أنا عائدٌ مِنْ ساحةِ الحَرْبِ |
حَيْران بَيْنَ الشَرْقِ والغَرْبِ |
أمشي، ولكنْ لا إلى هَدَفٍ |
وألوبُ مِنْ دَرْبٍ إلى دَرْبِ |
فتَشْتُ عن بَيْتي، فما عَثَرتْ |
عَيْني عليه ولا اهْتَدَى قَلْبي |
لَمْ يَنْجُ مِنْ أنْقاضِه حَجَرٌ |
يَرْوي حكايَتَه لِمُسْتَنْبي |
وبَحَثْتُ عَنْ أهلي فقيل قَضَى |
بَعْضُ، وبَعْضٌ طاشَ مِنْ رُعْبِ |
لَمْ تَبْكِهِمْ عَيْنٌ ولا زَفَرَتْ |
كَبِدٌ على مَثْواهُمُ الجَدِبِ |
وسأَلتُ عَنْ سِرْبي فزَلْزَلَني |
أنِّي فَقَدْتُ قِلادَةَ السِّرْبِ |
عَصَفَ القَضاء بِهِمْ فَمزَّقهَم |
وَطَوى بِساطَ الشِعْر والحُبِّ |
وَقَصدْتُ مَدْرَستي، فوا لَهْفي |
لَمْ يَبْقَ غَيْرَ جِدارِها الغَرْبي |
يأوي إليها البُومُ يُؤْنِسُها |
في وَحْشَةِ الظلماءِ بالنَّعْبِ |
مالي صُعِقْتُ كأنَّني حَمَلٌ |
تَرَكوهُ بَيْنَ مَخالبِ الذِّئْبِ |
كَيْفَ انْطَوَى ماضِيَّ وانْدَثَرَتْ |
آثارُه في رَفَّتَيْ هُدْبِ؟... |
* * * |
وسَرَى النُعاسُ لِمُقْلَتي فَغَفَتْ |
لكنْ تَنَبّه طَيْفُ أحْلامي |
جاء الأميرُ يُثيرُ نَخْوَتَنا |
فهُرِعْتُ خَلْفَ نِدائِه الدَّامي |
قالَ العدوُّ أهانَ عِزَّتَنا |
قُلْنا نَقُطُّ لِسانَه النامي |
لَنْ يَرْتَوي لِقُلوبِنا ظَمَأُ |
حتى نُرَوِّيَ ثأرنا الظَّامي |
وتقابَلَ الجَيْشانِ والتَحَما |
بَحْرَيْن، ذا طامٍ وذا طامِ |
فتطايَرَتْ جُثَثٌ على جُثَثٍ |
حتى بَدَتْ في شَكْل أهْرامِ |
وعَلاَ الصُّراخُ فَتِلْكَ طائرةٌ |
تَهْوي... وتلكَ تُجَنْدِلُ الرامي |
ويَقُدُّ هذا رأسَ طاعِنِه |
ويروحُ ذاك صَريعَ صَمْصامِ |
ما زالَ سَيْفُ الموتِ يَحْصُدُنا |
ويَجولُ بَيْنَ الهامِ والهامِ |
حتى اكْتَفَى منَّا ففَرَّقَنا |
كي نَلْتَقي مِنْ بَعْدِ أيامِ |
* * * |
وَقَعْتُ في أسْرِ العدو فقادني |
حظِّي السعيدُ إلى أمير العَسْكَرِ |
قُلْتُ الأمان فقال لا تَخْشَ الأذَى |
إن الأسيرَ مُكَرَّمٌ في مَحْضَري |
هلاَّ جَلَسْتَ وقلتَ ماذا هاجَكُم |
كي تَنْكُثُوا عَهْدَ الجِوار الأطْهَرِ |
وتُسَيِّروا في البَرِّ جَيْشاً فَوْقَه |
جَيْشٌ تدَجَّجَ بالحديدِ الأحْمَرِ |
ماذا جَنَيْنا كَيْ تَدُكُّوا بَيْتَنا |
وتُبادِهونا بالعَداء الأنْكَرِ |
وتُحَلِّلوا ما لا شريعةَ حَلَّلَتْ |
وتُبَرِّروا ما لَيْسَ بالمْتَبَرَّرِ؟... |
إنّا لَتَجْمَعُنا روابطُ جِيرةٍ |
ودَمٍ وعاطفةٍ وحدةِ عُنْصرِ |
ويَشُدُّنا نَسَبٌ يعودُ لآدمٍ |
إنْ لَمْ يَكُنْ نَسَبُ الجِوارِ بأجدَرِ |
اذهَبْ لِقَوْمِك يا أخَيَّ وقُلْ لهم |
عُودوا إلى النَّهْجِ الأبَرِّ الأخْيَرِ |
لا حَرْبَ بَعْدَ اليوم فيما بيننا |
غَفَرَ الإِله لآثمٍ ولِمُفْتَري |
* * * |
وأفَقْتُ مِنْ حُلُمي وبَيْنَ جَوانِحي |
نارٌ تَؤجُّ وفي المَحاجر نارُ |
ونَظَرْتُ ما حَوْلي فلَمْ تَرَ مُقْلَتي |
إلاَّ خَرائبَ ما تَني تَنْهارُ |
وكأنَّ لَعْلَعَةَ الرصاصِ تَرَدَّدَتْ |
في مَسْمَعي والمَدْفَعُ الهَدَّارُ |
وسَمِعْتُ أصْداء النَّفيرِ يقولُ لا |
يَنْجابُ إلاَّ بالدِّماءِ العارُ |
فصَرَخْتُ كالمَجْنون هاجَ هِياجُه |
صَهْ يا غُرابَ الشُؤْم يا جَزَّارُ! |
لولاكَ ما انْتَشَر الخَرابُ ولا جَرَى |
دَمْعٌ، ولا هَجَرَ الغُصونَ هَزارُ |
الحُبُّ نورٌ والضَّغينةُ ظُلْمَةٌ |
هَلْ يَسْتوي لَيْلٌ دَجا ونَهار؟ |
لَنْ يستريحَ الناسُ حتى يُدْرِكوا |
أنَّ الفَضيلة رأسُها الإِيثارُ |
الثأرُ؟ ليسَ الثأرُ غَيْرَ خُرافةٍ |
لولا وجودُ الجَهْلِ ماتَ الثارُ |
فَلْنَرْفَعَنّ على السَّماحة دارَنا |
نَسْعَدْ وتَسْعَدْ بالسلامِ الدارُ |
* * * |
وَغَفَوْتُ ثانيةً فعاوَدَني |
حُلُمي، ولكنْ ماجَ بالعَجَبِ |
تِلْكَ السيوفُ تأوَّدَتُ سَعَفاً |
للسِّلْم يَسْتَضْحِكْنَ مِنْ طَرَبِ |
وَتَحوَّلَ الرَشَّاشُ مِرْوَحَةً |
ودُخانُه نوراً بلا لَهَبِ |
والطائرتُ النافثاتُ رَدىً |
صارتْ فَراشاتٍ مِنَ الذَّهبِ |
وتَقاسَمَ الأعداءُ مَعْرَكَةً |
لكنَّها في الشِعْرِ والأدَبِ |
وصَحَوْتُ مِنْ حُلُمي فما وَقَعَتْ |
عَيْني على ما كان مِنْ خِرَبِ |
عادَت إلى الدنيا بشاشَتُها |
وبَحَثْتُ عَنْ أهلي فلَمْ أخِبِ |
وسألْتُ عَنْ سِرْبي فضَجَّ بهم |
بَيْتي، وزالَ بأنْسِهم نَصَبي |
وذَهَبْتُ مَلْهوفاً لِمَدْرَستي |
فَوَجَدْتُها مَرفوعةَ القِبَبِ |
تَحْنُو على الأطفال تَرْفُدُهُم |
بالعِلْم بَيْنَ الجِدِّ واللَّعبِ |
* * * |
يا إلهي أنِرْ طريقي فإني |
ضائعٌ بَيْنَ يَقْظَتي ومَناميِ |
لَيْتَ شِعْري أَمَا أراهُ طُلولٌ |
ورُسومٌ، أمْ ناطِحاتُ غَمامِ |
أتُراني أخوضُ ساحةَ حَرْبٍ |
أمْ تُراني أرودُ دارَ سَلامِ |
أأنا في الجَحيمِ أمْ في نَعيم |
ضاحِكِ الوَجْه عاطِرِ الأنْسام؟... |
كلُّ حَيٍّ فيا ربِّيَ اقْشَعْ |
ظُلْمَةَ الليلِ عَنْ عُيون الأنامِ |
واغْسِلَنَّ القُلوبَ مِنْ شَهَواتٍ |
واحْمِها مِنْ حبائِل الآثامِ |
واجْعَلِ الشاة يا إلهيَ تَحْيا |
في أمانٍ مِنْ مِخْلَبِ الضِرْغامِ |
كلُّ صَعْبٍ على المَحبَّةِ سَهْلٌ |
ما لِظُفْرٍ في ظِلِّها مِنْ كَلامِ |
آنَ للمَرْءِ أنْ يَصيرَ مَلاكاً |
فلماذا يَعيشُ في الآجامِ |
يَبْتَني الحبُّ للحياة ويفْنَى |
كلُّ ما يُبْتَنَي بحَدِّ الحُسامِ |