شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هواجس جندي
عاد من ساحة القتال فوجد قريته قاعاً صفصفاً لا حركة فيها ولا نأمة، فاقتعد حجراً وأخذ رأسه بين يديه، ثم غاب غمرة مـن الأفكـار والهواجـس
أنا عائدٌ مِنْ ساحةِ الحَرْبِ
حَيْران بَيْنَ الشَرْقِ والغَرْبِ
أمشي، ولكنْ لا إلى هَدَفٍ
وألوبُ مِنْ دَرْبٍ إلى دَرْبِ
فتَشْتُ عن بَيْتي، فما عَثَرتْ
عَيْني عليه ولا اهْتَدَى قَلْبي
لَمْ يَنْجُ مِنْ أنْقاضِه حَجَرٌ
يَرْوي حكايَتَه لِمُسْتَنْبي
وبَحَثْتُ عَنْ أهلي فقيل قَضَى
بَعْضُ، وبَعْضٌ طاشَ مِنْ رُعْبِ
لَمْ تَبْكِهِمْ عَيْنٌ ولا زَفَرَتْ
كَبِدٌ على مَثْواهُمُ الجَدِبِ
وسأَلتُ عَنْ سِرْبي فزَلْزَلَني
أنِّي فَقَدْتُ قِلادَةَ السِّرْبِ
عَصَفَ القَضاء بِهِمْ فَمزَّقهَم
وَطَوى بِساطَ الشِعْر والحُبِّ
وَقَصدْتُ مَدْرَستي، فوا لَهْفي
لَمْ يَبْقَ غَيْرَ جِدارِها الغَرْبي
يأوي إليها البُومُ يُؤْنِسُها
في وَحْشَةِ الظلماءِ بالنَّعْبِ
مالي صُعِقْتُ كأنَّني حَمَلٌ
تَرَكوهُ بَيْنَ مَخالبِ الذِّئْبِ
كَيْفَ انْطَوَى ماضِيَّ وانْدَثَرَتْ
آثارُه في رَفَّتَيْ هُدْبِ؟...
* * *
وسَرَى النُعاسُ لِمُقْلَتي فَغَفَتْ
لكنْ تَنَبّه طَيْفُ أحْلامي
جاء الأميرُ يُثيرُ نَخْوَتَنا
فهُرِعْتُ خَلْفَ نِدائِه الدَّامي
قالَ العدوُّ أهانَ عِزَّتَنا
قُلْنا نَقُطُّ لِسانَه النامي
لَنْ يَرْتَوي لِقُلوبِنا ظَمَأُ
حتى نُرَوِّيَ ثأرنا الظَّامي
وتقابَلَ الجَيْشانِ والتَحَما
بَحْرَيْن، ذا طامٍ وذا طامِ
فتطايَرَتْ جُثَثٌ على جُثَثٍ
حتى بَدَتْ في شَكْل أهْرامِ
وعَلاَ الصُّراخُ فَتِلْكَ طائرةٌ
تَهْوي... وتلكَ تُجَنْدِلُ الرامي
ويَقُدُّ هذا رأسَ طاعِنِه
ويروحُ ذاك صَريعَ صَمْصامِ
ما زالَ سَيْفُ الموتِ يَحْصُدُنا
ويَجولُ بَيْنَ الهامِ والهامِ
حتى اكْتَفَى منَّا ففَرَّقَنا
كي نَلْتَقي مِنْ بَعْدِ أيامِ
* * *
وَقَعْتُ في أسْرِ العدو فقادني
حظِّي السعيدُ إلى أمير العَسْكَرِ
قُلْتُ الأمان فقال لا تَخْشَ الأذَى
إن الأسيرَ مُكَرَّمٌ في مَحْضَري
هلاَّ جَلَسْتَ وقلتَ ماذا هاجَكُم
كي تَنْكُثُوا عَهْدَ الجِوار الأطْهَرِ
وتُسَيِّروا في البَرِّ جَيْشاً فَوْقَه
جَيْشٌ تدَجَّجَ بالحديدِ الأحْمَرِ
ماذا جَنَيْنا كَيْ تَدُكُّوا بَيْتَنا
وتُبادِهونا بالعَداء الأنْكَرِ
وتُحَلِّلوا ما لا شريعةَ حَلَّلَتْ
وتُبَرِّروا ما لَيْسَ بالمْتَبَرَّرِ؟...
إنّا لَتَجْمَعُنا روابطُ جِيرةٍ
ودَمٍ وعاطفةٍ وحدةِ عُنْصرِ
ويَشُدُّنا نَسَبٌ يعودُ لآدمٍ
إنْ لَمْ يَكُنْ نَسَبُ الجِوارِ بأجدَرِ
اذهَبْ لِقَوْمِك يا أخَيَّ وقُلْ لهم
عُودوا إلى النَّهْجِ الأبَرِّ الأخْيَرِ
لا حَرْبَ بَعْدَ اليوم فيما بيننا
غَفَرَ الإِله لآثمٍ ولِمُفْتَري
* * *
وأفَقْتُ مِنْ حُلُمي وبَيْنَ جَوانِحي
نارٌ تَؤجُّ وفي المَحاجر نارُ
ونَظَرْتُ ما حَوْلي فلَمْ تَرَ مُقْلَتي
إلاَّ خَرائبَ ما تَني تَنْهارُ
وكأنَّ لَعْلَعَةَ الرصاصِ تَرَدَّدَتْ
في مَسْمَعي والمَدْفَعُ الهَدَّارُ
وسَمِعْتُ أصْداء النَّفيرِ يقولُ لا
يَنْجابُ إلاَّ بالدِّماءِ العارُ
فصَرَخْتُ كالمَجْنون هاجَ هِياجُه
صَهْ يا غُرابَ الشُؤْم يا جَزَّارُ!
لولاكَ ما انْتَشَر الخَرابُ ولا جَرَى
دَمْعٌ، ولا هَجَرَ الغُصونَ هَزارُ
الحُبُّ نورٌ والضَّغينةُ ظُلْمَةٌ
هَلْ يَسْتوي لَيْلٌ دَجا ونَهار؟
لَنْ يستريحَ الناسُ حتى يُدْرِكوا
أنَّ الفَضيلة رأسُها الإِيثارُ
الثأرُ؟ ليسَ الثأرُ غَيْرَ خُرافةٍ
لولا وجودُ الجَهْلِ ماتَ الثارُ
فَلْنَرْفَعَنّ على السَّماحة دارَنا
نَسْعَدْ وتَسْعَدْ بالسلامِ الدارُ
* * *
وَغَفَوْتُ ثانيةً فعاوَدَني
حُلُمي، ولكنْ ماجَ بالعَجَبِ
تِلْكَ السيوفُ تأوَّدَتُ سَعَفاً
للسِّلْم يَسْتَضْحِكْنَ مِنْ طَرَبِ
وَتَحوَّلَ الرَشَّاشُ مِرْوَحَةً
ودُخانُه نوراً بلا لَهَبِ
والطائرتُ النافثاتُ رَدىً
صارتْ فَراشاتٍ مِنَ الذَّهبِ
وتَقاسَمَ الأعداءُ مَعْرَكَةً
لكنَّها في الشِعْرِ والأدَبِ
وصَحَوْتُ مِنْ حُلُمي فما وَقَعَتْ
عَيْني على ما كان مِنْ خِرَبِ
عادَت إلى الدنيا بشاشَتُها
وبَحَثْتُ عَنْ أهلي فلَمْ أخِبِ
وسألْتُ عَنْ سِرْبي فضَجَّ بهم
بَيْتي، وزالَ بأنْسِهم نَصَبي
وذَهَبْتُ مَلْهوفاً لِمَدْرَستي
فَوَجَدْتُها مَرفوعةَ القِبَبِ
تَحْنُو على الأطفال تَرْفُدُهُم
بالعِلْم بَيْنَ الجِدِّ واللَّعبِ
* * *
يا إلهي أنِرْ طريقي فإني
ضائعٌ بَيْنَ يَقْظَتي ومَناميِ
لَيْتَ شِعْري أَمَا أراهُ طُلولٌ
ورُسومٌ، أمْ ناطِحاتُ غَمامِ
أتُراني أخوضُ ساحةَ حَرْبٍ
أمْ تُراني أرودُ دارَ سَلامِ
أأنا في الجَحيمِ أمْ في نَعيم
ضاحِكِ الوَجْه عاطِرِ الأنْسام؟...
كلُّ حَيٍّ فيا ربِّيَ اقْشَعْ
ظُلْمَةَ الليلِ عَنْ عُيون الأنامِ
واغْسِلَنَّ القُلوبَ مِنْ شَهَواتٍ
واحْمِها مِنْ حبائِل الآثامِ
واجْعَلِ الشاة يا إلهيَ تَحْيا
في أمانٍ مِنْ مِخْلَبِ الضِرْغامِ
كلُّ صَعْبٍ على المَحبَّةِ سَهْلٌ
ما لِظُفْرٍ في ظِلِّها مِنْ كَلامِ
آنَ للمَرْءِ أنْ يَصيرَ مَلاكاً
فلماذا يَعيشُ في الآجامِ
يَبْتَني الحبُّ للحياة ويفْنَى
كلُّ ما يُبْتَنَي بحَدِّ الحُسامِ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :393  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 135 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.