رسالة بعثتُها يكمنُ فيها الأمل |
جعلتُها وسيلةَ القرب لعلّي أصل |
فألتقي بجهبذٍ له المقامُ الأول |
في العلم والفكر وما بينهما يتصل |
طويلِ بـاعٍ في اللُغى وفي الترابِ فطحل |
يخوضُ في بُحورهِ وما يشاءُ ينهَل |
يُخرجُ من محاره لآلئاً ويصقُل |
حتى إذا قدَّمها لنا الخبيرُ الصيقل |
"أبو تراب" لمعَتْ كأنها السجنجل
(1)
|
* * * |
"أبا ترابٍ" هزَّني منك اليراعُ المرسل |
وحكمةٌ ناصعةٌ يفصحُ عنها القَيهل
(2)
|
وما يُقالُ عنكَ في محافلٍ ويُنقَل |
أنك ذو دُعابةٍ خفيفُ ظلٍ جلجل
(3)
|
تَهُبُّ من حديثكَ العذبِ رُخاءً شَمْأَلُ |
كأنما الحديثُ إذ تُرسلُه مقرفل
(4)
|
فسامعٌ إياه مشدودٌ له مكبّل |
وعارفٌ بكنههِ بغير كأسٍ ثَمل |
* * * |
فقلت هذا عالمٌ بعلمه لا يبخل |
ولا يَردُّ طالباً لفضلهِ إذ يسأل |
فاكتُبْ له لعلّه مكاتِباً لا يُهمل |
وقيلَ لي "مكتبة" عندكَ فيها المنهل |
عامرة كنوزُها ضاق عليها المنزل |
وازدحمتْ رفوفُها فكلُ رفٍ مثقَل |
مشرَعةٌ أبوابُها لزحمةٍ لا تُقْفَل |
فقلت يا ربُّ عسى يكونُ خيرٌ معجِل |
لعلَّهُ يُعيرني من وِردها ما أنهل |
وسوَّلت لي رغبة والنفس قد تسوّل |
أن أبتغي استعارة منه وخيراً يحصُل |
* * * |
وقلتُ في نفسي له محدثاً يا رَجل |
عليَّ ما شئتَ اشترطْ لك الخيارُ الأكمل |
وإنني لراهنٌ إن كنت رهناً تقبل |
وليس للكُتْبِ التي عندكَ رهنٌ يعدل |
والمالُ عند عارفٍ بالكُتْبِ قد يُبتَذل |
ولا العقار رهنُه لديك حلُّ أمثل |
ولستُ من أصحابه وليسَ عندي منزل |
فليس إلاَّ ذمة هي الرهينُ الأفضل |
وإن عندي ذمةً للعُذر لا ننتحل |
والعهدُ عندي موثقٌ هيهات لا يُستبدل |
وعاجل من موعدي بالنجز لا يُؤَّجَّل |
وإنما تجربة الرجالِ حكمٌ فيصل |
وإنما الرجال بالذمةِ أو لا رجل |
* * * |
وهكذا جاءَكَ من عندي كتابٌ عجل |
محمَّلاً أمنيتي وبالرجاء يرفُل |
سلَّمهُ إليكَ إذْ لُحْتَ رسولٌ مرقل
(5)
|
ولم أكنْ أعلم ما يُضمرهُ المستقبل |
وما عرفت أنه إلى "البلادِ" يُحمَل
(6)
|
يُنشرُ في صحيفةٍ على الملا ويُنقل |
يحدّثُ الناسُ به بعضَهُم ويشغل |
والبعضُ منهم يوقد النارَ فيغلي مِرجل |
يقولُ فينا شامتاً: مدَّرعٌ وأعزل |
تقابلاً في مطلبٍ لغايةٍ لا يوصل |
إن "أبا التراب" عن كتيّبٍ لا ينزل |
وعنده استعارةُ الكتابِ أمر معضل |
كأنَّها محرَّمٌ نصتْ عليه الرُسل |
وكلُّ من يقصدهُ عن رَدِّه لا يخجل |
وليس يخشى لائماً أو عاذلاً إذ يعذل |
ولا يرى لرأيه عُذراً ولا يُعلِّل |
* * * |
والكُتبُ عند " شيخنا " حبيبةٌ لا توصَل |
إلاَّ من المُحبِّ والوصلُ له محلَّل |
ووصلُها من غيرِه العارُ الذي لا يُغسَل |
وهو العميد المبتلى وفي هواها مُعْوِل |
وقلبُه في حُبِّها متيَّمٌ منشغل |
لا يعتريه سأَمٌ من وصلِها أو ملل |
وهي سواءٌ عندَه جديدها والرِعبل
(7)
|
أكان كنزاً يُقتنى كتابه أم رهبل
(8)
|
أم أنه (قشامةٌ) لا يبتغيها آكل
(9)
|
فالكلُ عند "شيخنا" كتابُه المفضَّل |
وكلُّها في شَرعه حسناءُ خودٌ عطبَل
(10)
|
* * * |
حِرتُ وقد أنكرني الصحبُ ولامَ العُذَّلُ |
وكلُّهم يقولُ يا بئسَ الذي تؤمِّل |
"أبو ترابٍ" سرُّهُ في الكتب سرٌ مقفل |
وشأنهُ في صونِها شأنٌ عجيبٌ مُذْهِل |
وطالب استعارةٍ منه هو "المغفّل" |
فلا يَغُرَّك الذي سمعتَه فتُقبل |
ولا تُصدِّقْ قائلاً "أبو تراب" نوفل
(11)
|
ولا تظنَّ غيثَه هو السحابُ الهَطِل |
فالبُخلُ في كتابهِ من (الجهام) أبخَل
(12)
|
وفقدُهُ في حُكمهِ هو المصابُ الجَلَل |
يحزَنُ عامينِ له ويعتريه وَجَل |
خِشيةُ أن "يرحلَ" في إثر كتابٍ يرحَل |
فكُفَّ عما تبتغي وكم سواك حاولوا |
فما جنوا من روضهِ وهو النديِّ الخضل |
إلاَّ لُهاثَ متعبٍ أجهَدَهم فاعتزلوا |
* * * |
فاتركْ "أبا ترابَ" لا يُغْرِكَ فيه أمل |
فإن ما تطلبُه المحالُ منه أسهل |
وقد يكونُ ردُّهُ بالرفضِ لا يحتَمل |
فقل لناما العملُ؟ وأيَّ شيءٍ تفعل؟ |
أتستطيعُ هجوَه وهو اللسانُ المقصل |
إن خاض في خصومةٍ فهو بخصمٍ معصل
(13)
|
وعنده شواردٌ لأمرهِ تمتثل |
إن كشَّرت أنيابَها يرهبها السَبهلل
(14)
|
مدججاتٌ كلُّها مخضرماتٌ عُبَّل
(15)
|
* * * |
فقلت لستُ هاجياً بل مادحاً أُهلّل |
وأرفعُ الرايةَ بيضاءَ ولا أقتتل |
فلستُ إلاَّ واحداً وهو إزائي جَحفل |
وهل يُرام أجدلُ وخصمه لا يَئِل
(16)
|
ولستُ في الآداب مثلَ حظه أرتـجِل |
وهو على مملكة النحو هُمام عبهل
(17)
|
فمن يخوض لُجَّهُ وهو الخِضَمُّ الجَيحل
(18)
|
* * * |
وهكذا استعذتُ باللهِ وقلبي وجل |
وخاطري مشتّتٌ ومقولي يحوقِل
(19)
|
وقلتُ قولاً جامعاً يُضربُ فيه المثل |
رحتُ به مرتجزاً "مستفعلِنْ مستفعل" |
ما هكذا توردُ يا "أبا التراب" الأبل |