يومٌ من العمر، لا هَمُّ ولا ضجرُ |
ما زال حيّاً له في روحنا أثر |
يومٌ قضيناه، لا ندري أمرَّ بنا |
حقاً وعشناهُ واستغنى به العُمُر |
أم أنه حُلُمٌ وافى وقد سكنَتْ |
في الذهنِ تخطرُ من أضغاثهِ صُور |
* * * |
يوم بـ "أُملجَ " عشناهُ بمزرعة |
غنّاء طابَ في ليلها السهر |
مرَّ النسيم رُخاءً في مرابعها |
فأنعشَ الروح فينا نَشْرهُ العطر |
والبردُ مرَّ على رفقٍ يداعُبنا |
بعضٌ يهشُّ له والبعضُ يتّزر |
وقد علتْنا سحاباتٌ مطرَّزةٌ |
بالنورِ يسري حفيّاً بينها القمر |
يطوي معارجَها من غير تَوءِدةٍ |
كأنه راحلٌ ألوى به السفر |
* * * |
يا ليلةً والسنا الفضيُّ كلَّلها |
بالنور يسبحُ فيه النخلُ والشجر |
لفَّ المزارعَ يجلو من مفاتنها |
ما الليلُ أخفى وما لم يلحظِ البصر |
بتنا نُسامرُ بالنجوى كواكبَها |
نستلهمُ الليلَ حتى آذنَ السحر |
فاحَ الشذى من شجيراتٍ تحيطُ بنا |
كالروضِ يزهو بهاءً حسنُها النضر |
والصمتُ رانَ سوى أنغام أغنيةٍ |
"لأمِّ كلثومَ" حيث النايُ والوتر |
والليلُ والشعرُ والألحانُ صادحة |
تجلو من الهمِّ ما في القلب يستتر |
* * * |
الأرض مدَّت بساطاً من نضارتها |
من حوله كلُّ شيء راحَ يزدهر |
والماءُ "نبع من الآبار" ترفعهُ |
إلى الأعالي "مضخاتٌ" فينحدر |
عبرَ الأنابيب كالشريان تنقلهُ |
فيرتوي الزرعُ إن لم يُغْنهِ المطر |
و (الطيرُ) مأسورُه يهفو لمطلَقِه |
و (البطُّ) يسبحُ في حوض له سُتُرُ |
ترعى (المواشي) رُخاءً في مرابعها |
(الماعزُ) المنتقى و(الضأنُ والبقر) |
من كل صوبٍ حواليها تداعبُها |
بيضُ (الأرانب) لا يلوي بها الحذر |
تساقت الحبَّ فازدادت به عدداً |
فكل أنثى لها من جنسها ذكر |
هذي (سفينةُ نوحٍ) والأميرة بها |
(أبو عطيٍّ) فهلاَّ جاءَك الخبر |
* * * |
لذَّ الشِواءُ بأسياخٍ
(1)
على نسقٍ |
صُفَّت ومن حولها النيرانُ تَستعر |
كُـلٌّ يـداري بهـا سيخـاً تعهّـده |
يُدني له الجمر في صبرٍ وينتظر |
بينا توسَّط في (التنّور) مصطبراً |
على البلاءِ (نديٌّ) راح يجتمر
(2)
|
في (حَلّة الرزّ) ضجّت من جوانحه |
شكوى تترجمُ عمّا جرّه القَدَر |
قد كان من ساعةٍ يجري بساحته |
حراً طليقاً ولم يخطرْ له خطر |
حتى إذا الجوعُ عضّ القومَ وانطلقت |
سكينةُ النحر لا تُبقي ولا تذر |
أرخى إلى الأرضِ (للقصَّاب) مَنْحَرهُ |
وفي العيون تلاقى الغيظ والشزر |
* * * |
تزاحمت ذكرياتي عنك تنهمرُ |
يا ليلةً لذّ فيها الأنسُ والسمر |
وطابَ لي كلُّ ركنٍ من مجالسها |
حيثُ الطبيعةُ ألوانٌ بها الصور |
ما شئتَ فيها أفانيناً ملونةً |
الشعرُ والليلُ والسُمَّارُ والقمر |
إلاَّ وجوهَ الحسانِ الغيدِ غائبةٌ |
نُسائلُ الليل عنها وهو يعتذر |
قد كان يؤنِسُنا منهنَّ صارخةً |
حُمرُ الخدودِ وإن ألوى بها الخَضر |
والشعرُ منسرحاً مثلُ الحريرِ على |
أكتافهنَّ وتحتَ الشالِ يستتر |
سودُ العيون رهيفاتٌ مخاصرُها |
تكادُ إن طُوِّقت بالرفقِ تنصهر |
عذبٌ لُماها، رفيقاتٌ مشاعرُها |
إن حدثتكَ تولّى الهمُّ والكدر |
* * * |
شطَّ الخيالُ وما منهنَّ واحدةٌ |
يا عاذلي لا تلمني إنني بشر |
تحت الضلوع وجيبٌ لي يترجمُه |
قلبٌ يرى الحبَّ كنزاً ليس يُدَّخر |
آليتُ أنفقُهُ ما امتدَّ بي عمُرُ |
والقلبُ نبضُ الهوى في الصدرِ لا حجر |