلمُ أَهليهِ أَنِ انتحِروا ؟ |
لئنْ تَبيَّنَ أَنَّ العِلمَ آفتُه |
يا ليتَه لمْ يَزلْ يالجهلِ يأتَزِرُ |
لا لا وربِّكَ ليسَ العلمُ مَجلَبةً |
لَلغدرِ يَلدغُ أو لِلحقد ينفجرُ |
لكنَّما الناسُ شتّى في طبائِعِهمْ |
كالرَّوضِ يَنبُتُ فِيهِ الشًَّوْكُ والزًّهْرُ |
الشرُّ في النَّفسِ لا في الثَّوبِ مَكمنُهُ |
يَخفى، ولكنْ على مَنْ لاَ لَه نَظَرُ |
والخيرُ في النَّفْسِ لا في الثَّوبِ معدَنُهُ |
فلن يَصيبَ امرءاً من خيِّرٍ حَجَرُ |
حلفتُ – والأهلُ أَهلي – ما بكيتُهُمُ |
لوْ صَحَّ أَنَّ الذي أَفناهُمُ قَدَرُ |
مَنْ ذَ نَلومُ ومَنْ ذَا لا نَلومُ ومَنُ |
نشكو إليهِ ومَنْ نَشكو ومَنْ نذرُ؟ |
جَنى الغريبُ عليه والقريبُ معاً |
هذا لهُ وطرٌ خَافٍ وذا وطرُ |
ونالَ منه الأُلى في نفسِهِمْ مَرَضٌ |
ما لمْ ينلْهُ يهودُ السُّوءِ والتًّتَرُ |
لم يبقَ أمسه الزَّاهي سوى أَثرٍ |
يا ليتَ شِعري ماذا ينفعُ الأثرُ؟ |
* * * |
جُبرانُ أَسهَبَتِ الأقلامُ فيك فَلا |
تعذلْ يَراعاً قصيرَ الباعِ يختصرُ |
لَولا بقيةُ إِيمانٍ تُؤازِرُني |
لم يَرتفعْ لمراقي جُنحِكَ البَصَرُ |
ذكراك عيدٌ وإِن غاضَتْ بشاشتُه |
وأنت بين ثريَّاتِ الورى قمرُ |