دَلَفتُ إلى الستين يا (أمَّ عامر) |
وودعتُ أحلامي وداعَ المُكابرِ |
تحَملتُها قسراً أنوءُ بثِقلها |
وهل بعدَ (ستينٍ) سميرٌ لسامرِ |
تكتَّمتُ في قلبي هموماً كثيرةً |
وجاهدتُ أحزاني بعزمِ المصابرِ |
أغالِبُها أن لا تبينَ كأنني |
أهيلُ على جمرٍ رمادَ المجامرِ |
ولكنهُ في لُبَّةِ القلبِ يلتضِي |
بغير دُخانٍ واللظى غيرُ ظاهِرِ |
* * * |
تَعلَقْتُ أذيالَ الشبابِ غِوايةً |
وألقيتُ نفسي في أتونِ المخاطرِ |
وجَرَّبتُ في دنيا الهوى كلَّ صنعةٍ |
تباريحَ مفتونٍ وطيشَ مُغامرِ |
وأرسلتُ شعري في بحارٍ بعيدةٍ |
يناجي عيونَ الفاتناتِ السواحرِ |
وألقيتُ مرساتي على كلِّ شاطئٍ |
وكانَ سوادُ الشَعرِ في الناس ساتري |
فماذا وقد لاحَ المَشيبُ أبعدَهُ |
أرى في اصطناع الحب عذراً لعاذِرِ |
ومن ذا سوى عينيكِ يا(أمَّ عامرٍ) |
يراني بإحساسِ المُحِبِّ المُثابرِ |
* * * |
أُنَبِّيكِ أني لم يَعُدْ في جوانحي |
سوى آهةٍ حرَّى وقلبٍ محاذرِ |
وقد قَرَّتِ الروحُ التي لم يكن لها |
قرارٌ سوى ما يبتغي كُلُّ شاعرِ: |
جحيمَ الهوى تفنى به الروحُ لوعةً |
وعينَيْ حبيبٍ كاذبِ الوعدِ هاجرِ |
وليلاً ثقيلَ الخطوِ"شُدَّتْ نجومُهُ |
إلى يَذْبُلٍ" يا لَلحظوظِ العواثرِ
(2)
|
مساكينُ أهلُ الشِعرِ لمْ يَعْدُ حظُهم |
من الحبِّ صَفْقَ الراحتَينِ لخاسرِ |
يَعُبُّ الهوى كأساً فكأساً سواهُمُ |
ويفنونَ في حبٍّ على الدربِ عابرِ |
يذوبونَ شمعاً يستنيرُ بضوئِهِ |
سواهم ويُذكون اللظى في المنابرِ |
وما زادُهم إلاَّ متاع المسافرِ |
ولا دار إلاَّ نائياتُ المَهاجرِ |
ولا سامرٌ إلاَّ الأسى يستضيفُهُم |
ليَطْعَمَ أهاتِ الضلوعِ الزوافرِ |
* * * |
سلامٌ بلاد السحر من عهد (بابلٍ) |
تتيهُ على الدنيا بماضِ وحاضرِ |
(جنائُنها) الخُضُر الحسانُ (تعلقتْ) |
كقنديلِ ضوءٍ أخضرِ النورِ باهرِ |
تُكَلِّلُ (عشتارٌ) مفارقَ شَعْرِها |
بزهرٍ ذكيِّ العيقِ منهنَّ عاطرِ
(3)
|
سلامٌ على (الفيحاءِ) تزهر بشَطِّها |
على جانبيهِ النخيلُ مثلُ السواترٍ
(4)
|
سلامٌ على (النهرينِ) حيثُ تلاقيا |
يَشدّانِ في شَوقٍ رباطَ الأواصرِ |
ترى ماءَها في مجريينِ فواحدٍ |
شمالاً وثانٍ للجَنوبِ مسافرِ
(5)
|
وقد مدَّ كلٌّ منهما في تشوّقٍ |
ذراعَيْ مُضيفٍ يلتقي كُلَّ زائرِ |
تُحيّيهِ بالنخلِ المُدِلِّ عَذوقَهُ |
عناقيدَ في تلكَ الضِفافِ النواظرِ |
إذا هزّها مَرُّ النسيمُ تناثرتْ |
على الأرضِ مثلَ اللؤلؤِ المتناثرِ |
* * * |
سلام على (دار السلام) وأهلها |
سلام على (بغداد) أم الحواضر |
على (الجسر) ما انفكت على كل جانب |
(عيون المها) تختال عند المعابر |
(جلبن الهوى من حيث يدري) قتيله |
(ومن حيث لا يدري) بحدِّ الفواتير
(6)
|
سلامٌ على (الحدباء) تُهدي لأهلها |
(رَبيعينٍ) موقوتاً بأعقاب باكر
(7)
|
سلامٌ على تلك (الينابيع) ترتوي |
بعالي الذُرى منها جذورُ المَقاصر
(8)
|
سلامٌ على تلك الجبال سفوحُها |
بساط كمثل السُندُسِ المتناظر |
تراها إذا (النُوروزُ) حلَّ تزخرفتْ |
بزهر كألوان الفراشات باهر
(9)
|
يُغني مع (اللاووكِ) لحن البشائرِ |
ويهفو إلى رجعٍ لعزفِ المزاهر |
وقد هزت السفح البديع بخطوها |
رشيقا صبايا تلتقي بالخواصر |
تميل على عاج الصدور قلائد |
بأعناقها جذلى لعزف الأساور |