شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
على سفوح الأرز
زار الأرجنتين عام 1954 الرئيس اللبناني كميل شمعون، فزحفت الجاليـة العربيـة لاستقباله، وأقام له الشاعر عمر أبو ريشة مأدبة فاخرة -وكان عندئذٍ وزيراً مفوضاً لسوريا في الأرجنتين- وأوعز إلى صاحب الديوان أن يرحب به باسم السورييـن، فكانت هذه القصيدة:
أحْي الرجاءَ الميْتَ في الأرواحِ.
وأثرْ – فُديت – لواعجَ النُّزَّاحِ.
لا تأخُذنَّك في الجوانح رأفةٌ
ماتَ المريض برأفة الجرَّاحِ
يا وجهَ لبنانَ الأغرِّ تضاحَكَتْ.
آمالُه في وَجَهك الوضَّاحِ
إنّا لنلمح في جفونِك طَيْفَه
ونَشُمُّ نفحةَ أرْزِه الفوَّاحِ
هذي مسارحُه وتلك رياضُه
نَشْوَى بصوت البُلْبل الصدَّاحِ.
سبحانَ من ألقى إليك قيادَه
ووقاه عاديَةَ الأَذى المُجْتاحِ
لولاكَ أفسدَه فسادُ وُلاتِه
إن السفينةَ في يَدِ الملاَّحِ
أنقذتَه من غَمْرة الفوضى ومنْ.
أنياب كل مُكشِّرٍ طمَّاحِ
وغَمَزْت للإِصلاح أشبالَ الحِمَى.
فتجنّدوا في ثورةِ الإِصلاحِ
مِنْ كلِّ وضَّاح الجبين شعارُه
لا مجدَ في الدنيا بغير كفاحِ
يختالُ "فَخْرُ الدين" في أبراده
غضَّ العزيمة كالربيع الضاحي
أحْيَتْ عزائمهم رسالةَ مُؤمنٍ
بالشعبِ، عفِّ النفس عفِّ الراحِ.
فتدافعوا للمجد سِرْبُ كواكبٍ.
يمشون خَلْف الكوكب اللمًّاحِ.
يا لانقلابٍ أبيضٍ لم يُخْتَضَبْ
بدمٍ ولم يَعْبثْ بذات وِشاحِ
جمعَ المبادِئَ كلَّها في مبدأٍ
فَرْدٍ ولَفَّ غُلاتَها بجناحِ
لابنِ المدارسِ والمعاملِ حِصَّةٌ
فيه، وللمدنيّ والفَلاَّحِ
هو وثبةُ الجيلِ الجديدِ تَنَزَّهتْ
أهدافُه عن خَمْرة ورَداحِ
شَرَفاً شُبولَ الأرْزِ أيُّ رسالةٍ
لم تكتبوها بالدمِ المِسْماحِ
إني لأخشَى أن يشوّه عهدَكَم
ما اندسَّ خَلْفَ العهد من أشباحِ.
فاقضوا على الإِقطاع، إنَّ سمومَه.
تركتْ قراح الماء غَير قَراحِ
عارٌ على لبنانَ يبقَى مَرْتَعاً
حُراً لِصَلِّ الفتنةِ الفحَّاحِ
قولوا لكل زعامةٍ وثنيةٍ
عَبثَتْ بكل فضيلةٍ وصَلاحِ
الجاهليةُ أطلَقَتْ أنفاسَها
لا تَبْعثوها في إهاب "سَجاح" (1) .
* * *
يا ابن الذين توارَثُوا شَرفَ النَّدَى.
وتَرَعْرعُوا في ملعبِ الأرياحِ
لم أمتَدِحْكَ تَمَلُّقاً وَتَزلُّفاً
أكْرَمْتُ عن زَيْفِ الهوى أمداحي.
لكن دعاني للصراحة واجبٌ
فأجبتُ داعي الواجب المِلْحاحِ
ماذا عليّ إذا تغامَزَ حُسَّدي
وتناولوا بالتُّرهاتِ صِداحي
إني اختصرتُ الروضَ في قارورةٍ.
وحبستُ نورَ الشمس في مِصْباحِ.
لن يستثيروا بالنَّعيبِ حفيظتي
أأنا أجرُّ على القبورِ سِلاحي؟
حَسْبي رضاً غَلواء، حسبي نَفَحة.
ندياءُ تمسحُ بالعبير جِراحي
وسعَ الأذى قلبي على ألْوانِه
ومحا برَحْمته غُرورَ اللاَّحي
ينتابه الغضبُ المُلحّ فيَنْجلي
عن بَسْمةٍ أو ينتهي بمُزاحِ
رَقَصَتْ على نغمي النجومُ فما الذي.
أخشاه مِنْ متفيِّئٍ أدواحي
قلَّدتُ جِيْدَ الشعرِ أكرمَ حُلْيةٍ
وجَلَوتُ ظلمةَ ليله بصَباحي
لا تسألوا الخمَّار عن زَحْليةٍ
هاكُم زكيّ الرَّاح في أقداحي
عذراءَ تَخْتَلِبُ النفوسَ بحسنها.
وتهزُّها بأريجها النَّفّاحِ
غرسَت دواليها سواعد عَبْقَرٍ
وَتَرَعْرَعتْ في ظِلِها الفَيَّاحِ
أنا لا أبخِّر للرئيس، وإنما
أحْني جبيني للفتى النَضَّاحِ
الحاملُ الأعباءِ عن أوطانه
والمُرْتَجَى في الحادث الفَدّاحِ
والواصلُ الأرحامِ بعد تقاطع
والجامعُ الأرواح بعدَ تَلاحِ
من ليس يمتلكُ القلوبَ بخُلْقه
لم يُغْرها بقلادةٍ ووشاحِ
"هيُّ بن بيّ" حين يخدم قومه
أولى بإجلالي من ابن "فَتَاح" (2)
* * *
يا مَنْ يعيبُ على الرئيس سَخاءَه.
أو كنت تبحث فيه عن سَفَّاح؟.
العفوُ من شِيمَ الكرام ولم أجدْ.
بين اللئام أخا ندىً وسَماحِ
لا يستبيحُ دمَ الخصومِ مكافِحٌ
بالطاهرين: عقيدةٍ وصَلاحِ
خَلُدَتْ بطولةُ "خالد" لكنما
شَمَخَتْ عليها عفَّةُ "الجرّاح"
إنَّ المناصبَ للمكارم سُلَّمٌ
لا حُجَّة للبطش والأرباح
من كان يأخذُ بالرماح خُصومه.
لا يأمَنَنَّ غوائلَ الأرماحِ
ليتَ الذين تناطَحوا ما بينهم
كانوا على العادي كِباشَ نِطاحِ.
لولا انقيادُهُمُ إلى شهواتِهم
لم يَسْتَبِحْ حَرَمَ السلام إباحي
اللهُ يشهدُ لم يقُلّ عتادُهم
لكنَّما قَلَّتْ خِصال "صَلاح"
شُغِلوا عن الخطر المُزَمجر حولَهم.
بسَفاسف الأطماع والأطماحِ
ضجُّوا فكبَّرنا وقُلْنا استأْسَدوا.
وَيْحَ الدخيلِ من القضاءِ الماحي.
لكنَّ أهدافَ الكفاحِ تَلَخَّصَتْ.
برصاصةٍ، وتحقَّقتْ بصِياحِ
ماذا علينا إن تشرَّدَ أهلُنا
وتناثروا كالرمل في الصَّحْصاحِ.
أخذَ اليهودُ بلادَنا لَكنَّهم
باؤوا بلَعنةِ قائدٍ جَحْجاحِ
يا ابنَ القضيةِ شَبَّ في غمراتِها.
لا تُنْكرنَّ مدامعي ونُواحي
جارَتْ علينا غربةٌ وتنازَعَتْ
خيطَ الرجاء مخالبُ الأتْراحِ
بِعْنا بأوهام الغنَى فردوسَنا
يا ليتَنا لم نُغْرَ بالتفاحِ
لم تحملوا عِبءَ القضية وحدَكم.
في كل مغتربٍ دمٌ وأضاحي
سِيَّان مَنْ مَهَرَ القضية قَلْبَه
بين الطُّروس ومَنْ مَشى للساحِ.
أقسمتُ ما وخَزَتْ بلادي شَوْكةٌ.
إلاَّ ابتدرتُ شَباتَها بجراحي
يا مَنْ تشبَّث بالحدود… واكتفى.
بالغَمْزة العُجْلى عن الإِيضاحِ
إن لم يكن حَبْل العروبة كافياً
للجَمْع بين الأخوة الأقْحاحِ
أفليس تجمعنا المصالحُ والمُنَى
ووشائجُ الأتراح والأفراحِ
من أنقذَ الفُصحى وصان تُراثها.
مِنْ عَسْف طاغيةٍ وكَيْدِ وَقَاحِ
وبنَى لها في كلِّ نَفْس مَعْقِلاً
ثَبْتاً على الأحداث غَيْرَ مُبَاحِ
وأقام للشعر المجنَّح دَوْلةً
عربيةَ الأَنفاس والأوضاحِ
مَدَّتْ على الآفاق وارفَ ظلِّهَا.
واجتاحَتِ الدنيا بغير صِفاحِ
فتحٌ يُدِلُّ على السيوف بزَهْوه.
ترعاه عَيْنُ الواحد الفتَّاحِ
لبنانُ لا تَلُمِ الذين تأجنبوا
أُخذَ الفراشٌ بخِدْعَة المصباحِ
ماذا عليكَ إذا اتسعتَ لأحمقٍ
ما كلُّ أولادِ الربيع أقاحي
* * *
لبنانُ دونَكَها تحيةُ شاعرٍ
مُتَغَربٍ عن سِرْبه مُلْتاحِ
وَشَّى غُلاَلَتها الربيعُ وأشرقَتْ.
مَزْهُوَّةً بجمالها الفضَّاحِ
أنا مِنْ ربوعِ الشام، تحت سمائِها.
فتَّحتُ أجفاني وَرفَّ جناحي
لكنَّني أفسحتُ قلبي هَيْكلاً
للعرُب بين سَباسبٍ وبِطاحِ
أيَّان رَفَّتْ رايةٌ عربيةٌ
ألفيتَني في مَعْشري ومَرَاحي
ربَّاه شطَّ على الغريب مَزَارُه
فمتى تَرِقُّ لدمعه السَحَّاحِ
في القلب شَوْقٌ لا يقرُّ قَرَارُه
ما حيلتي بلَهيبِه اللفَّاحِ؟
عَلَّلْتُهُ بغَدٍ فزادَ أوارُه
وزَجَرْتُه فافتنَّ في الإِلْحاحِ
ذهبَ الصَّبا إلاَّ بقايا نُضْرةٍ
في القلبِ، فارحمني بفكِّ سَراحي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :413  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.