شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
في كعبة الشعر
في الذكرى المئوية لميلاد شوقي، سنة 1968
خَشَعَتْ في مَزارِكَ الأرواحُ
وتَنَدَّت على ثَراكَ الرِّياحُ
أضَريحاً في أرْضِ مِصْرٍ
أمْ سَريراً يَخْتالُ فيه فَتاحُ (1)
وتُرابٌ هذا الذي في يَدَيْنا
أم نُصارٌ لقاصديه مُتاحُ؟
إنَّ فيه مِنَ الخُلُودِ وِشاحاً
حَبَّذا للعُيونِ هذا الوِشاحُ
سَيِّدَ الدولةِ التي لا تَغِيبُ
الشمسُ عنها وما حَماهَا سلاحُ.
النَّدامى على نَدِيِّكَ حاموا
قُمْ فَصَفِّقْ تَهَلَّلِ الأقْداحُ
كُلُّنا ظامئٌ فأينَ الحُميَّا
كُلنا مُدْلِجٌ فأينَ الصَّباحُ؟
كَيْفَ تَغْفوا ومُهْجَة الشِّعْر حرَّى.
تَتَنَزّى، ودَمْعُه سحّاحُ
تَتَرامَى شَكْواه في مَسْمَعِ الرو
ضِ فَيَبْكي أريجهُ الفَوَّاح
راعَه أنْ يَعِيثَ فيه دَعيٌّ
أعْجَميٌّ ويَدَّعيه وَقَاحُ
حَثّنا الشَّوْقُ فاقْتَحَمْنا البَراري.
وأتَيْناك – والهَوَى لَفّاحُ
جَمَعَتْنا ذِكْراكَ في كَعْبَةِ الشِّعْرِ.
كما يَجْمَعُ الخَوافي جَناحُ
نَجْتَلي طَلْعَةَ الأمير كما اختالَ.
رَبيعٌ على الرُّبَا فيَّاحُ
يَتَهادَى في مَوْكِبٍ مِنْ جَلالٍ
فيه للوَحْي جيئةٌ ورَواحُ
إيهِ شَوْقي، وما ذَكَرْنَاك إلاّ
صَفَّقَتْ لاسْمكَ النَّديِّ الجِراحُ.
رَفَّ منه في كلِّ مَطْلَع فَجْرٍ
نَغَمٌ مُسْكِرٌ وماجَ نَفَاحُ
سُدّةُ الشِّعْر لَمْ يَطَأها أميرٌ
مُنْذُ ولَّى أميرُها الصَّدَّاح
كَثُرُ الطامعونَ فيها ولكِنْ
أعْجَزَتْهم فأدْبروا واستَراحوا
فُجعتْ فيك بالذي نضَّر الحَرْفَ.
وأحْيا الرجاءَ وهْوَ مُطاحُ
بالذي جدَّد البيانَ وغَنَّى
فَتَثَنَّتْ لشَدْوِه الأدْواحُ
لَكَ دونَ النُّسورِ أفْقٌ فَرِيدٌ
هُوَ وَقْفٌ عليكَ لا يُستباحُ
غَمَرَتْه بِظِلِّها وشذاها
سِدْرةُ المُنْتهى فطابَ المِراحُ
كَمْ تَمنَّى لَوِ امتطاهُ جَناحٌ
وَتَشهَّى لو خاضَهُ سَباحُ
كلَّما امتدتِ العُيون إليه
ردّها عنه نُورك اللَّمَّاحُ
* * *
أيُّها الوالِغون في شِعْرِ شَوقي
ما على الشَّمسِ إنْ عَشَيْتُم جُناحُ.
كَيْفَ يُثْني على الفَصاحَةِ عَيٌّ
كَيْفَ يَحْلو لَدَى الغُرابِ صُداحُ؟.
ارجُموا البَدْرَ... لَنْ يَنالَ نَقيقٌ.
مِنْ عُلاه، ولَنْ يَغُضَّ نُباح
جَنَّحَ الرَّمْزَ شِعْركُمْ، فاْفِتنُونا
عَلَّمتْكم سِحْرَ الكلام سَجاحُ (2) .
عَبثاً تَهْدِمون ما شَيّد الفَنُّ
وما خَلَّد البيانُ القَرَاحُ
مَنْ يَكُنْ بَيْتُه بغَيْر سِراجٍ
لا يُعَيِّر مَنْ دارُه مِصْباحُ
يَبْرأُ الشِّعْر مِنْ خَفافيشَ ضاعَ
النُّصْحُ فيهم وأخْفَقَ الإِصْلاحُ.
ما هُمُ بالفِرَنْجِ أصلاً، ولا هُمْ
عَرَبُ القَلْبِ واللِّسانِ فِصاحُ
يَتَبارَوْن في المَدِيحِ صَباحاً
فإذا أنْصَفَ النَّهارُ تَلاحُوا
رَطَنو لَهْجَةً ومَعْنًى ومَبْنًى
وعَنِ المَهْيَعِ القَويمِ أشاحوا
شِعْرُهُم مَعْرَضُ الغَرائِبِ يَجْري.
هَذياناً... ونَثْرُهم تِمْزاحُ
كلُّ سَطْرٍ أُحْجِيّةٌ كُلُّ شَطْرٍ
أقْفَلوه وضُيِّعَ المِفْتاحُ
يا بُغاثَ القَريض أحْرَجْتمونا
قَدْ شَبِعْنَا مِنْ هَذْرِكم، فارتاحوا!.
نَتَفَانَى في الذَّوْدِ عَنْ حَرَمِ الضادِ.
وفي شَرْعِكُم يُباحُ يُباحُ
كان شَوْقي أعجوبةَ الشَّرْقِ
والغَرْبِ تَعَالَى عمّا يَلوكُ وَقَاحُ.
أعظَمُ الأحْمَدَين شَأناً وشَأْواً
حينَ تَدْعو جبابرَ الشِّعْر ساحُ
شُكَّ في أصْلِه فقُلْتُ وماذا؟
كلُّ أرضٍ سُكّانها أوْضاحُ
إنْ يَكُن فيه مِنْ أثينةَ عِرْقٌ
فَهْو بالروحِ يَعْرُبيٌّ صُراحُ
يَعْرُبيُّ اللِّسانِ واليَدِ والقَلْبِ
فلا يَسْتَطِلْ عليه رُباح (3)
شِعْرُه كالربيعِ وَشْيٌ وطَيرٌ
وغَديرٌ وبُرْعُمٌ نَفَّاحُ
طَابَ شَمّاً للقاطفين ولمّاً
وزَكا نَبْعُه لَمِنْ يَمْتاحُ
تَتَغنّى به المِلاحُ، وَهلْ في الشِّـ.
ـعرِ أحْلَى مِمَّا تَغَنَّى المِلاحُ؟
* * *
أيُّها النَّاهِشون سيرةَ شَوْقي
أَبْشِروا بالنَّجاحِ – ساءَ النَّجاحُ.
فَحّ صَلٌّ فما التَفَتْنا إليه
وَعِنانا مِنَ الوَرَى فَحّاحُ
أجْتِراءٌ على الخِضَّم، وأنْتُم
ساعةَ الفَخْر جَدْولٌ ضَحْضاحُ.
كان شَوْقي دُنْيا مِنَ الخُلُقِ السَّـ.
ـمْحِ إذا أعْوَزْ الكِرامَ سِماحُ.
لا انْكِسارٌ لسيّد، لا انتقاصٌ
مِنْ مَسودٍ، لا غُلْظةٌ لاطلاحُ
جَرّحوه فَلَمْ يَنَلْهُم بسُوءٍ
بَقِي الحَقُّ وانْطَوَى الجَرَّاحُ
زَعَموا أنَّه تَعْيَّش بالمَدْحِ
أتُحْصَى في السُّبَّةِ الأمْداحُ؟
أيُّ عارٍ وقَدْ عَثَرْتَ بجَحْجاح
إذا قُلْتَ إنَّه جَحْجاحُ؟
أيكونُ النُّعّاقُ خَيْراً مِنَ الشـ
ـادي وأحْلَى مِنَ الغِناء النُّواحُ؟.
أيْنَ أيْنَ الإِنْصاف والعَدْل مِمَّن.
يَسْتَوي الشَّرُّ عِنْدَهم والصَّلاحُ.
كان شَوقي يَشيدُ بِالفضل عَفْواً.
لَيْسَ تُغْريه حَظْوةٌ أو رَباحُ
هَمّه أنْ يَعيشَ حُراً ويُرْضي
الله، فهْوَ المؤمِّلُ المنَّاحُ
إنْ يَكُنْ أخْلَصَ الوَلاءَ لَعَرْشٍ
وغَلاَ فيه – والغُلُوُّ جِماحُ
فوفاءٌ لِذِمّهٍ، واعترافاً
بجَميلٍ، ولا عَلَيه جُناحُ
فقُيودُ الحديدِ أهْوَنُ شأناً
مِنْ قُيودٍ تَجُرّها الأرْواحُ
كَيْفَ يَنْسَى يَداً رَعَتْه صَغيراً
يَوْمَ لا يَنْحني عليه جَناحُ
وقُلوباً تَحوم عَطفاً عَلَيْه
وفَضاءً في ظِلِّها يَنْداحُ؟
لَمْ يَخُنْ حُرْمَةَ الصَّداقةِ والوُدِّ
ولكِنْ لَمْ يُغْوِه التُّفاحُ
أيْقَظَتْه قَضِيةُ الوَطَنِ الدَّا
مي وَهَزَّتْه صَيْحَةٌ مِلْحاحُ
فانْبَرَى يَحْمِلُ الأمانة لا
يَثْني خُطاهُ التَّلْميحُ والإِفصاحُ
يَتَحَدَّى الرِّماحَ بالنَّفْحةِ الريّا
فتُخْزَى على يَدَيْه الرِّماحُ
لَمْ يَزَلْ يَشْحَذُ العَزائمَ حتَّى
ضاقَ فيه النُّهاةُ والنُّصّاحُ
وتمادَى.... فشَرّدَتْه رِياحٌ
وَتَلّقتْه في المنافي رِياحُ
كَشّر الاحْتِلالُ عَنْ مِخْلَبَيْه
فَتَجَلَّى للنُّوَّمِ الإِصْباحُ
وتَلاقَى في ساحةِ المَجْدِ شَعْبٌ
شاءَ إفْناءَه الغُزاةُ فطَاحُوا
لَمْ يَكُنْ شاعرَ الكنانةِ شَوْقي
هُوَ وَجْهُ العُروبة الوضَّاحُ
أشْرَقتْ في غِنائه فَرْحةُ الشَّرْ
قِ وماجَتْ في دَمْعِه الأتراحُ
لا تَتِهْ مِصْر بالأميرِ عَلَيْنا
نَحْنُ في الضَّادِ إخْوةٌ أقْحاحُ
إنَّ هذي الحدودَ أضْغاثُ حُلْمٍ.
بَلْ نِكاتٌ يُديرُها مُزّاحُ
سَوْفَ تَنْهار في القَريب فَتَسْري.
في دِيار العُروبةِ الأفْراحُ
عَبَثاً تَفْصِلُ الحدودُ قُلوباً
جَمَعَتْها على التَّآخي جِراحُ
* * *
سَيِّدَ الشِّعْرِ هَلْ تَصيخُ فأرْوي
خَبَرَ النيلِ أوْ يَحِينَ السِّراحُ
كانَ ما كانَ... كانَ في مِصْرَ شَعْبٌ.
عزَّ أصْلاً لكنَّه مُسْتباحُ
جَرَحَتْ كِبْرياءَه عَضَّةُ القَيْدِ
وأضْناهُ عِبْؤْهُ الفَدّاحُ
صاحِبُ العَرْشِ عَنْ شَكاواه ولاهٍ.
وأياديهِ في البَلاءِ شِحاحُ
لا يُبالي بِزَفْرةِ الكادحِ العَاني
ولا يَنْتَهي إليه صِياحُ
هَمَّه مُتْعَةٌ يَحُوم عَلَيْها
واغْتِباقٌ يَسْعَى له واصْطِباحُ
لا شَقاءُ البلادِ للسادر الـ
لاّهي شقاءٌ، ولا الفَلاحُ فَلاحُ.
أهْمَلَ الشَّعْبَ في سبيلِ لياليهِ
فهاجَتْ أسِنَّةٌ وصِفَاحُ
وصَحا بَعْدَ لَحْظَةٍ فإذا العَرْشُ
هباءٌ وصَحْبُه أشْباحُ
يا لها غَضْبَةً تألَّقَ مِنْها
أمَلٌ أبْيَضُ الجَبين لياحُ
بَعَثَْ في النُّفوسِ ما خَنَق اليأْسُ.
وأذْكَتْ ما أخْمَدَ السَّفَّاحُ
يَشْهَدُ الله ما شمَتُْنا ولكنْ
جَمَعَتْنا عَقيدةٌ وكِفاحُ
تاجُ فِرْعونَ لا يُساوي بشَرْعي.
دَمْعَةً يَكْتَوي بها فَلاَّحُ
سَيِّدَ الشِّعْر هَلْ أتاك حديثُ
القُدْسِ داسوا أقْداسها واسْتباحُوا.
شَرَّدوا أهْلَها فماجَتْ سُهولٌ
بمآسيهمُ ومادَتْ بِطاحُ
لا تَسَلْني عَن الأُلَى ضَيَّعوها
تَعِبَ الباحثون والشُّرّاحُ
لا تَسَلْني فَلَنْ أبَرِّئَ قَوْمي
نَحْنُ نِمْنا فاسْتَيْقَظَ المُجْتاحُ
آفَةُ العُرْبِ ساسةٌ أدْعِياءٌ
هَمُّهُم في الحياة خُودٌ ورَاحُ
شَغَلَتْهم عَنِ العُلا تُرّهاتٌ
وثناهم عَنِ الجِهاد انْتِطاحُ
كَيْفَ تَنْجو مِنَ العَواصف فُلكٌ.
لا يُبالي بأمْرِها مَلاَّحُ؟
* * *
يا فِلَسْطينُ، يا فَلَسْطينُ صَبْراً
سَوْفَ يَزْهو على رُباكِ الصَّباحُ.
إنَّ للبُطْل جَوْلةً ثَم يَنْقَضّ
على دَوْلَةِ الفُجورِ صلاح (4)
* * *
سَيِّدُ الشِّعْر إنَّ ذِكْراكَ عيدٌ
تَتلاَقى في ظِلِّها الأرْواحُ
المُقيمون في السياسات غاصُوا.
فَتَغَنَّى بشِعْركَ النُّزَّاحُ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :399  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 116 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.