شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أُسطورة الذَّهب
ألقاها في مهرجان الشعر بزحلة يوم زار الوطن، سنة 1968
هَلَّتْ سَماءُ الحِمىَ، فاسْبَحْ مَعَ الشُّهُب .
وَهَلَّلَتْ أرْضُه فاسْرَحْ ولا تَهَبِ
لا لَسْتَ حُلُمٍ تُخْشَى عَواقِبُه
بَلْ أنْتَ في مَهْرجانِ الشِّعْر والأدَبِ.
في عُصْبَةٍ نُجُبٍ يَرْقَى بهم نَسَبٌ.
لِعُصْبةٍ مِلءَ تارِيخ العُلا نُجُبِ
يا قَلْبُ كَمْ هَزَّنا وَجْدٌ وأرَّقنا
همٌ وَقلَّبَنا شَوْقٌ على لَهَبِ
كَمِ اصْطَنَعْنَا مِنَ الأحلام أجْنِحةً.
ثَمَّ افْتَرَشْنَا بساطَ الرَّمْلِ والعُشُبِ.
ما في رُجوعِك لِلفرْدَوْس مِنْ عَجَبٍ.
إنَّ اغْتِرابَكَ عَنْهُ مُنْتَهَى العَجَبِ.
فِراقُ أهِلك جُرْحٌ ليسَ يلأَمَهُ
ما في البَريَّةِ مِنْ جاهٍ ومِنْ نَشَبِ.
هَلْ ضَمَّكَ الليلُ إلا شاكياً وَصِباً.
تَرْويه بالدَّمْع أو تَطْويه بالدًّأبِ.
وَيْحَ المهاجِرِ يَسْعَى في مناكِبها.
يَقْظانَ مِنْ وَجَلٍ، سَهْرانَ مِنْ نَصَبِ.
إذا انْتَمَى القَوْمُ ألْوَى وَجْهَه خَجِلاً.
أنَّى يَعزّ شَريدٌ ضائِعُ النَّسَبِ؟
لا رِجْلُه في بلادِ الناسِ راسيةٌ
ولا بمَوْطِنِهِ مَوْصولةُ السَّبَبِ
تَوَزَّعَتْ نَفْسَه ما بَيْنَ ذاكَ وذا.
فضاَع مَعْناه بَيْنَ البُعْدِ والقُرْبِ
كأنَّه كُرةٌ يَلْهو الصِّغارُ بها
أو آيةُ الحَمْدِ في سَفْرٍ مِنَ الرِّيَبِ.
تِلْكَ الأساطيرُ مِنْ شَهْدٍ ومِنْ لَبَنٍ.
تحوَّلَتْ عَلْقماً في عَيْشِه الخَشِبِ.
يُشارِكُ القَوْمَ في أعْيادِهم فَرحاً.
واللهُ أدْرَى بما يُخْفيه مِنْ كُرَبِ.
لا تَنْخَدعْ ببَريقٍ في مَحاجِرِهِ
ما في السَّرابِ غنىً للظامئ السَّغِبِ.
هذا الهَزيجُ الذي يَنْساب في فَمِهِ.
نارٌ مُؤَجَجةٌ في صَدْرِه التَّعِبِ
دُنْياه قاتِمةُ الآفاقِ عابسةٌ
وفَجْرُه مائِجُ الآماقِ بالكَذِبِ
لا يَذْكُرُ الدارَ إلا غابَ في حُلْمٍ.
زاهي الحَواشي وإلا اهتزَّ مِنْ طَرَبِ.
أيامَ يَرْتَعُ في أمْنٍ وعافيةٍ
خالي السَريرةِ مِنْ هَمٍّ ومِنْ رُعُبِ.
خَلْقَ اللباس عَزيزاً في خَصَاصَتِهِ.
مَنْ قالَ إنَّ العُلا في المَلْبَسِ القَشِبِ؟.
يَعْفُو قَريراً على الأشْواك تَلْذَعُه.
كأنَّهنّ رُموشُ الزَّنْبَقِ الرَّطِبِ
وَيَشْرَبُ الماءَ رَنْقاً لا يَغصُّ به
كأنَّه يَسْتَقي مِنْ سَلْسَلٍ عَذِبِ.
لا يَشْرَئِبُّ إلى ما عزَّ مِنْ طَلَبٍ.
ولا يُزاحم مَغْروراً على لَقَبِ
إذا تَعَصَّى عليه حَلُّ مُشْكِلَةٍ
جَدِّيةٍ حَلَّها بالهَزْلِ واللَّعِبِ
وإنْ تصارَعَتِ الأهْواء اضْطَرَبَتْ.
رَنَا إليْها بَطَرْفٍ غَيْرِ مُضْطَرِبِ.
ما دامَ يَمْلِكُ ما يَكْفي لِلُقْمَتِهِ
فأيُّ داعٍ لهذا الشَّرِ والسَّغَبِ؟.
تَهِيجُ زَقْزَقةُ الحَسُّونِ نَشْوَته
وتَسْتثيرُ هَواه أنَّهُ القَصَبِ
دينُ الحَضارة في عَيْنَيْه شَعْوَذةٌ
ومَجْدُها حَبَبٌ طافٍ على حَبَبِ.
يا ذِكْرياتِ الصِّبا رِفْقاً بمُنْهَدِمٍ
ويا خيالَ الحِمَى لُطْفاً بمُغْتَرِبِ
ما كانَ أخْسَر في الدارَيْن صَفْقَتَه.
لمَّا لَوَى وَجْهَه عَنْ كوخِهِ الخَرِبِ.
أغْرَتْهُ خَلْفَ مَرامِي الأُفْقِ جَلْجَلَةٌ.
وزَلْزَلَتْ عَقْلَه أُسطورةُ الذَّهَبِ.
قالَتْ له الكُتْبُ أنْ لا خَيْرَ في بَلَدٍ.
مَحْلٍ، فهامَ وراءَ المَرْتَعِ الخَصِبِ.
وما تَعَلَّمَ إلاّ بَعْدَ هِجْرَتِهِ
أنَّ السعادةَ شيءٌ ليسَ في الكُتُبِ.
جَنَى عليه وأشقَى أهْلَه طَمَعٌ
يا لَيْتَ يا لَيْتَ لَمْ يَذْهَبْ وَلْم يَؤُبِ.
لَمْ تُبْقِ منه بلادُ المُعْجزاتِ سِوَى.
ما تَتْرُكُ النارُ في كُوخٍ مِنَ الخَشَبِ.
أعْطَتْهُ حَفْنةَ صَلْصالٍ فجادَ لها.
بالغالِيَيْن، شبابِ الروحِ والعَصَبِ.
وزَانَها بالنُّجومِ الزُّهْرِ يُنْجِبُهُمْ
للسَّيِْفِ والضَّيْفِ، أو للعِلْمِ والأدَبِ.
* * *
يا مَسْقَطَ الرأسِ أضْناني هَواك، فهَلْ
يَشْفِي هَواؤك ما في الصَدْرِ مِنْ وَصَبِ؟.
صَخْبُ المدينة كابوسٌ أضيقُ بِهِ.
مَن يُنْقِذُ البُلْبُلَ الشَّادي مِن الصَّخَبِ؟.
حَمَلْتُ رَسْمَكَ في عَيْني وفي خَلَدي وُلذْتُ باسْمِكَ في صَفْوي وفي غَضَبي
أهْوى تُرابَك، لكنْ ليسَ لي أمَلٌ.
أنْ أستَريحَ غداً في صَدْرِكَ الرَّحبِ.
اثنان في آخِرِ الدُّنيا تَرَكْتُهما
يُحبِّبانِ إلى عَيْنيَّ مُغْتَربي
طِفْلٌ يُنَصِّر دَرْبي بابتسامتِه
وحُلْوةٌ يَنْتَهي في ظِلِّها تَعَبي
لولاهُما مَا بَكَى قَلْبي ولا التفتَتْ.
عَيْني إلى البَحْرِ أوْ طافَتْ على السُّحُبِ.
أغْفُو فَيْملأ أحْلامي خَيالُهُما
وأسْتفيق فيَسْتلْقي على هُدُبي
* * *
عادَ الغريبُ، ولكنْ بَعْدَ أنْ خَبَطَتْ.
سَفِينةُ العُمْرِ في داجٍ مِنَ النُّوَبِ.
تِلْكَ الغُصُون الزَّواهي في خَمائِلِه.
لَمْ يَبْقَ منها سِوى شَيءٍ مِنَ الحَطَبِ.
يا ربِّ سَدِّدْ خُطاهُ في رِسالتِه
مَنْ دَقَّ بابَكَ لَمْ يَحْزَنْ ولَمْ يَخِبِ.
أعْطَى العُروبةَ قَلْباً صادِقاً ويَداً.
فاجْعَلْ نهايَتَه في خِدْمَةِ العَرَبِ!.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :382  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 84 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج