وقَفْتُ على حبِّ الديارِ فؤادي. |
فقلبي بوادٍ والعَذولُ بوادِ |
تضَاحَك مني واسْتَخَفَّ بغُصَّتي. |
وشوَّه بالغَمْزِ الخفيِّ رشادي |
يقولُ: تَمَتَّعْ بالصَّبابةِ والهَوَى |
فكلُّ شبابٍ صائرٌ لِنَفادِ |
غداً يَتَعَرَّى الرَّوْضُ مِنْ كلِّ فِتْنَةٍ. |
ويُطْرِقُ مَيَّادٌ وَيَسْكُتُ شادِ |
إذا أنتَ لم تَشْبعْ وَترْوَ على الثَّرى. |
فزادُكَ في أخراك أعْجَفُ زادِ |
إذا أنت لم تَنْهَبْ من العُمْرِ فُرْصَةً. |
لقلبكَ، لم تَظْفرْ بغير رَمادِ |
إذا أنتَ لم تُطلِقْ جناحَك في الهَوَى. |
فعقلُكَ مَغْلولٌ وجَهْلُك بادِ |
ستبكي، ولكنْ حين لا ينفعُ البُكا. |
وتُكْسى على ما فاتَ ثَوْبَ حِدادِ. |
حنانيك يا قاسي اللِّسانِ فإنما |
مُرادُك في دنياكَ غَيْرَ مُرادي |
كِلانا شَجٍ، لكنَّ رُوحي تمرّدتْ. |
على الحُسْنِ لم أُسْلمْ إليه قِيادي. |
يهزُّ الربيعُ الطَّلقُ كامنَ صَبْوتي. |
ويسبِي هَدَيل الساجِعاتِ فؤادي. |
وتُطربُني في سامرِ الحيِّ ضجَّةٌ |
تلوكُ من الأخبار كلَّ مُعادِ |
وَتسْحرُني فَدْوَى
(1)
برائع شعرها. |
وتُسْكِر أسماعي بصوتِ نِهادِ |
وتملأُ "غلوائي" خيالي ومُهْجتي. |
وتَشْغلُني في يَقْظتي ورُقادي |
ولكنني أنْسَى المباهجَ كلَّها. |
إذا نَهَشَتْ نابُ الخُطوبِ بلادي. |
وكيفَ تسوغُ الطَّيباتُ لشاعرٍ . |
وسادتُه مِنْ عَوْسَجٍ وقَتادِ |
يرى أهلَه في مِحْنةٍ إثْرَ مِحْنةٍ |
يَعيثُ بهم عاتٍ ويَعْبَثُ عادِ |
تُشَرِّدهم في النائباتِ حواضرٌ. |
وتأكلُهم في الكارثاتِ بَوادِ. |
فيلذَعُه جُرْحٌ وتَكْويه حَسْرَةٌ. |
على طارفٍ مِنْ مَجْدِهم وتِلادِ . |
غزاهُم عبيدُ السَّوْطِ يَحْمي ظهورَهم. |
جَرادٌ من الأعوانِ خَلف جَرادِ. |
وتحرُسُهم في البرِّ والبحرِ والسما. |
رَوائحُ بالموتِ الزُؤام غَوادِ |
أعدُّوا ليومِ الهَوْلِ نارَ جنهمٍ. |
وحارَبَهم قومي بغيرِ عَتادِ |
فدارَتْ على الحقِّ الدوائرُ وانحنَى. |
جبينُ العُلا للباطلِ المتمادي |
وهلَّلَ للنصرِ الهَجين زَعانفٌ |
يَضيقُ بهم نادٍ ويَبْرُم نادِ |
أرادَ لهم "بلفُور" داراً ودَوْلةً |
يَرفُّ لواها في رُباً ووِهادِ |
فأقطَعهم مَهْدَ المسيحِ هَديةً |
كما تَهَبُ المحتاجَ كَسْرةَ زادِ |
فيا لَسَخاءٍ يُحْمَدُ البُخْلُ عندَه |
ويا لَزنيمٍ في ثيابِ جَواد! |
* * * |
ويا وطني ما هدَّتِ الطودَ زَعْزَعٌ . |
فماذا إذا جارَتْ عليكَ عَواد؟. |
كَبَوْنا ولكنْ ما كبَتْ عَزماتُنا |
ولا مات نُورٌ في الجوانحِ هادِ |
كَبَوْنا ولكنْ لم نُعَفِّرْ جباهَنا |
ولم تتزعْزَعُ في النفوسِ مَبادي . |
كَبَوْنا ولكنْ لن ننامَ على الأذَى. |
كَبَوْنا. أَتُزْرِي كَبْوةٌ بجوادِ؟ |
غداً تَتَنادَى للعظائمِ أمتي |
ويَدْعو إلى الثأر المقدَّسِ حادِ |
وتَرْقَى سماءَ القَُدْسِ رايةُ يَعْرُبٍ |
ويضحَكُ منكوبٌ ويَنْقَعُ صَادِ. |
سنسقو... ولكن لا تَلُمْنا جُهَينةٌ . |
فأَظلَمُ منا يا جُهَينةُ بادي |