خَشَعَتْ في مَزارِكَ الأرواحُ |
وتَنَدَّت على ثَراكَ الرِّياحُ |
أضَريحاً في أرْضِ مِصْرٍ |
أمْ سَريراً يَخْتالُ فيه فَتاحُ
(1)
|
وتُرابٌ هذا الذي في يَدَيْنا |
أم نُصارٌ لقاصديه مُتاحُ؟ |
إنَّ فيه مِنَ الخُلُودِ وِشاحاً |
حَبَّذا للعُيونِ هذا الوِشاحُ |
سَيِّدَ الدولةِ التي لا تَغِيبُ |
الشمسُ عنها وما حَماهَا سلاحُ. |
النَّدامى على نَدِيِّكَ حاموا |
قُمْ فَصَفِّقْ تَهَلَّلِ الأقْداحُ |
كُلُّنا ظامئٌ فأينَ الحُميَّا |
كُلنا مُدْلِجٌ فأينَ الصَّباحُ؟ |
كَيْفَ تَغْفوا ومُهْجَة الشِّعْر حرَّى. |
تَتَنَزّى، ودَمْعُه سحّاحُ |
تَتَرامَى شَكْواه في مَسْمَعِ الرو |
ضِ فَيَبْكي أريجهُ الفَوَّاح |
راعَه أنْ يَعِيثَ فيه دَعيٌّ |
أعْجَميٌّ ويَدَّعيه وَقَاحُ |
حَثّنا الشَّوْقُ فاقْتَحَمْنا البَراري. |
وأتَيْناك – والهَوَى لَفّاحُ |
جَمَعَتْنا ذِكْراكَ في كَعْبَةِ الشِّعْرِ. |
كما يَجْمَعُ الخَوافي جَناحُ |
نَجْتَلي طَلْعَةَ الأمير كما اختالَ. |
رَبيعٌ على الرُّبَا فيَّاحُ |
يَتَهادَى في مَوْكِبٍ مِنْ جَلالٍ |
فيه للوَحْي جيئةٌ ورَواحُ |
إيهِ شَوْقي، وما ذَكَرْنَاك إلاّ |
صَفَّقَتْ لاسْمكَ النَّديِّ الجِراحُ. |
رَفَّ منه في كلِّ مَطْلَع فَجْرٍ |
نَغَمٌ مُسْكِرٌ وماجَ نَفَاحُ |
سُدّةُ الشِّعْر لَمْ يَطَأها أميرٌ |
مُنْذُ ولَّى أميرُها الصَّدَّاح |
كَثُرُ الطامعونَ فيها ولكِنْ |
أعْجَزَتْهم فأدْبروا واستَراحوا |
فُجعتْ فيك بالذي نضَّر الحَرْفَ. |
وأحْيا الرجاءَ وهْوَ مُطاحُ |
بالذي جدَّد البيانَ وغَنَّى |
فَتَثَنَّتْ لشَدْوِه الأدْواحُ |
لَكَ دونَ النُّسورِ أفْقٌ فَرِيدٌ |
هُوَ وَقْفٌ عليكَ لا يُستباحُ |
غَمَرَتْه بِظِلِّها وشذاها |
سِدْرةُ المُنْتهى فطابَ المِراحُ |
كَمْ تَمنَّى لَوِ امتطاهُ جَناحٌ |
وَتَشهَّى لو خاضَهُ سَباحُ |
كلَّما امتدتِ العُيون إليه |
ردّها عنه نُورك اللَّمَّاحُ |
* * * |
أيُّها الوالِغون في شِعْرِ شَوقي |
ما على الشَّمسِ إنْ عَشَيْتُم جُناحُ. |
كَيْفَ يُثْني على الفَصاحَةِ عَيٌّ |
كَيْفَ يَحْلو لَدَى الغُرابِ صُداحُ؟. |
ارجُموا البَدْرَ... لَنْ يَنالَ نَقيقٌ. |
مِنْ عُلاه، ولَنْ يَغُضَّ نُباح |
جَنَّحَ الرَّمْزَ شِعْركُمْ، فاْفِتنُونا |
عَلَّمتْكم سِحْرَ الكلام سَجاحُ
(2)
. |
عَبثاً تَهْدِمون ما شَيّد الفَنُّ |
وما خَلَّد البيانُ القَرَاحُ |
مَنْ يَكُنْ بَيْتُه بغَيْر سِراجٍ |
لا يُعَيِّر مَنْ دارُه مِصْباحُ |
يَبْرأُ الشِّعْر مِنْ خَفافيشَ ضاعَ |
النُّصْحُ فيهم وأخْفَقَ الإِصْلاحُ. |
ما هُمُ بالفِرَنْجِ أصلاً، ولا هُمْ |
عَرَبُ القَلْبِ واللِّسانِ فِصاحُ |
يَتَبارَوْن في المَدِيحِ صَباحاً |
فإذا أنْصَفَ النَّهارُ تَلاحُوا |
رَطَنو لَهْجَةً ومَعْنًى ومَبْنًى |
وعَنِ المَهْيَعِ القَويمِ أشاحوا |
شِعْرُهُم مَعْرَضُ الغَرائِبِ يَجْري. |
هَذياناً... ونَثْرُهم تِمْزاحُ |
كلُّ سَطْرٍ أُحْجِيّةٌ كُلُّ شَطْرٍ |
أقْفَلوه وضُيِّعَ المِفْتاحُ |
يا بُغاثَ القَريض أحْرَجْتمونا |
قَدْ شَبِعْنَا مِنْ هَذْرِكم، فارتاحوا!. |
نَتَفَانَى في الذَّوْدِ عَنْ حَرَمِ الضادِ. |
وفي شَرْعِكُم يُباحُ يُباحُ |
كان شَوْقي أعجوبةَ الشَّرْقِ |
والغَرْبِ تَعَالَى عمّا يَلوكُ وَقَاحُ. |
أعظَمُ الأحْمَدَين شَأناً وشَأْواً |
حينَ تَدْعو جبابرَ الشِّعْر ساحُ |
شُكَّ في أصْلِه فقُلْتُ وماذا؟ |
كلُّ أرضٍ سُكّانها أوْضاحُ |
إنْ يَكُن فيه مِنْ أثينةَ عِرْقٌ |
فَهْو بالروحِ يَعْرُبيٌّ صُراحُ |
يَعْرُبيُّ اللِّسانِ واليَدِ والقَلْبِ |
فلا يَسْتَطِلْ عليه رُباح
(3)
|
شِعْرُه كالربيعِ وَشْيٌ وطَيرٌ |
وغَديرٌ وبُرْعُمٌ نَفَّاحُ |
طَابَ شَمّاً للقاطفين ولمّاً |
وزَكا نَبْعُه لَمِنْ يَمْتاحُ |
تَتَغنّى به المِلاحُ، وَهلْ في الشِّـ. |
ـعرِ أحْلَى مِمَّا تَغَنَّى المِلاحُ؟ |
* * * |
أيُّها النَّاهِشون سيرةَ شَوْقي |
أَبْشِروا بالنَّجاحِ – ساءَ النَّجاحُ. |
فَحّ صَلٌّ فما التَفَتْنا إليه |
وَعِنانا مِنَ الوَرَى فَحّاحُ |
أجْتِراءٌ على الخِضَّم، وأنْتُم |
ساعةَ الفَخْر جَدْولٌ ضَحْضاحُ. |
كان شَوْقي دُنْيا مِنَ الخُلُقِ السَّـ. |
ـمْحِ إذا أعْوَزْ الكِرامَ سِماحُ. |
لا انْكِسارٌ لسيّد، لا انتقاصٌ |
مِنْ مَسودٍ، لا غُلْظةٌ لاطلاحُ |
جَرّحوه فَلَمْ يَنَلْهُم بسُوءٍ |
بَقِي الحَقُّ وانْطَوَى الجَرَّاحُ |
زَعَموا أنَّه تَعْيَّش بالمَدْحِ |
أتُحْصَى في السُّبَّةِ الأمْداحُ؟ |
أيُّ عارٍ وقَدْ عَثَرْتَ بجَحْجاح |
إذا قُلْتَ إنَّه جَحْجاحُ؟ |
أيكونُ النُّعّاقُ خَيْراً مِنَ الشـ |
ـادي وأحْلَى مِنَ الغِناء النُّواحُ؟. |
أيْنَ أيْنَ الإِنْصاف والعَدْل مِمَّن. |
يَسْتَوي الشَّرُّ عِنْدَهم والصَّلاحُ. |
كان شَوقي يَشيدُ بِالفضل عَفْواً. |
لَيْسَ تُغْريه حَظْوةٌ أو رَباحُ |
هَمّه أنْ يَعيشَ حُراً ويُرْضي |
الله، فهْوَ المؤمِّلُ المنَّاحُ |
إنْ يَكُنْ أخْلَصَ الوَلاءَ لَعَرْشٍ |
وغَلاَ فيه – والغُلُوُّ جِماحُ |
فوفاءٌ لِذِمّهٍ، واعترافاً |
بجَميلٍ، ولا عَلَيه جُناحُ |
فقُيودُ الحديدِ أهْوَنُ شأناً |
مِنْ قُيودٍ تَجُرّها الأرْواحُ |
كَيْفَ يَنْسَى يَداً رَعَتْه صَغيراً |
يَوْمَ لا يَنْحني عليه جَناحُ |
وقُلوباً تَحوم عَطفاً عَلَيْه |
وفَضاءً في ظِلِّها يَنْداحُ؟ |
لَمْ يَخُنْ حُرْمَةَ الصَّداقةِ والوُدِّ |
ولكِنْ لَمْ يُغْوِه التُّفاحُ |
أيْقَظَتْه قَضِيةُ الوَطَنِ الدَّا |
مي وَهَزَّتْه صَيْحَةٌ مِلْحاحُ |
فانْبَرَى يَحْمِلُ الأمانة لا |
يَثْني خُطاهُ التَّلْميحُ والإِفصاحُ |
يَتَحَدَّى الرِّماحَ بالنَّفْحةِ الريّا |
فتُخْزَى على يَدَيْه الرِّماحُ |
لَمْ يَزَلْ يَشْحَذُ العَزائمَ حتَّى |
ضاقَ فيه النُّهاةُ والنُّصّاحُ |
وتمادَى.... فشَرّدَتْه رِياحٌ |
وَتَلّقتْه في المنافي رِياحُ |
كَشّر الاحْتِلالُ عَنْ مِخْلَبَيْه |
فَتَجَلَّى للنُّوَّمِ الإِصْباحُ |
وتَلاقَى في ساحةِ المَجْدِ شَعْبٌ |
شاءَ إفْناءَه الغُزاةُ فطَاحُوا |
لَمْ يَكُنْ شاعرَ الكنانةِ شَوْقي |
هُوَ وَجْهُ العُروبة الوضَّاحُ |
أشْرَقتْ في غِنائه فَرْحةُ الشَّرْ |
قِ وماجَتْ في دَمْعِه الأتراحُ |
لا تَتِهْ مِصْر بالأميرِ عَلَيْنا |
نَحْنُ في الضَّادِ إخْوةٌ أقْحاحُ |
إنَّ هذي الحدودَ أضْغاثُ حُلْمٍ. |
بَلْ نِكاتٌ يُديرُها مُزّاحُ |
سَوْفَ تَنْهار في القَريب فَتَسْري. |
في دِيار العُروبةِ الأفْراحُ |
عَبَثاً تَفْصِلُ الحدودُ قُلوباً |
جَمَعَتْها على التَّآخي جِراحُ |
* * * |
سَيِّدَ الشِّعْرِ هَلْ تَصيخُ فأرْوي |
خَبَرَ النيلِ أوْ يَحِينَ السِّراحُ |
كانَ ما كانَ... كانَ في مِصْرَ شَعْبٌ. |
عزَّ أصْلاً لكنَّه مُسْتباحُ |
جَرَحَتْ كِبْرياءَه عَضَّةُ القَيْدِ |
وأضْناهُ عِبْؤْهُ الفَدّاحُ |
صاحِبُ العَرْشِ عَنْ شَكاواه ولاهٍ. |
وأياديهِ في البَلاءِ شِحاحُ |
لا يُبالي بِزَفْرةِ الكادحِ العَاني |
ولا يَنْتَهي إليه صِياحُ |
هَمَّه مُتْعَةٌ يَحُوم عَلَيْها |
واغْتِباقٌ يَسْعَى له واصْطِباحُ |
لا شَقاءُ البلادِ للسادر الـ |
لاّهي شقاءٌ، ولا الفَلاحُ فَلاحُ. |
أهْمَلَ الشَّعْبَ في سبيلِ لياليهِ |
فهاجَتْ أسِنَّةٌ وصِفَاحُ |
وصَحا بَعْدَ لَحْظَةٍ فإذا العَرْشُ |
هباءٌ وصَحْبُه أشْباحُ |
يا لها غَضْبَةً تألَّقَ مِنْها |
أمَلٌ أبْيَضُ الجَبين لياحُ |
بَعَثَْ في النُّفوسِ ما خَنَق اليأْسُ. |
وأذْكَتْ ما أخْمَدَ السَّفَّاحُ |
يَشْهَدُ الله ما شمَتُْنا ولكنْ |
جَمَعَتْنا عَقيدةٌ وكِفاحُ |
تاجُ فِرْعونَ لا يُساوي بشَرْعي. |
دَمْعَةً يَكْتَوي بها فَلاَّحُ |
سَيِّدَ الشِّعْر هَلْ أتاك حديثُ |
القُدْسِ داسوا أقْداسها واسْتباحُوا. |
شَرَّدوا أهْلَها فماجَتْ سُهولٌ |
بمآسيهمُ ومادَتْ بِطاحُ |
لا تَسَلْني عَن الأُلَى ضَيَّعوها |
تَعِبَ الباحثون والشُّرّاحُ |
لا تَسَلْني فَلَنْ أبَرِّئَ قَوْمي |
نَحْنُ نِمْنا فاسْتَيْقَظَ المُجْتاحُ |
آفَةُ العُرْبِ ساسةٌ أدْعِياءٌ |
هَمُّهُم في الحياة خُودٌ ورَاحُ |
شَغَلَتْهم عَنِ العُلا تُرّهاتٌ |
وثناهم عَنِ الجِهاد انْتِطاحُ |
كَيْفَ تَنْجو مِنَ العَواصف فُلكٌ. |
لا يُبالي بأمْرِها مَلاَّحُ؟ |
* * * |
يا فِلَسْطينُ، يا فَلَسْطينُ صَبْراً |
سَوْفَ يَزْهو على رُباكِ الصَّباحُ. |
إنَّ للبُطْل جَوْلةً ثَم يَنْقَضّ |
على دَوْلَةِ الفُجورِ صلاح
(4)
|
* * * |
سَيِّدُ الشِّعْر إنَّ ذِكْراكَ عيدٌ |
تَتلاَقى في ظِلِّها الأرْواحُ |
المُقيمون في السياسات غاصُوا. |
فَتَغَنَّى بشِعْركَ النُّزَّاحُ |