شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أبو النسور
في عيد لبنان، سنة 1973
للأرْزِ رَبٌّ مِنَ الأخْطار يَحْميه
فيا عبيدَ الخَنَى لا تَطْمَعوا فيهِ
وهَلْ يهونُ على آفاقِهِ عَلَمٌ
لَمْ يَحْنِ هامَتَه إلاَّ لِباريهِ؟
أفْنَى الزمانُ شُعوباً عزَّ جانِبُها
وظلَّ لبنانُ، رَغْم الضَّعْفِ، يُفنيهِ
تَزُلُّ عنه نِبالُ الكَيْدِ خاسِئةً
وَيشْتَري لَعْنَة التاريخِ شانيهِ
كَمْ غاصبٍ ظنَّه سَهْلاً لآكِلِه
شُلَّتْ يَداهُ ولَم يَبْلُغْ مجانيهِ
وكَمْ تَنَازَعَ أعْصارٌ شَواطِئَهُ
ثمَّ استحالَ نَسيماً في رَوابيهِ
لَمْ يَزْهُ بالصَّارمِ البتّارِ يَرْفَعُه
على الرقابِ يَؤجُّ الموتَ في فيهِ
بَلْ بالمحبَّةِ تَسْري في مَلاعِبِه
فيَعْشُبُ الصَّخْر مِنْ زَهْوٍ ومِنْ تِيهِ
يُعْطي، ولكِنْ بلا مَنٍّ ولا صَلَفٍ
ما أقْبَحَ الجودَ، حُبُّ الذاتِ يُمْليه
إنْ لَمْ تَمُجْ بكُنوزِ التِبْر تُرْبتُه
فاللهُ عَنْ تُرَّهات الأرْضِ مُغْنيه
ما زالَ صَوْت "أبي سُعْدَى" يُهيبُ به
إلى المَعَالي، فلا يأْلُو يُلَبِّيه
يَكْفيه أنَّ له في كلِّ مُجْتَمَعٍ
مِنَ المآثِرِ أبْقاهنَّ، يَكْفيهِ
* * *
لُبْنانُ لَيْسَ – كما يَدْعونَهُ – جَبَلاً
تقَاصَرَتْ "حَمَلايا" عَنْ أدانيهِ
لُبنانُ مَدْرسةٌ للشِعْر وارِفةٌ
يَفيضُ بالوَحْي باديه وخَافيهِ
وَهيْكلٌ للنَّدَى والحبِّ مُؤْتَلِقٌ
ما جَنَّةُ العِزِّ إلاَّ مِنْ أساميهِ
دَمُ العُروبةِ يَغْلي في جَوانِحِهِ
وتاجُ فينقِيا يَكْسُو نَواصيهِ
أبو النُّسورِ يُربِّيها ويُطْلِقُها
للمَجْدِ، تَرْبُطُ تاليه بماضِيهِ
ساحَ الجَمالُ فلَمْ يَسْتَهْوه بَلَدٌ
حتى رآهُ فراعَتْهُ مَغَانيهِ
فاخْتارَه دونَ أوطانِ الوَرَى وَطَناً
تَطيبُ حتى على البَلْوى ليَاليهِ
أُعْجوبةُ الحَرْفِ سَحَّتْ مِنْ عوارِفِهِ
لَوْلاهُ لَمْ تَخْرُجِ الدُّنْيا مِنْ التِّيه
لَتَشْهَدُ الضّادُ لمَّا انهار حائِطُها
أنَّ العِلاجَ أتاها مِنْ مَشَافيهِ
لَمْ تَلْقَ إلاَّهُ بَيْنَ الأهْلِ "مُعْتَصماً"
يَحْمي حِماها ولا يَنْفَكُّ يَحْميه
لِلشَّمسِ بُرْجٌ عَجيبٌ في خَرائِبهِ
الفَجْرُ يَهْدُمهُ والليلُ يَبْنيهِ
وللدَّراري على تَلاَّته مَرَحٌ
آمنتُ بالله ما أحْلَى دَرَاريه!
فَيْروزُ في تاجِهِ الوَهَّاجِ لؤْلؤةٌ
أفْدي بأكْثَرَ مِنْ رُوحي لآليهِ
وأخْطَلُ الشِعْرِ في قَيْثارهِ وَتَرٌ
غنَّى، فأَسْكَرتِ الدنيا أغانيه
سارَتْ قَصائِده كالشًّمسِ وانْطَلَقتْ
تَطْوي الزمانَ وتَسْتَجْلي خَوافيه
في ظِلِّ أرْزَتِه صاغَ الأميرُ، ولَمْ
يَكْفُرْ بنِعْمَتِه، أحْلَى قَوافيه
بشَّتْ له جارةُ الوادي فألْبَسَها
ثَوْباً مِنَ الشِّعْر لا تَبْلَى مَعانيه
وشاركَ الفَنُّ في تَخْليد فِتْنَتِها
فَبُوْرِكَ الفَنُّ ما أسْخَى أياديه!
يا مَنْ يَعيبُ على قَلْبي صَبابتَه
هَيْهات عَنْ واجبِ العُرْفان تَثْنيهِ
أُحبُّ لبنانَ لا خَوْفاً ولا طَمَعاً
كَرَّمْتُ حُبِيَ عَنْ زَيْفٍ وَتمْويهِ
لَكِنْ لأنَّ له دَيْناً ولي شَرَفٌ
يَسومُني أنْ أُسمّيه وأقْضيه
يُغْرَى اللَّئيمُ بمالٍ أو بغَانيةٍ
أمّا الكريمُ فبالمعروفِ تُغريه
نَزَلت مَغْنَاهُ فالتَفَّتْ جَهَابِذةٌ
حَوْلي تَقَاسَمُ قَلْبي ما يُعانيهِ
فزالَ غمِّي وما زالَتْ بَشَاشَتُهُم
تَغْلُو بتَفْريج آلامي وتَرْفيهي
يا فِتْيَةَ المَجْدِ لا شَلَّ الزمانُ يَداً
تمرُّ بالطَّلَلِ البالي فتُحْييهِ
أقولُه، والدَمْعُ في عَيْنيَّ يَشْكُرُكُمِ
جُرْحُ الشقيقِ، شقيقُ الروح يَشْفيه
إن يَطْوني البُعْد فالأشواقُ تنشرني
وإنني نازحٌ لا بُعْدَ يَطْويه
غلْواءُ أبعدنا عَنْ أيْكِنا قَدَرٌ
لا يَسْتطيعُ قَويٌّ أن يُقاويهِ
فلَمْ نَبِتْ ليلةً إلاَّ على مَضَضٍ
يزْدادُ عندَ طُلوعِ الفَجْر داجيه
لولا عُيونُكِ غامَ الأفْقُ في نَظَري
وانْسَدَّ كلُّ طريقٍ في حَواشيهِ
هَلْ يَعْلَمُ الأهلُ يا غَلْواءُ لَهْفَتَنا
وَيذْكُرُ العَهْدُ يا غَلْواءُ ناسيهِ؟
ما زالَتِ الشامُ في أجْفاننا حُلُماً
وَيْحَ الغَريبِ متى تُقْضَى أمانيه؟
إنْ لَمْ يُتَحْ ليَ قَصْرٌ في رُبَى وطني
رَضيتُ عنه بقَبْرٍ في بَراريهِ
* * *
يا أهْلَ لُبْنانَ لا تَزْهوا بَجَنَّتِكم
لَنَحْنُ بالروحِ فرْعٌ مِنْ أهاليهِ
نَهْفُو إليه كما نَهْفُو إلى بَرَدَى
نَرْتَوي منه، بل بالدَّمْعِ نَرْويهِ
الشَرْقُ رَغْم اختلاف الدار عائلةٌ
يَحْلُو لقاضيهِ ما يَحْلُو لدانيهِ
فسَيِّجوه بسُورٍ مِنْ عَزائمكم
وأدْرِكوه بنورٍ في دَياجيه
لا تَفْتَحوه لِشُذّاذِ الوَرَى وَطَناً
هَلْ يَدْفَعُ الضَيْمَ عن بَيْتٍ حَراميهِ؟
مَنْ جاورَ الذِئْبَ فلْيَذْكرْ مخالِبَه
ما كلُّ ما يُبْطِن الجلاَّدُ يُبديهِ
كَمْ غَفْلةٍ أثْمَرتْ شَراً لِصاحبها
ويَقْظةٍ جنَّبتْهُ شَرَّ قاليهِ
أرَى الجنوبَ يُعاني ألْفَ داهيةٍ
لا تَتْرُكوه غَريقاً في دَواهيهِ
السَّيْلُ قَطْرَةُ ماءٍ ثُمَّ تُعْقِبُها
سَحابةٌ... ثُمَّ تَسْتَشْري نَوازيهِ
أخْشَى يُؤدي اختلافُ الرأيَ بَيْنكمُ
إلى ائتِلافِ النَّوايا في أعاديهِ
فوَحّدوا صَفَّكم تَسْلَمْ كَرامَتُكمُ
وتَدْفَعوا عَنْ حِماكم شَرَّ غازيه
عارَكْتُمُ الدَّهْرَ مُنْذُ اشتدَّ ساعِدُه
فلانَ شامِسُه وانْقادَ عاصيهِ
أنَّى ذَهَبْتُم زَهَا بالخيرِ سَعْيُكمُ
وأمْرَعَ القَفْر كاسيهِ وعاريهِ
على هُداكُم بَنَتْ رُوما حَضَارَتَها
وأرْشَدُ الناسِ مَنْ لُبْنانُ هاديهِ
لَمْ تَنْزِلوا بَلَداً إلاَّ لِنُصْرَتِهِ
لا يَبْلُغُ القَصْدَ مَنْ ساءتْ مَساعيهِ
مِنْ شَطِّكِم أبْحَرَ العِرْفان وانْطَلَقتْ
مَثالثُ الشِعْر تَسْتدعي مَثانيهِ
هذا هو الفَتْحُ تُسْتَجْدَى عَوارِفُه
ولا يعيَّرُ بَيْن الناس راجيه
* * *
اللهُ كَمْ أرْهَقَ التَّطْوافُ أجْنِحَتي
وأرْخَصَ الشوقُ دَمْعاً كُنْتُ أغليه
يا جارةَ الأرْزِ لا تَقْسي على كَبَدي
حَلَفْتُ بالأرْزِ ما يُبكيكِ يبكيه...
 
طباعة

تعليق

 القراءات :412  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 138 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة للأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي

[الجزء الخامس - التقطيع العروضي الحرفي للمعلقات العشر: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج