في ساحة الجِدِّ لا في ساحةِ اللَّعبِ. |
كَبَتْ مطايا الرَّدَى بالفَارسِ العربي. |
طَوَى الترابُ لواءً كلُّه شَرَفٌ |
وصَفْحةً كُتِبتْ بالنور والذهبِ. |
وغالَتِ الرِيحُ في هَوْجاء ثَوْرتِها. |
نَسْراً ترعرعَ بين الشُّهبِ والسُّحُبِ. |
وَصوَّحتْ لَفْحةُ الرَّمْضاء مدرسةً. |
للعلم، للشعرِ، للأخلاقِ، للأدبِ. |
شيخُ القبيلة نَستهدي بحِكْمتِهِ |
ونملأ النفسَ مِنْ ينبوعه العَذبِ. |
عروسُ شِعْريَ في نجواك تَخْذُلُني. |
وعزّة النفس تَثنيني عن الهَرَبِ. |
لا تَعْذُلِ الوَتَرَ الشادي إذا انتشرتْ. |
في صوتِه بُحّةُ المستسلِمِ التَعِبِ. |
هاضَ الحنينُ جناحي وانطفا أملٌ. |
كالفجرِ أسقيه مِنْ قلبي ومِنْ هُدُبي. |
ويحَ الغريبِ على الأشواك مَضْجعهُ. |
وخُبْزُه من عجين الهمِّ والنَّصبِ. |
يعيشُ عن رَبْعه بالجسم مُغْترباً |
وقلبُه وهَواه غيرُ مُغْتربِ |
يستقبلُ الليلَ لا تَغْفو هواجسُه. |
ويوقظ الفَجْرَ في جيشٍ من الكُرَبِ. |
مُوَزَّعُ الروحِ إحساساً وعاطفةً. |
مُقَسّمُ الفِكْر في بُعْدٍ وفي قُرْبِ. |
يا غُصةً في لسان الشاعر انعقدتْ. |
مَنْذا يَحُلُّ لسانَ الصادحِ الطَّرِب؟. |
ماذا أقولُ لغُوائي إذا هَتَفَتْ |
هلاَّ أدرتَ علينا صوتَك الذهبي. |
يا شاعرَ الشام قَلْبُ الشام مُضْطَرمٌ. |
وَجْداً وقَلْبُك لاهٍ بابنةِ العِنَب |
يطيرُ من فَنَنٍ غضٍّ إلى فَنَنٍ |
غضٍ وتَنْساب من خِصْبٍ إلى خِصبِ. |
لا حَوْرُ دُمَّر ميَّاسٌ كعادته |
زَهْواً ولا بَرَدَى سَكْرَانَ من عَجَبِ. |
ألاَ تهزّك في الأحداث دَمْعتُها |
هل أنتَ من حَجَرٍ، هل أنت من خَشَبِ؟ |
كُفِّي ملامَك يا غلواء واتئدي. |
يكفي هَزارَك ما يلقاه من وَصَبِ. |
حَلَفْتُ باللهِ لم أنهضْ إلى أربٍ |
إلا وكانت بلادي غايةَ الأربِ. |
وقَفْتُ شعري عليها بل وقفتُ دَمي. |
لولا هواها غزوتُ الغربَ في أدبي. |
هَلْ أرّقَ الشامَ هَمٌ لم أحسّ له. |
في مهجتي مثلَ حزِّ الصارم الذَّرِبِ. |
وهَلْ تلألأ في آفاقها أملٌ |
إلاَّ تَثَنيتُ من زَهْوٍ ومن طَرَبِ. |
حملتُها نغمةً في القلبِ راقصةً |
ورُحْتُ أزرعُها في مسبحِ الشُّهُب. |
* * * |
شيخَ العروبة دارُ العرب واجمةٌ. |
كأنما أدركتْها ساعةُ الحَرَب |
ماذا عليها إذا آوَتْك مُهْجَتُها |
واستنزفَ الرُّزءُ نبعَيْ دمعها السَّرِبِ. |
جابهتَ في حبِّها ما اشتدَّ من خطرٍ. |
وخُضْتَ مِنْ أجلها ما عزّ من طلبِ. |
حَمَلْتَ آمالَها في كل مؤتمر |
وعِشْتَ آلامها في كل مُحْتَربِ. |
إني ذكرتُك والسفَّاحُ عاصفةٌ |
هوجاءُ مِنْ حَنَقٍ حَمْراءُ مِنْ غَضبِ. |
يعيثُ في العُربِ تشريداً وغَطْرسةً. |
ويُعملُ السيفَ في ساداتها النُّجُبِ. |
فهزّني الفخرُ والإِعجابُ وازدحمتْ. |
في خاطري صُوَرٌ للموقف الحَزِبِ. |
وقفتَ في وجهه والسَّوْط في يده. |
والحبلُ منتصبٌ أو شِبْه مُنْتصبِ. |
يريدُ بالعنفِ أو باللين، أو بهما. |
وِشايةً بأخٍ أو غَمْزةً بأبِ |
فما اختلجْتَ ولا استعظَمْتَ سَطْوَته. |
ولا استمالكَ بالألقابِ والرُّتَبِ. |
خَيّبتَ بالصمتِ والإِيمان مأملَه. |
لكنَّ فألك بالرحمان لم يَخِبِ |
أودى تُواكبُه اللعناتُ هادِرةً |
وشيَّعتْك دموعُ العُجْم والعربِ. |
من لي بدَفْقة نورٍ منك دانيةٍ |
تُضِيء دَرْبي وتُغنيني عن الدَّأبِ. |
ذكرتُ مِنْ عَهْدِك الوضَّاح مَرْحلةً. |
بل وَقْفةً بالعُلَى موصولةَ السبَبِ. |
فَهَل أُحيطُ وباعي لا يُساعفني. |
بعالَمٍ حافلٍ بالمَجْدِ والحسَبِ |
وهَلْ أصوّر والأصباغُ باهتةٌ |
دُنْيا مزوَّقَةَ الآفاقِ بالعَجَبِ |
يا ابنَ الغطاريفِ من غَسانَ ما نسيَتْ. |
ساحاتُ جِلَّق وَجْه الثائر الغَضِبِ. |
أيامَ تَرْسفُ في أغلال طاغيةٍ |
عاتٍ تنكَّر في أثوابِ مُنْتَدِبِ |
يَسومُها الخَسْفَ والإِرهاقَ مُدَّعياً. |
أنَّ الوصايةَ معنىً ليس في الكُتبِ. |
أغراه أنَّ نوازي الموجِ هادئةٌ |
وما دَرَى أن قاعَ البحر في صَخَبِ. |
حتى أفاقَ، يَنوشُ الذُّعرُ أضْلُعَه. |
على صباحٍ كيومِ الحشرِ مُضْطَربِ. |
هبَّتْ دمشق إلى الباغي تحاسبُه. |
وامتدّتِ النار من حِمْصِ إلى حَلَبِ. |
وصالَ فارسُ في الميدانِ صَوْلَتَه. |
كالليثِ في غضبٍ كالسَّيلِ في صَبَبِ. |
يقودُ في غمراتِ المجدِ فِتْيَتَها |
وصَدْره لرصاصِ العَسْكرِ اللَّجِبِ. |
بئسَ الزعامةُ لا تمشي على لَهَبٍ. |
إذا اقتضى الأمرُ أن تمشي على اللَّهبِ. |
الخلقُ رايتُه والحقُّ عدتُه |
لا خيرَ في النصر دون الحق بالقُضُبِ. |
وصاحَ فارسُ في أعداء أمتِه |
صَوْتاً تجاوَبَ من قُطْبٍ إلى قُطُبِ. |
يا سامعَ الصوتِ في باريزَ مَعْذِرةً. |
إذا استعدْنا وصايا الشاعر العربي. |
" لا تشَترِ العبدَ إلاَّ والعصا مَعَهُ". |
العبدُ بالروحِ لا باللونِ والنَّسبِ. |
لسوفَ يُزْهقُ فَجْرُ الحقِّ باطلكم. |
مهما تشبَّثَ بالأوتاد والطُنُبِ |
ساءتْ حضارةُ من يَبْني حضارتَه. |
على أساسَيْن من عَسْفٍ ومِنْ كَذِبِ. |
غداً تَهُلُّ على الدنيا مواكبنا |
أما سمعتُم هزيجَ النصر عن كَثَبِ. |
لا بأسَ إن أصبحتْ أوطاننا خِرباً. |
إنَّا سنبعثُ ماضينا من الخِرَب |
* * * |
يا فارسَ المجدِ في مثواك تهنئةً |
الله توّجَ مَسْعَى الشام بالغَلَبِ |
أنزلتَ بين مطاوي الجَفْن صورتَها. |
فأنزلَتْك حنايا قلبِها الرَّحِبِ |