بَصُرْتُ به في مَهَبِّ الرياح |
تُلاحِقُه غَيْمَةٌ ماطِرهْ |
على وجنتيه شُحوبُ الخريف |
وفي جَفْنه دَمْعةً حائرهْ |
يمدُّ إلى الناس كَفَّ السؤال |
وتمنعه عِفةٌ ثائرهْ |
يتيمٌ شريدٌ غَريبُ الدِّيار |
تملَّكه اليأسُ في العاشرهْ |
إذا همّ بالنُّطْق سَدَّتْ عليه . |
مذاهبه غُصَّةٌ قاهرهْ |
يغضُّ الجفونَ حياءْ. |
ويمشي عياءْ |
ويكرُ يافا ودارَ الطفولَهْ |
فتهدرُ فيه جِراحُ البُطولَهْ |
ويخنقُ في مُقْلتَيه البكاءْ |
وتعصف أحقاده الثائرهْ |
قرأتُ عليه السلامَ فلاحَتْ |
على شفتيه بقايا ابتسامَهْ |
ولكنَّها انطفأتْ فجأةً |
كما احتجبَ البدرُ خَلْفَ غمَامَهْ. |
رأى العطفَ في مقلتيَّ فثارتْ |
بأعماقه كبرياءُ الكرامهْ |
وردّ نقودي بعزةِ نَفَس |
فكدتُ أعضُّ يديَّ ندامهْ |
وأحسستُ أني أمام غَنِيٍّ |
يتيمٌ جديرٌ بفلس الشهامهْ |
وأعرَضَ غضبانَ عني. |
فأدركت أني |
نَكأتُ بعطفي دفينَ جراحِه |
ودِسْتُ بلطفي مَهيضَ جَناحهْ |
فطأطأتُ رأسي |
وأسبلتُ جَفْني |
وقلتُ لنفسي |
اقنعي بالسلامة |
وفي الليلِ عادَ خيالُ اليتيم |
يوشّي منامي بشتَّى الصُوَرْ |
فَطوْراً يلوح بزيِّ الملوكِ |
وحيناً يلوحُ بزيِّ النَورْ |
وما زال حتى استحالَ أميراً |
يقودُ السرايا بساحِ الظَّفَرْ |
ويهدرُ كالليثِ بين السُّيُوف |
وَيَمْرُق كالسَّهْم فوقَ الخَطَرْ |
ولمَّا تلاشى لهيبُ القِتَال |
ثَنَى مَهْره واختفى في القَمَرْ |
وأيقظني مِنْ رُقادي. |
صَهيلُ جوادِ |
فقمتُ أَجُوبُ زوايا البَلَدْ |
وأُرِسلُ طرفي وراء الجَلَدْ |
وأجري مع الريح في كل وادِ |
فلم ألق لابن السبيلِ أثَرْ |