حَامَ قَلبي عَليكَ يا لبنانُ |
أَسَهَا عنه أَم لَها دَبْدَبَانُ؟ |
لا تُحوِّلُ عَينيكَ عني، فإنّي |
بِمغانِيكَ هَائمٌ وَلْهانُ |
هَزَّني في رُباكَ للحُسنِ عُرسٌ |
دَائمٌ واستفزَّني مِهرجَانُ |
فامتطيتُ الخَيالَ يَدفَعُني الشَّـ |
ـوقُ، وللشَّوقِ مُقلَةٌ ولِسانُ |
يَشهدُ الحُبُّ لمْ أَغِبْ عَنْكَ يوماً |
كَيفَ ينأى عن أَيكِهِ الكَروانُ؟ |
أنا بالرُّوحِ حَاضرٌ، فأعيدي |
يا عَصافيرُ، وارقصي يا قِيَانُ |
كُلُّ حَدٍّ يَنهارُ مَهمَا تَعالى |
حِينَ تَدعو غُيَّابَها الأَوْطانُ |
مِنْ وَراءِ البِحارِ صَوتُك دَوَّى |
فانتَشى الوردُ وازْدَهى الرَّيْحانُ |
وطنَ الشِّعرِ والهَوى لا تَلُمْني |
إِن عَصاني فِيمن أُحبُّ بَيَانُ |
عَقَدَتْ غُربَةُ اللِّسانِ لِساني |
وأهواني إذا دَرى عَدنانُ |
* * * |
يا أبا الصِيدِ، يا مَليِكَ الْجِبالِ |
ما سَلاكَ النُّزَّاحُ، هَلْ أنتَ سَالِ؟ |
لم تَزلْ في قُلوبِهِمُ أملاً يَزهُو - |
ونوراً يجلو عُبُوسَ اللَّيالي |
تتَحدَّى الرِّياحَ هَوجَاءَ غَضْبى |
وتردَّ النِّبَالَ تِلوَ النِّبَالِ |
أنت بِكرُ الزَّمانِ لا تَزْهُ شمسٌ |
بِسنَاها ولا يُطاوِلْكَ عالِ |
قد مَلأتَ الحياة عِزاً ومَجداً |
وَوَصَلْتَ الأَجْيالَ بالأَجْيالِ |
كُلَّما مَاتَ في النُّفُوسِ رَجاءٌ |
بَعَثَتْهُ يَداك غَضَّ الجَمالِ |
خَصَّكَ اللهُ بالنَّضارةِ، فالبسْ |
بُردةَ الشَّمسِ واعْتصبْ بالهِلالِ |
أنتَ أَعلى شَأناً، وأَغلى مُقاماً |
في ضَميري مِن كُلِّ عالٍ وغالِ |
حَسَد الدُّرُ رملَ شطِّكَ، فاعجبْ |
لِلآلي يَحسِدنَ قَدْرَ الرِّمَالِ |
* * * |
فِتيةَ الأَرزِ بَاركَ اللهُ دَاراً |
وَلَدَتْكُمْ غَطارِفاً أحرارا |
زوَّدَتْكمْ مُنذُ الطُّفولةِ بالعَزمِ - |
فكُنتُمْ جَناحَها الطَّيَّارا |
مَاؤُها مِن مَنَابعِ النهر يَجري |
في دمِ الشاربِيهِ نوراً وَنَارا |
فتحتْ صَدرَها لِكُلِّ شَريدٍ |
لم يَجِدْ عِندَ غَيرِهَا مُستَجَارا |
وأباحتْ لِلطَارِقينَ مَجانِيهَا - |
فأَغرتْ بها بَعيداً وجَارا |
غزتِ الأَرَضَ، لا بِحدِ حُسامٍ |
يُحسنُ القتلَ أَو يُجيدُ الدَّمارا |
بل غزتْها بالحُبِّ فانتشرَ الأَمنُ - |
يَميناً وسَار فيها يَسارا |
وأَتتْها بالحَرفِ في حَلَكِ اللَّيلِ - |
فمَاجتْ آفاقُهَا أنوارا |
يا عُقولاً تطيرُ شَرقاً وغَرباً |
وتَرُودُ الشُّموسَ والأَقمارا |
أنتِ لولا قُدْموسُ كنتِ ظلاماً |
فاهتفي دُونَه وغُضِّي وَقَارا |
فتيةَ الأَرزِ مَجِّدُوا الأَرزَ رايهْ |
واجعلُوه للحُبِّ والحقِّ آيهْ |
غَرَسَتْهُ يَدُ العِنايةِ قِدَماً |
فاحرُسوهُ وسبِّحوا لِلعِنَايهْ |
لا تَناموا عن مَاكرٍ أو دَخِيلٍ |
يُظهِرُ الوُّدَ وهْو يُخفي النِّكَايهِ |
ربَّ شرٍّ مُستفحِلٍ مُستطيرٍ |
فَجَّرَتْهُ وِشايةٌ أو سِعَايهْ |
خَسِئَ الطَّامِعونَ فيه وخَابتْ |
دَعوةٌ تَرْتَدي قِناعَ الوِصَايهْ |
رافقَ الدَّهرَ مُنذُ كانَ غُلاماً |
وسيَبقى رفيقَه لِلنهايهْ |
لا يُتِهْ كَابرٌ عَليكم بِماضٍ |
إنَّ لبنانَ في الحضَارةِ غَايهْ |
من شَواطِيه أَبحرَ العِلمُ لمَّا |
لمْ يَكُنْ في الوجُودِ غيرَ العِمايَهْ |
وعلى أرضِهِ الزَّكيَّةِ أَعلتْ |
رَبَّةُ الشِّعرِ أَلفَ أًلفِ بِنَايَهْ |
حَدَّثيني يا حُلْوَتي، حَدِّثيني |
فَلقدْ يَنقَعُ الحديثُ حَنيني |
حَدِّثيني عن عَهدِ حَيرامَ حِيناً |
ثم ثَنّي بعَهدِ فَخرِ الدِّينِ |
لا تَقُولي لَكُلِّ عَصرٍ رِجالٌ |
طَلعةُ الشمسِ حُلوةٌ كُلَّ حِينِ |
أَنقليني على جَناحِكِ، إِنّي |
أَشتهي أَن أَطيرَ ثُمَّ – انقليني |
كان لبنانُ لِلسَّلامِ رَسولاً |
وسَيبقَى على مَمَرِّ السِّنينِ |
كان أُهْزُوجَةً على شَفَةِ الحُبِّ - |
وطِيباً يَهُبُّ من صِنينِ |
تَتَلاقى الأَضْدادُ فيه وتَمشي |
دَعوةُ الشَّكِ تحتَ ظِلِ اليَقين |
ليسَ فيه لابنِ الأَميرِ امتيازٌ |
يَتعالى بهِ على ابن الهجينِ |
جنَّحتْهُ فِينقيَا واصطفتْه |
بنتُ عَدنانَ لِلبيانِ المُبينِ |
فهْو بينَ السَّماءِ والأرضِ جِسرٌ |
ورِباطٌ مَا بَينَ عُربٍ وَصِينِ |
* * * |
إِيهِ لبنانُ يا سِياجَ الحَضارهْ |
كلُّ رِبحٍ لِهاجِريْكَ خَسارهْ |
ما اعْتِزازي بالجاهِ وهْوَ سَرابٌ |
يَخدعُ القلبَ، بل يزيدُ أُوارَهْ؟ |
ما انتفاعي بالمالِ إِنْ هوَ أَفضى |
لِهَواني، ولَفَّني بالمرارهْ؟ |
إنَّ مَوتي بِوابلٍ مِن جُمانٍ |
مِثلُ مَوتي بِوابلٍ مِن حِجارهْ |
راحةُ البالِ فوقَ كُلِّ ثراءٍ |
وصَفاءُ الضَّميرِ خَيرُ تجارهْ |
هبْ بنيْنَا القُصورَ قَورَاءَ شُماً |
ورَفعنا لِكُلِّ قَصرٍ مَنارهْ |
ومَرَجْنَا جُدْرَانَها باللآلي |
وفَرشْنَا دُرُوبَهَا بالنَّضارهْ |
أيُّ جَدوى مِنهُنَّ يَرجو غَريبٌ |
حَرمتْهُ غَوائلُ الدَّهرِ دَارَهْ |
قدْ حَسَدْنا على سُفُوحِكِ كُوخاً |
واشْتهينَا إِلى ثَراك زِيارَهْ |
أَسَيُرْوى غَليلُنَا أَمْ سَنقضي |
في مَهاوي آمالِنا المُنْهَارهْ؟ |
* * * |
من لقلب مُجَرَّحٍ ليس يهدا |
ذابَ شوقاً إلى الرُّبُوعِ وَوَجدا |
لمْ يُخيِّبْ لِمَسقطِ الرَّأْسِ ظَناً |
أو يُضَيِّع لِرفقةِ الدَّربِ عَهدا |
عَاشَ عنْ مَهدِهِ شَريداً طَريداً |
فتمنى في سَفحِ صِنّينَ لَحدا |
يا مليكَ الجبالِ حَيَّاكَ نَاءٍ |
ليسَ يَرضى بغيرِ وُدِّكَ وُدّا |
غَمرتْهُ يَداكَ بالرِّفْدِ لمّا |
لمْ يَجِدْ في حَزائنِ الأَرْضِ رِفدَا |
قلتَ أهلاً فردَّدَ النجمُ أَهلا |
وتَرامى على طريقيَ وردا |
أنكرتْني الرُّبى فطيَّبتَ نَفسي |
وجَفَاني الكَرى فوطَّأتَ مَهدا |
يا مَليكَ الجبالِ تَاهَ قَريضي |
باسمِكَ الحُلوِ واكتسى مِنه بُردا |
لستَ عني – وإِنْ نأيتُ – بعيداً |
يصلُ الحُبَّ ما التباعدُ قَدا |
* * * |
حَانَ يا قلبُ أنْ نعودَ إِليهِ |
حَانَ أَنْ نَرتمي عَلى شَاطِئيهِ |
عَبَثاً نَنْشُدُ السَّعادةَ إِنْ لمْ |
يتفجَّرْ عَطاؤها من يَديهِ |
عبثاً نَرقُبُ الصَّباحَ إِذا لمْ |
يتَلأْلأْ سنَاهُ مِن عَينيهِ |
قُمْ بِنَا أيُّهَا المشَوقُ المُعَنَّى |
نَعْتَمدْ – بَعْدَ الإِلهِ – عليهِ |
أَوَ نَخشىَ عَليهِ عِبئاً خَفيفاً |
وهُمومُ الدُّنيا عَلى كَتِفيهِ؟ |
مَا لصنينَ في الشوامخِ ندٌّ |
عَانقتْهُ السُّهى ونامتْ لَديهِ |
بشَّ وجْهاً لقِاصِديهِ وطَابتْ |
نَغَمَاتُ الهَوى على شَفتيهِ |
ليسَ هذا البياضُ ثلجاً ولكنْ |
هو تَاجُ العُلى على مِفرَقيهِ |
لا يُفاخِرْه بالضَّخامةِ عِلجٌ |
إنَّ قَدْرَ الإِنسانِ في أصغَرَيهِ |
سوفَ تَفنى الْجِبالُ يَوماً ويبَقى |
وحْدَه واقفاً على قَدَميه! |