يَفْنَى الزمانُ وأنتَ حيٌّ يُرزقُ |
وتغيبُ أسماءٌ وذكرُك مُشْرقُ |
جُبرانُ يا جَارَ النجومِ أَينتهي |
صَوْتِي إليك… أمَ أنَّ بابَك مُغْلَقُ؟. |
أشْرِفْ علينا مِنْ سَمائك لحظةً. |
هذي الوفودُ على قِراك تَحَلَّقوا. |
جئناكَ مِنْ شتَّى الديارِ يقودُنا |
شَوْقٌ يُلحُّ ولَهْفَةٌ تتدفَّقُ |
إنْ فَرَّقَتْنا الترَّهات فإننا |
(في دَوْحة الآدابِ لا نتفرقُ) |
أسكرتنا بالشعرِ طابَ رَحيقُه |
وزَكَا… ولكنْ للذي يتذوَّقُ |
مِنْ كلِّ حاليةِ الجبينِ تخالُها |
بَلْقِيسُ في أعيادِها تتألَّقُ |
عربيةُ الأنفاسِ تَعْبُقُ بالشَّذَا |
ما كلُّ قافيةٍ تطيبُ وتَعْبُقُ |
تختالُ في لَفْظٍ عفيفٍ رائقٍ |
يحتلُّهُ معنًى أعفُّ وأرْوَقُ |
أرخَتْ ذوائبها فيا شمسُ اغْرُبي. |
هذا هو الحسنُ الذي لا يَخْلَقُ. |
جئناكَ نستسقي، فبُلَّ أُوارَنا |
لَنْ يَبْرحَ الوُرّاد حتى يَستقوا |
ماذا إذا جَهِلتْ مكانَك زُمْرةٌ |
بَلْهاءُ فارغةٌ تَنُقُّ وتَنْعَقُ |
ضربَ الغُرور على منافِذ نورِها. |
فطريقُها داجي المسالِك مُرْهَقُ. |
قامتْ على أمِّ اللغاتِ وصيَّةً |
يا للدَّخيل على الأصيل يُحَذْلِقُ. |
دَعَها وما زَعَمتْ فليس بناجعٍ. |
فيها عِلاجٌ أو بمُجدٍ مَنْطِقُ |
حلَّقْتَ فاستعصَى عليها أنْ تُرَى. |
نَسْراً بآفاقِ الخيالِ يُحلِّقُ |
الشعرُ لَغْوٌ عندها وسَخافةٌ |
والفِكْرُ سَفْسَطَةٌ وَمَوْتٌ أزرْقُ |
لَبستْ ثيابَ العَصْر، لكنْ لم يَزَلْ. |
بالجاهليةِ عَقْلُها يتعلَّقُ |
تمشي جُزافاً... ليس تَنْقُلُ خَطْوَةً. |
إلاَّ وَتَزْلق أو تقومُ وتَزْلَقُ |
لا تسلِقوها بالملامِ فإنها |
جُثَثٌ تدورُ ومومِياتٌ تَنْطِقُ |
* * * |
جبرانُ حالَ العهدُ بعدَك وانطوَى. |
علَمٌ ليعرُبَ بالنجومِ مُعَلَّقُ |
ضَلَّتْ نسورُ المجد عن غاياتها |
هَلْ تهتدي والليلُ داجٍ مُطْبِقُ؟. |
أنَّى اشرأبَّتْ فاجأتْها صَرْصَرٌ |
أو عاجَلَتْها زَعْزَعٌ لا تَرفِقُ |
ما إن تُعالجُ بالتجمُّلِ نَكْبةً |
حتى تلمّ بها أشدُّ وأعمقُ |
عَبَثَتْ زعاماتُ الكلام بأمْرِها |
ولها بسمعتِها دَعيٌّ أخْرَقُ |
كانَتْ لها في الخافِقينَ كَرامةٌ |
واليومَ إن ذَكروا الكرامة تُطرِقُ. |
لا فجرُها زاهي الملامحِ ضاحكٌ. |
للضاحكين ولا نَدَاها غَيْدَقُ |
أقداسُها للوالغين ملاعبٌ |
وزمامُها بين الغُزاة مُفَرَّقُ |
لولا غطاريفُ الفِداء لما ازدَهَى. |
أملٌ ليعرُبَ أو تعالى مَفْرِقُ |
بذلوا النفوسَ رخيصةً كي يَغْسِلوا. |
عارَ الهزيمة، لا لكي يَسترزِقوا |
مَرْحَى جنودَ الحقِّ، مَرْحى! إننا. |
بجراحِكم عَبَقَ النبوة ننشقُ |
أرغمتُم أنفَ العدوِّ وشُدْتمُ |
صَرْحاً لأمتكم يَعِزُّ ويَسْمُقُ |
لن يستعيد العُرْبُ غابرَ مجدِهم. |
إلاَّ إذا نبذوا الفوارق والتقوا |
إن الذي يَقْضي فداءَ بلادِه |
لا خَوْفَ يفتحُ بابَه أو يُغلِقُ |
كُتبَ البقاءُ له وطابَ ثَواؤه |
في حيثُ لا أرقٌ ولا مَن يأرقُ. |
* * * |
جُبْرانُ يجمعُنا طريقٌ واحدٌ |
ويضمُّنا في الشعرِ نَهْجٌ رَيِّقُ |
بشَّرتَ بالتجديدِ… لكنْ لم تَقُلْ. |
إن الجَديد رطانةً وَتَمَخْرُقُ |
أوغلْتَ لكم لم تغِبْ عن عيِننا |
أينَ الهجينُ إذا تصدَّى مُعْرِقُ؟ |
ماذا نقولُ لمن يهاجم شِعْرنا |
هَلْ يقحمُ البركانَ إلاَّ أحمَقُ؟ |
يا سادةَ الشعر الذي لم يلتزمْ |
وَزْناً ولا مَعْنًى… أأنتم زِئْبقُ |
لم تخجلوا، والشوكُ مِنْ أخلاقِه. |
ألاَّ يغضَّ… وقد يغض الزَنْبَقُ. |
إنَّا بنَينا في المهاجرِ دَوْلَةً |
الحسنُ مِنْ آياتِها الرَّونقَ |
قامتْ على إيماننا، لم يَحْمِها |
سَيْفٌ، ولم يَسْهَرْ عليها بَيْرقُ |
نَشَرَتْ على دارِ العروبةِ ظلَّها. |
فلواؤها في كلِّ أفُقٍ يَخْفِقُ |
نَهَلَ العِطاشَى مِنْ نَداها فَارْتَوَوْا. |
وائتمَّ فيها الكافرون فصدَّقوا…. |
جُبْرانُ هذا مهرجانُك يلتقي |
في ساحهِ غَرْبٌ ويَزْهو مَشْرِقُ |
في كلِّ أفُقٍ مِنْ شذاه نَفْحةٌ |
نَشْوَى تَرِفُّ وبَسْمَةٌ تتفتَّقُ |
غَسَلَ الصدورَ، ففي القلوب نَقاوةٌ. |
وعلى العيون وَدَاعةٌ تَتَرقرقُ |
نسيَ العراقُ همومَه في ظلِّه |
وتهلَّلَتْ مِصْرٌ وغَنَّتْ جُلَّقُ |
لبنانُ لا يَفْخَرْ علينا بابنه |
لا نحنُ نسبقُه ولا هو يَسْبِقُ |
إنَّ العظيمَ لَكالربيعِ رَحابةً |
هَيْهَاتَ يحصرُه مكانٌ ضَيِّقُ! |