تَوَزَّعَ القلبُ بين الصَّحْبِ والآلِ |
ما ضَرَّ لو صَفَتِ الدُّنيا لأمثالي؟ |
ما إنْ أُلاقي حَبيباً عادَ مِنْ سَفَرٍ |
حتَّى يهيضَ نذيرُ البَيْن آمالي |
عَيْني على الأُفْقِ لا تَنْفَكُّ ساهرةً |
ما حِيلتي بأخٍ كالشَّمسِ جَوَّالِ؟ |
يأتي ويَذْهَبُ. لا نَرْوي بكَوْثَرِه |
حتى يُودِّعُنا في يَوْمه التالي |
غَمَزْتُ شيطانَ شِعْري فانْثَنىَ وَجِلاً |
يقولُ قَطَّع هذا الدَّهْرُ أوصالي |
أدْمَتْ حَوادِثًهُ روحي، وما بَرحتْ |
تَنوشُني بَيْنَ إْدبارٍ وإقْبالِ |
إنّا لَفي غٌُرْبةٍ طالَتْ مَراحِلُها |
ألاَ يَهُزّك تَحْنانٌ لأطْلالِ؟ |
غَداً يَطيرُ عَنِ الأفْنان بُلْبُلُها |
وتَنْطَفي بَسَماتُ السامِرِ الحالي |
وتَسْتعيدُ ليالي الصَّفْوِ رُبْدَتها |
كأنَّها سُلِخَتْ مِنْ قَلْب خَتّالِ |
يا مارِدَ الحَرْفِ هَبْني مِنْكَ قافيةً |
تَفُكُّ في حَلَبات الشَعْر أغْلالي |
تَشَبَّثتْ قَدَمي بالطِّين يَغْمُرُها |
فابْسِطُ إليَّ يداً مِنْ أُفْقِكَ العالي |
وَيْحَ التجارةِ مَنْ يَرْكَبْ مَطِيَّتها |
يَرْكَبْ مَطِيّة أكْدارٍ وأهْوالِ |
شاكَتْ فِراشي، فلا والله ما انعقَدَتْ |
عَيْنايَ إلاّ على هَمٍّ وبَلْبالِ |
وحجَّرتْني، فما الأرقامُ في نَظَري |
إلاّ أراقِمُ تَسْعَى خَلْف أصْلالِ |
يا صَيْغَةَ الشِعْرِ والأحْلامِ في وَسَطٍ |
يَخَوضُ مِنْ فَتِنَ الدنيا بأوحالِ |
تَقْضي على القِيمَ المُثْلَى سَفاسِفُه |
وتَنْقُلُ القَلْبَ مِنْ حالٍ إلى حالِ |
لا شأنَ فيه لمن قلَّتْ مَواردُه |
وإنْ يَكُنْ غَمَر الدنيا بأفضالِ |
هَبْني فَدَيْتُك، هَبْني نَدْوَةً خَلُصَتْ |
للشِعْر، واذْهَبْ بما حَصَّلْتُ مِنْ مالِ |
يا ناعمَ البالِ لَمْ تَرْحَمْ جَوانِحنَا |
ألاَ تَرُقَّ لنا يا ناعِمَ البالِ! |
أكلَّما كَفْكَفَ المُشْتاقُ مَدْمَعَه |
نَكأْتَ فيه جِراَحُ المُدْنَفِ السالي؟ |
غداً نقولُ، وفي أنْظارنا جَزَعٌ |
هَلْ تَنْطفي حُرْقةُ الظمآنِ بالآلِ؟ |
لَمْ يَضْحَكِ الروضُ مُخْتالاً بطائِرِه |
حتى فَشَا الغَمُّ في أعْطافِ مُخْتالِ |
فلا الفراشاتُ حَوْلَ الزَهْرِ حائمةٌ |
ولا الطَيرُ على أيْكٍ وَسْلسالِ |
ولا المجالسُ في الأقْمارِ زاهيةٌ |
ولا المنابرُ في حالٍ وفي غالِ |
* * * |
يا كاهِنَ الفَنِّ حامَتْ حَوْلَ روضته |
سَرائر القَوْم، هَلْ تَعْنيك أوجْالي؟ |
ضَمَمْتَ مِنْ طَرَفَيْه المَجْدَ مُعْتَصِماً |
بمَرْقَمٍ في مجالِ الحَقِّ صَوّالِ |
فاجْمَعْ على حَرَم الفُصْحى بلابلَها |
ورُدَّ للحَرْفِ نُعْمى عَهْدَه الخالي |
يَكادُ يَقْتُلُنا التَحْنانُ فارْثِ لنا |
لَيْسَتْ حِجاراً قلوبُ الصَّحْبِ والآلِ |
لَمْ يَبْقَ في الكأسِ إلاّ رَشْفتانِ، فلا |
نُضيِّعُ العُمْرَ في حَلٍ وتَرْحالِ |
رَوائِحُ الشَّامِ في أثْوابك اجْتَمَعتْ |
فانْفُضْ رِداءَك تَمْلأَ بَيْتَنا الخالي! |