سأقْطَعُ ما بَيْني وَبيْنَك مِنْ بَحْرِ |
وأجْتازُ ما بَيْني وبَيْنَكِ مِنْ بَرِّ |
وأنْشُقُ مِنْ رَيَّاك يا حُمْصُ نَفْحَةً |
تُجَدِّدُ مِنْ عَزْمي وتَشْرَحُ مِنْ صَدْري |
ومِنْ عَجَبٍ أهْفُو إليكِ ولَمْ أَطأ |
تُرابَك إلاَّ فَوْقَ أجْنِحَةِ الفِكْرِ |
ويا حِمْصُ لَمْ أُعْلِنْ هَوايَ تَزَلُّفاً |
إلى غَرَضٍ تَنْدَى له جَبْهَةُ الحُرِّ |
ولكنْ رأيْتُ القَلبَ يُمْلي، فلَمْ أجِدْ |
إذا أنا لَمْ أُطْلِقْ لِساني، مِنْ عُذْرِ |
وهَلْ أنا إلاَّ شاعرُ السَيْفِ والنَّدَى |
وهَلْ أنا إلاَّ شاعِرُ الزَّهْرِ والنَّهْرِ |
أحومُ على الرَّوْض الأغَنِّ فرَاشةً |
وَيَهْتِفُ باسمي الشِعْرُ في حَلْبَةِ الفَجْرِ |
* * * |
ويا سائِلي ما حِمْصُ، ذَنْبُك فادحٌ |
إذا كُنْتَ لا تَدْري، وأفْدَحُ إنْ تَدْرِ |
أتَجْهَلُ داراً تُنْبِتُ البأسَ والنَّدَى |
وتَفْتَخِرُ الدنيا بفِتْيَتِها الغُرِّ |
أتَجْهَلُ غِيلاً يَسْتَريحُ بظِلِّه |
فَتَى السيفِ والإِسلامِ والفَتْحِ والنَّصْرِ
(1)
|
فتىً صَفَعَ الرومانَ والفُرْسَ صَفْعةً |
- لها الله كَفّاً - أوْقَرَتْ أُذَنَ الدَّهْرِ |
غَزَاهم بجَيْشٍ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ غَيْرَ حَفْنةٍ |
فلَمْ تُغْنِ عنهم صَوْلةُ العَسْكَر المَجْرِ |
تَراءَى لَهُمْ حُلْماً فذابَتْ نُفوسُهُم |
وناءت بِهِمْ خيلٌ جَمُدْنَ مِنَ الذُّعْرِ |
وطارَتْ عُقولٌ لَوْ جَرَوا في غُبارِها |
لَمَا سَقَطوا في قَبْضَةِ المَوْتِ والأسْرِ |
ومَنْ يَتَسلَّحْ بالضَّلالِ فلا يَقُلْ |
حُسامي بِكَفِّي، بَلْ حُساميَ في نَحْري |
* * * |
وقائلةٍ أنْفَقْتَ عُمْرَكَ شاعِراً |
وقَوْمَك في لَهْوٍ عَنِ الشِّعْرِ والنَّثْرِ |
ينامونَ مِلْء العَيْنِ في سُرُرِ الهَنَا |
وأنْتَ على أدْمَى مِنَ الشَّوْكِ والجَمْرِ |
تُغَنِّي فلا تَهْتَزُّ مُهْجَةُ سامِعٍ |
وتَبْكي فلا يَبْدو اضطرابٌ على ثَغْرِ |
- أقلِّي، رَعاكِ الله، لَوْمَكِ إنَّني |
سَعيدٌ بما ألقى، قَريرٌ بما يَجْري |
أحبُّ بني أمي وإن هَدَروا دَمي |
وأمْحَضُهم صَفْحي وإنْ جَهِلوا قَدْري |
إذا رَكبوا للبُطْل، فهْو لُبانَتي |
وإنْ كُنْتُ لَمْ أرْكَبْ إلى باطلٍ عُمْري |
أَلَذُّ مِنَ الماءِ النَّمير سَرابُهُم |
وشَوْكُهُمُ أحْلَى بعَيْني مِنَ الزَّهْرِ |
لَئِنْ أنْكَروا أنِّي وُلِدْتُ بِمَهْدِهِم |
فيا ربِّي اجْعَلْ في طَرِيقِهِم قَبْري! |