شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الجبلُ الخَالِدُ
في عيد لبنان، سنة 1971
حَامَ قَلبي عَليكَ يا لبنانُ
أَسَهَا عنه أَم لَها دَبْدَبَانُ؟
لا تُحوِّلُ عَينيكَ عني، فإنّي
بِمغانِيكَ هَائمٌ وَلْهانُ
هَزَّني في رُباكَ للحُسنِ عُرسٌ
دَائمٌ واستفزَّني مِهرجَانُ
فامتطيتُ الخَيالَ يَدفَعُني الشَّـ
ـوقُ، وللشَّوقِ مُقلَةٌ ولِسانُ
يَشهدُ الحُبُّ لمْ أَغِبْ عَنْكَ يوماً
كَيفَ ينأى عن أَيكِهِ الكَروانُ؟
أنا بالرُّوحِ حَاضرٌ، فأعيدي
يا عَصافيرُ، وارقصي يا قِيَانُ
كُلُّ حَدٍّ يَنهارُ مَهمَا تَعالى
حِينَ تَدعو غُيَّابَها الأَوْطانُ
مِنْ وَراءِ البِحارِ صَوتُك دَوَّى
فانتَشى الوردُ وازْدَهى الرَّيْحانُ
وطنَ الشِّعرِ والهَوى لا تَلُمْني
إِن عَصاني فِيمن أُحبُّ بَيَانُ
عَقَدَتْ غُربَةُ اللِّسانِ لِساني
وأهواني إذا دَرى عَدنانُ
* * *
يا أبا الصِيدِ، يا مَليِكَ الْجِبالِ
ما سَلاكَ النُّزَّاحُ، هَلْ أنتَ سَالِ؟
لم تَزلْ في قُلوبِهِمُ أملاً يَزهُو -
ونوراً يجلو عُبُوسَ اللَّيالي
تتَحدَّى الرِّياحَ هَوجَاءَ غَضْبى
وتردَّ النِّبَالَ تِلوَ النِّبَالِ
أنت بِكرُ الزَّمانِ لا تَزْهُ شمسٌ
بِسنَاها ولا يُطاوِلْكَ عالِ
قد مَلأتَ الحياة عِزاً ومَجداً
وَوَصَلْتَ الأَجْيالَ بالأَجْيالِ
كُلَّما مَاتَ في النُّفُوسِ رَجاءٌ
بَعَثَتْهُ يَداك غَضَّ الجَمالِ
خَصَّكَ اللهُ بالنَّضارةِ، فالبسْ
بُردةَ الشَّمسِ واعْتصبْ بالهِلالِ
أنتَ أَعلى شَأناً، وأَغلى مُقاماً
في ضَميري مِن كُلِّ عالٍ وغالِ
حَسَد الدُّرُ رملَ شطِّكَ، فاعجبْ
لِلآلي يَحسِدنَ قَدْرَ الرِّمَالِ
* * *
فِتيةَ الأَرزِ بَاركَ اللهُ دَاراً
وَلَدَتْكُمْ غَطارِفاً أحرارا
زوَّدَتْكمْ مُنذُ الطُّفولةِ بالعَزمِ -
فكُنتُمْ جَناحَها الطَّيَّارا
مَاؤُها مِن مَنَابعِ النهر يَجري
في دمِ الشاربِيهِ نوراً وَنَارا
فتحتْ صَدرَها لِكُلِّ شَريدٍ
لم يَجِدْ عِندَ غَيرِهَا مُستَجَارا
وأباحتْ لِلطَارِقينَ مَجانِيهَا -
فأَغرتْ بها بَعيداً وجَارا
غزتِ الأَرَضَ، لا بِحدِ حُسامٍ
يُحسنُ القتلَ أَو يُجيدُ الدَّمارا
بل غزتْها بالحُبِّ فانتشرَ الأَمنُ -
يَميناً وسَار فيها يَسارا
وأَتتْها بالحَرفِ في حَلَكِ اللَّيلِ -
فمَاجتْ آفاقُهَا أنوارا
يا عُقولاً تطيرُ شَرقاً وغَرباً
وتَرُودُ الشُّموسَ والأَقمارا
أنتِ لولا قُدْموسُ كنتِ ظلاماً
فاهتفي دُونَه وغُضِّي وَقَارا
فتيةَ الأَرزِ مَجِّدُوا الأَرزَ رايهْ
واجعلُوه للحُبِّ والحقِّ آيهْ
غَرَسَتْهُ يَدُ العِنايةِ قِدَماً
فاحرُسوهُ وسبِّحوا لِلعِنَايهْ
لا تَناموا عن مَاكرٍ أو دَخِيلٍ
يُظهِرُ الوُّدَ وهْو يُخفي النِّكَايهِ
ربَّ شرٍّ مُستفحِلٍ مُستطيرٍ
فَجَّرَتْهُ وِشايةٌ أو سِعَايهْ
خَسِئَ الطَّامِعونَ فيه وخَابتْ
دَعوةٌ تَرْتَدي قِناعَ الوِصَايهْ
رافقَ الدَّهرَ مُنذُ كانَ غُلاماً
وسيَبقى رفيقَه لِلنهايهْ
لا يُتِهْ كَابرٌ عَليكم بِماضٍ
إنَّ لبنانَ في الحضَارةِ غَايهْ
من شَواطِيه أَبحرَ العِلمُ لمَّا
لمْ يَكُنْ في الوجُودِ غيرَ العِمايَهْ
وعلى أرضِهِ الزَّكيَّةِ أَعلتْ
رَبَّةُ الشِّعرِ أَلفَ أًلفِ بِنَايَهْ
حَدَّثيني يا حُلْوَتي، حَدِّثيني
فَلقدْ يَنقَعُ الحديثُ حَنيني
حَدِّثيني عن عَهدِ حَيرامَ حِيناً
ثم ثَنّي بعَهدِ فَخرِ الدِّينِ
لا تَقُولي لَكُلِّ عَصرٍ رِجالٌ
طَلعةُ الشمسِ حُلوةٌ كُلَّ حِينِ
أَنقليني على جَناحِكِ، إِنّي
أَشتهي أَن أَطيرَ ثُمَّ – انقليني
كان لبنانُ لِلسَّلامِ رَسولاً
وسَيبقَى على مَمَرِّ السِّنينِ
كان أُهْزُوجَةً على شَفَةِ الحُبِّ -
وطِيباً يَهُبُّ من صِنينِ
تَتَلاقى الأَضْدادُ فيه وتَمشي
دَعوةُ الشَّكِ تحتَ ظِلِ اليَقين
ليسَ فيه لابنِ الأَميرِ امتيازٌ
يَتعالى بهِ على ابن الهجينِ
جنَّحتْهُ فِينقيَا واصطفتْه
بنتُ عَدنانَ لِلبيانِ المُبينِ
فهْو بينَ السَّماءِ والأرضِ جِسرٌ
ورِباطٌ مَا بَينَ عُربٍ وَصِينِ
* * *
إِيهِ لبنانُ يا سِياجَ الحَضارهْ
كلُّ رِبحٍ لِهاجِريْكَ خَسارهْ
ما اعْتِزازي بالجاهِ وهْوَ سَرابٌ
يَخدعُ القلبَ، بل يزيدُ أُوارَهْ؟
ما انتفاعي بالمالِ إِنْ هوَ أَفضى
لِهَواني، ولَفَّني بالمرارهْ؟
إنَّ مَوتي بِوابلٍ مِن جُمانٍ
مِثلُ مَوتي بِوابلٍ مِن حِجارهْ
راحةُ البالِ فوقَ كُلِّ ثراءٍ
وصَفاءُ الضَّميرِ خَيرُ تجارهْ
هبْ بنيْنَا القُصورَ قَورَاءَ شُماً
ورَفعنا لِكُلِّ قَصرٍ مَنارهْ
ومَرَجْنَا جُدْرَانَها باللآلي
وفَرشْنَا دُرُوبَهَا بالنَّضارهْ
أيُّ جَدوى مِنهُنَّ يَرجو غَريبٌ
حَرمتْهُ غَوائلُ الدَّهرِ دَارَهْ
قدْ حَسَدْنا على سُفُوحِكِ كُوخاً
واشْتهينَا إِلى ثَراك زِيارَهْ
أَسَيُرْوى غَليلُنَا أَمْ سَنقضي
في مَهاوي آمالِنا المُنْهَارهْ؟
* * *
من لقلب مُجَرَّحٍ ليس يهدا
ذابَ شوقاً إلى الرُّبُوعِ وَوَجدا
لمْ يُخيِّبْ لِمَسقطِ الرَّأْسِ ظَناً
أو يُضَيِّع لِرفقةِ الدَّربِ عَهدا
عَاشَ عنْ مَهدِهِ شَريداً طَريداً
فتمنى في سَفحِ صِنّينَ لَحدا
يا مليكَ الجبالِ حَيَّاكَ نَاءٍ
ليسَ يَرضى بغيرِ وُدِّكَ وُدّا
غَمرتْهُ يَداكَ بالرِّفْدِ لمّا
لمْ يَجِدْ في حَزائنِ الأَرْضِ رِفدَا
قلتَ أهلاً فردَّدَ النجمُ أَهلا
وتَرامى على طريقيَ وردا
أنكرتْني الرُّبى فطيَّبتَ نَفسي
وجَفَاني الكَرى فوطَّأتَ مَهدا
يا مَليكَ الجبالِ تَاهَ قَريضي
باسمِكَ الحُلوِ واكتسى مِنه بُردا
لستَ عني – وإِنْ نأيتُ – بعيداً
يصلُ الحُبَّ ما التباعدُ قَدا
* * *
حَانَ يا قلبُ أنْ نعودَ إِليهِ
حَانَ أَنْ نَرتمي عَلى شَاطِئيهِ
عَبَثاً نَنْشُدُ السَّعادةَ إِنْ لمْ
يتفجَّرْ عَطاؤها من يَديهِ
عبثاً نَرقُبُ الصَّباحَ إِذا لمْ
يتَلأْلأْ سنَاهُ مِن عَينيهِ
قُمْ بِنَا أيُّهَا المشَوقُ المُعَنَّى
نَعْتَمدْ – بَعْدَ الإِلهِ – عليهِ
أَوَ نَخشىَ عَليهِ عِبئاً خَفيفاً
وهُمومُ الدُّنيا عَلى كَتِفيهِ؟
مَا لصنينَ في الشوامخِ ندٌّ
عَانقتْهُ السُّهى ونامتْ لَديهِ
بشَّ وجْهاً لقِاصِديهِ وطَابتْ
نَغَمَاتُ الهَوى على شَفتيهِ
ليسَ هذا البياضُ ثلجاً ولكنْ
هو تَاجُ العُلى على مِفرَقيهِ
لا يُفاخِرْه بالضَّخامةِ عِلجٌ
إنَّ قَدْرَ الإِنسانِ في أصغَرَيهِ
سوفَ تَفنى الْجِبالُ يَوماً ويبَقى
وحْدَه واقفاً على قَدَميه!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :475  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 159 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج