لِهَذا اليومِ خَبَّأْتُ الدُّموعا |
فيا قَوْمُ اعذُروا الباكي الجَزوعا |
نَعَى الناعي إلى الفُصْحَى فتَاها |
فهَزَّ جُذوعَها وثَنَى الفُروعا |
ومالَ إلى الرِّياض فناحَ طَيْرٌ |
وألْوَى نَرْجسٌ وبَكَى مَروعا |
شَفيقُ تَرْكْتَني لليأسُ نَهْباً |
فكَيْفَ تُطيق أجْفاني الهُجوعا؟ |
تَمَلَّكني فمالي مِنْه مَنْجىً |
وحَطَّ على الضُلوعِ فلا ضُلوعا |
عَطَفْتَ عليَّ فاخْضَلَّتْ دُروبي |
وذاعَ اسْمي على الدُّنْيا ذُيوعا |
لَئِنْ لَمْ نَجْتَمِعْ نَسباً فإنا |
تَلاقَيْنا هَوىً وجىً وجُوعا |
ومَدَّت بَيْنَنا الآدابُ جِسْراً |
مَتيناً لا تَرَى فيه صُدوعا |
بَلَى جُعْنا إلى أهْلٍ ودارٍ |
وهَلْ عارٌ علينا أن نَجوعا |
كلانا بُلْبُلٌ هَجَر المغَاني |
وظَلَّ على البعادِ بها وَلُوعا |
أحِنُّ إلى تُرابِ أبي وأمِّي |
وأطْرُقُ إنْ ذَكَرْتُهُما خُشوعا |
لكلِّ الناسِ مِنْ شَمْسي نَصيبٌ |
فإنْ غَرَبَتْ بَعَثْتُ لها يَشوعا |
كلانا عاشَ للمَظْلوم سَيْفاً |
وللمَحْروم دِرْعاً، بَلْ دُروعا |
تَمَرَّدْنا على قَيْدٍ ونِيرٍ |
ولَمْ نُوقِدْ لطاغِيةٍ شُموعا |
ولَمْ نَزْحَفْ إلى نَشَبٍ فإني |
رأيْتُ العَبْقَريّ فَتىً قَنوعا |
يَموتُ الحرُّ مِنْ عَطَشٍ وجوعٍ |
إذا ما القوتُ كلَّفه خُنُوعا |
وقَدْ يُبْدي الخُضوعَ لذاتِ دَلٍّ |
ولا يُبْدي لذي ناب خُضوعا |
غَسَلْنا الصَدْر مِنْ وَضَرٍ وغِشٍ |
فَلَيْسَ يَضُمُّ عاطفةً خَدوعا |
* * * |
شَفيقُ خَلَعْتَ ثَوْباً مِنْ تُرابٍ |
فِطرْ كالعِطْر آلى أنْ يَضوعا |
نَجِيَّتُكَ الوَفِيةُ في انْتِظارٍ |
فخُذْ يَدَها وأُمَّ بها الرُبوعا |
لكَمْ فَرَشَتْ درُوبك بالدَّراري |
وكُنْتَ هَزارها الغَرِدَ السَجوعا |
وكَمْ طَلَعَتْ على ناديك بَدْراً |
وَضيئاً عَلَّم البَدْرَ الطُلوعا |
ورَفْرِفْ فَوْقَ زَحْلَة فهْيَ أمٌ |
تَوَدُّ لك الرفاهةَ والرُّجوعا |
ألَمْ تَرهَا قَدِ احْتَشَدَتْ جُموعاً |
فقُمْ يا صاحبي حيِّ الجُموعا |
بَراها – مِثْلَما أضناكَ – شَوْقٌ |
فَبُلَّ أُوارَها واشْفِ الوَلُوعا |
بَنَى فَوزي لها ذِكْراً سَنيّاً |
وجَئْتَ فزِدْتَ شُهْرَتَها سُطوعا |
* * * |
شَفيقُ سَبقْتَني فاجْعَلْ مَقامي |
بقُرْبكِ تُرْضِ لي قَلْباً هَلوعا |
بكَيْتُ ولَوْ مَلَكْتُ زِمام جَفْني |
لَمَا خبّأتُ للحَيِّ الدُّموعا |