حَلِمْتُ أنِّي الرِّيح لِلْقَمرِ |
وقُلْتُ يا ريحُ باسْمِ الله فَلْنَطِرِ |
ورُحْتُ أهْمِزُها حيناً وألْمِزُها |
وأُشْغِلُ النَّفْسَ بالعُقْبَى عَنِ الخَطِرِ |
فلَمْ تُخَيّبْ مَطايا الريحِ لي أملاً |
يا طَالَما اقتاتَ مِنْ قَلْبي ومِنْ بَصَري |
بَلَغْتُ في وَثْبةٍ أعْلَى مَشارِفِه |
ورُحْتُ أخْتالُ في زَهْوٍ وفي بَطَرِ |
أرْنُو إلى الأرْضِ نَسْراً لا يُطاوِلُني |
نَسْرٌ، جَناحاحيَ مِنْ نُورٍ ومِنْ شَرَرِ |
وشاعَ في الملأ العَليِّ مِنْ خَبَري |
ما يَبْعَثُ الذُعْرَ أوْ يَدْعو إلى الحَذَرِ |
فأجْمَعوا أمْرهم أن يُوفِدوا نَفراً |
كَيْ يَسْمَعوا مِنْ فَمي ما شاعَ مِنْ خَبَري |
قالوا - وقَدْ أوْجَسوا شَرّاً وهالَهُمُ |
أنِّي أقابلُهم بالنَّابِ والظُّفُرِ - |
يا صاحبَ الأمْرِ لا تُغْضِبْكَ زَوْرَتُنا |
واحْلُمْ عَلَينا تَنَلْ ما شِئْتَ مِنْ وَطَرِ |
هَلْ جِئْتَ تَبْحَثُ عَنْ خَمْرٍ وعَنْ عَسَلٍ |
أمْ جِئْتَ تَبْحَثُ عَنْ تِبْرٍ وعَنْ دُرَرِ |
أمْ جِئْتنا فاتِحاً تَنْوي أذَيَّتَنا |
وتَنْشُر الرُّعْبَ والإِرْهابَ في القَمَر |
إنَّا نُجِلُّكَ عَنْ كَيْدٍ وعَنْ سَفَهٍ |
وما تَرَامَى إلَيْنا عَنْ أذَى البَشَرِ |
تَعالَ نَعْقِدْ ذِماماً بَيْنَنا ونَفِئْ |
إلى المَحَبةِ تَرْعانا مِنَ الكَدَرِ |
هَذي الفَراديس فاسْتَرْوِحْ نَوافِحَها |
واشْرَبْ نداها وكُلْ ما شِئْتَ مِنْ ثَمَرِ |
وإنْ طَمِعْتَ بسُلطانٍ ومَمْلكةٍ |
فنَحْنُ جُنْدُك ما سَيَّرْتَنا نَسِر... |
فانْجابَ خَوْفي وارْتاحَتْ لما سَمِعَتْ |
أُذْني، وَقَرَّ بما شاهَدْتُهُ نَظَري |
وقُلْتُ يا سادَتي ما جِئْتُ مُعْتَدياً |
نَزَّهْتُ كَفِّيَ عَنْ شَيْنٍ وعَنْ قَذَرٍ |
بالحُبِّ والسِلْمِ، لا بالحَرْبِ، جِئْتُكمُ |
فإنْ قَبِلْتمُ فيا سَعْدي ويا ظَفري! |
لا فَرْق لاَ فَرْقَ ما بَيْني وبَيْنكمُ |
أنا وأنْتُم وكلُّ الخَلْقِ مِنْ مَدَرِ |
لو شاءَ مَنْ خَلَق الدُّنْيا لَوَحَّدَنا |
داراً، وما نَوَّعَ الألْوانَ في الزَّهَر |
إنَّا لَمِنْ مَنْبتٍ فَرْدٍ، وجُوقَتُنا |
مَهْما تبايَنَتِ الأصْواتُ، مِنْ وَتَرِ... |
* * * |
وطارَ حُلْمي فطارتْ مُهْجَتِي أسَفاً |
وقُلْتُ يا لَيْتَني ما زِلْتُ في سَفَري |
كَمْ غَفْوَةٍ ما شاهَ مِنْ مُتَعٍ |
ويَقْظَةٍ شَوَّهَتْ ما شَاقَ مِنْ صُوَرِ |