شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ما هكذا تورد يا أبا تراب الأبل
[علق أبو تراب على الأبيات التي نشرها الشاعر في الجريدة خلال يومياته بعنوان "الناس أجناس "، بقوله:
"هذا الدكتور العراقي زاهد زهدي صديق رهيف الحس، قلبه عمول غير فلول وفكره يقظ غير فاتر، اجتاح ساحتي بشعره الذي نظمه في مترع المكاييل بالثناء وعلم الله أنه أخجلني.. ولم أفق من سباتي إلا على "لامية" طويلة وصفني فيها ووصف مكتبتي بعد أن أصبح من زوارها. وفي وصفه رشاقة الترسل ودغدغة المشاعر ولطف التعبير وأنا لم أفرغ لكثرة مشاغلي لإجابته الأولى فكيف بهذه المعلقة الثانية".
وبهذا أشار (أبو تراب) إلى اللامية الطويلة التي لم يجب عليها حتى الآن، والتي يطالعها القارئ في الصفحات التالية، وقد استعمل فيها الشاعر الكثير من الألفاظ القاموسية التي تحتاج إلى مراجعة المعجم، فأشار إلى معناها؛ وذلك تأسياً بأسلوب (أبي تراب) في الكتابة ومحاكاة له] :
 
"ما هكذا تورد يا أبا تراب الأبل"
رسالة بعثتُها يكمنُ فيها الأمل
جعلتُها وسيلةَ القرب لعلّي أصل
فألتقي بجهبذٍ له المقامُ الأول
في العلم والفكر وما بينهما يتصل
طويلِ بـاعٍ في اللُغى وفي الترابِ فطحل
يخوضُ في بُحورهِ وما يشاءُ ينهَل
يُخرجُ من محاره لآلئاً ويصقُل
حتى إذا قدَّمها لنا الخبيرُ الصيقل
"أبو تراب" لمعَتْ كأنها السجنجل (1)
* * *
"أبا ترابٍ" هزَّني منك اليراعُ المرسل
وحكمةٌ ناصعةٌ يفصحُ عنها القَيهل (2)
وما يُقالُ عنكَ في محافلٍ ويُنقَل
أنك ذو دُعابةٍ خفيفُ ظلٍ جلجل (3)
تَهُبُّ من حديثكَ العذبِ رُخاءً شَمْأَلُ
كأنما الحديثُ إذ تُرسلُه مقرفل (4)
فسامعٌ إياه مشدودٌ له مكبّل
وعارفٌ بكنههِ بغير كأسٍ ثَمل
* * *
فقلت هذا عالمٌ بعلمه لا يبخل
ولا يَردُّ طالباً لفضلهِ إذ يسأل
فاكتُبْ له لعلّه مكاتِباً لا يُهمل
وقيلَ لي "مكتبة" عندكَ فيها المنهل
عامرة كنوزُها ضاق عليها المنزل
وازدحمتْ رفوفُها فكلُ رفٍ مثقَل
مشرَعةٌ أبوابُها لزحمةٍ لا تُقْفَل
فقلت يا ربُّ عسى يكونُ خيرٌ معجِل
لعلَّهُ يُعيرني من وِردها ما أنهل
وسوَّلت لي رغبة والنفس قد تسوّل
أن أبتغي استعارة منه وخيراً يحصُل
* * *
وقلتُ في نفسي له محدثاً يا رَجل
عليَّ ما شئتَ اشترطْ لك الخيارُ الأكمل
وإنني لراهنٌ إن كنت رهناً تقبل
وليس للكُتْبِ التي عندكَ رهنٌ يعدل
والمالُ عند عارفٍ بالكُتْبِ قد يُبتَذل
ولا العقار رهنُه لديك حلُّ أمثل
ولستُ من أصحابه وليسَ عندي منزل
فليس إلاَّ ذمة هي الرهينُ الأفضل
وإن عندي ذمةً للعُذر لا ننتحل
والعهدُ عندي موثقٌ هيهات لا يُستبدل
وعاجل من موعدي بالنجز لا يُؤَّجَّل
وإنما تجربة الرجالِ حكمٌ فيصل
وإنما الرجال بالذمةِ أو لا رجل
* * *
وهكذا جاءَكَ من عندي كتابٌ عجل
محمَّلاً أمنيتي وبالرجاء يرفُل
سلَّمهُ إليكَ إذْ لُحْتَ رسولٌ مرقل (5)
ولم أكنْ أعلم ما يُضمرهُ المستقبل
وما عرفت أنه إلى "البلادِ" يُحمَل (6)
يُنشرُ في صحيفةٍ على الملا ويُنقل
يحدّثُ الناسُ به بعضَهُم ويشغل
والبعضُ منهم يوقد النارَ فيغلي مِرجل
يقولُ فينا شامتاً: مدَّرعٌ وأعزل
تقابلاً في مطلبٍ لغايةٍ لا يوصل
إن "أبا التراب" عن كتيّبٍ لا ينزل
وعنده استعارةُ الكتابِ أمر معضل
كأنَّها محرَّمٌ نصتْ عليه الرُسل
وكلُّ من يقصدهُ عن رَدِّه لا يخجل
وليس يخشى لائماً أو عاذلاً إذ يعذل
ولا يرى لرأيه عُذراً ولا يُعلِّل
* * *
والكُتبُ عند " شيخنا " حبيبةٌ لا توصَل
إلاَّ من المُحبِّ والوصلُ له محلَّل
ووصلُها من غيرِه العارُ الذي لا يُغسَل
وهو العميد المبتلى وفي هواها مُعْوِل
وقلبُه في حُبِّها متيَّمٌ منشغل
لا يعتريه سأَمٌ من وصلِها أو ملل
وهي سواءٌ عندَه جديدها والرِعبل (7)
أكان كنزاً يُقتنى كتابه أم رهبل (8)
أم أنه (قشامةٌ) لا يبتغيها آكل (9)
فالكلُ عند "شيخنا" كتابُه المفضَّل
وكلُّها في شَرعه حسناءُ خودٌ عطبَل (10)
* * *
حِرتُ وقد أنكرني الصحبُ ولامَ العُذَّلُ
وكلُّهم يقولُ يا بئسَ الذي تؤمِّل
"أبو ترابٍ" سرُّهُ في الكتب سرٌ مقفل
وشأنهُ في صونِها شأنٌ عجيبٌ مُذْهِل
وطالب استعارةٍ منه هو "المغفّل"
فلا يَغُرَّك الذي سمعتَه فتُقبل
ولا تُصدِّقْ قائلاً "أبو تراب" نوفل (11)
ولا تظنَّ غيثَه هو السحابُ الهَطِل
فالبُخلُ في كتابهِ من (الجهام) أبخَل (12)
وفقدُهُ في حُكمهِ هو المصابُ الجَلَل
يحزَنُ عامينِ له ويعتريه وَجَل
خِشيةُ أن "يرحلَ" في إثر كتابٍ يرحَل
فكُفَّ عما تبتغي وكم سواك حاولوا
فما جنوا من روضهِ وهو النديِّ الخضل
إلاَّ لُهاثَ متعبٍ أجهَدَهم فاعتزلوا
* * *
فاتركْ "أبا ترابَ" لا يُغْرِكَ فيه أمل
فإن ما تطلبُه المحالُ منه أسهل
وقد يكونُ ردُّهُ بالرفضِ لا يحتَمل
فقل لناما العملُ؟ وأيَّ شيءٍ تفعل؟
أتستطيعُ هجوَه وهو اللسانُ المقصل
إن خاض في خصومةٍ فهو بخصمٍ معصل (13)
وعنده شواردٌ لأمرهِ تمتثل
إن كشَّرت أنيابَها يرهبها السَبهلل (14)
مدججاتٌ كلُّها مخضرماتٌ عُبَّل (15)
* * *
فقلت لستُ هاجياً بل مادحاً أُهلّل
وأرفعُ الرايةَ بيضاءَ ولا أقتتل
فلستُ إلاَّ واحداً وهو إزائي جَحفل
وهل يُرام أجدلُ وخصمه لا يَئِل (16)
ولستُ في الآداب مثلَ حظه أرتـجِل
وهو على مملكة النحو هُمام عبهل (17)
فمن يخوض لُجَّهُ وهو الخِضَمُّ الجَيحل (18)
* * *
وهكذا استعذتُ باللهِ وقلبي وجل
وخاطري مشتّتٌ ومقولي يحوقِل (19)
وقلتُ قولاً جامعاً يُضربُ فيه المثل
رحتُ به مرتجزاً "مستفعلِنْ مستفعل"
ما هكذا توردُ يا "أبا التراب" الأبل
[جده ربيع الأول 408 اهـ ]
• • •
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :529  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 72 من 146
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.