تقولين لي هل أنت بالبؤسِ راغب؟ |
وهلاّ لزمتَ الصمتَ عمّا تُطالب؟ |
ترى الناسَ شتّى يحلبونَ ضروعَها؟ |
فتنصاع دُنياهُمْ وتصفو المشارب |
لهم كلُ ما تهفو النفوسُ لنيله |
على الأرضَ ملكٌ والنجومُ ملاعب |
ثراءٌ وليدُ السحرِ فعلُ منجِّمٍ |
وجاهٌ عريضٌ حولهم ومناصبُ |
وأنتَ مقيمٌ في الشقاءِ رهينة |
سعيدٌ بأهليهِ على الكلِّ حادب |
تنافحُ عنهم كلَّ ما يشتكونَه |
كأنك يوم الحَشرِ فيهم مطالب |
* * * |
تُقلّبُ ما بين الأمورِ مقارناً |
فذا خطأٌ محضٌ وذيّاكَ صائب |
وهذا صريح القولِ في الناس صادق |
وآخرُ نهّازُ الظروفِ وكاذب |
و (زيدٌ) نقيُّ القلبِ ليس بخادع |
أخاه، و ( عمروٌ) ثعلبٌ وموارب |
* * * |
دعِ الناسَ كلٌّ يجتني ما يحوزُه |
فدنياك مغلوبٌ شقيٌّ وغالب |
فذو نعمةٍ لم يمنح الأرض ساعداً |
تصافيهِ دنياهُ وتصفو المشارب |
وذو ساعدٍ شق الصخورَ بجَهده |
إذا جادتِ الدنيا غذَتهُ الطحالب |
دعِ الناسَ تسلَمْ من عواقبِ شرّهم |
فلستَ بدارٍ ما تكونُ العواقب |
وهلاّ سمعتَ الشاعرَ الفذَّ ناصحاً |
يرددُّ ما أملتْ عليه التجارب |
"ومن يتتبعْ جاهداً كل عثرة |
يجدْها ولا يبقى له الدهرَ صاحب" |
* * * |
حنانيك حقٌ ما تقولينَ إنني |
شغوفٌ بما ألقى وبالبؤس راغب |
وحيدٌ بغاب لا تكفُّ ذئابُه |
عن النهشِ أنيابٌ لها ومخالب |
قلوبُ الهُداةِ المصلحينَ مطاعم |
لها والضلوعُ الحانياتُ مناشبُ |
دعيني فما عمرُ الفتى غيرُ ومضةٍ |
من البرقِ في دنيا غشتها السحائب |
وأدلجَ فيها الليلُ حتى إذا بدا |
سنا الصبحِ غطّتْ مقلتيهِ الغياهب |
* * * |
مضى العمرُ يا أختاهُ إلاَّ أقلَّه |
وإني على ما تعرفين مواظب |
صحابي قليلٌ غيرَ أني لديهُم |
أثيرٌ على أني فقيرٌ وعازب |
صحابي قليل غير أن طريقَهم |
يشعُّ به نجمٌ من الفكرِ ثاقب |
يُسدِّدُ حبُ الخيرِ من خطواتِهم |
ويجمعُهم دربٌ على الحقِ لا حب |