| وجيبُ القلبِ ليسَ له بديل |
| وصفوُ دمائه دفقاً يسيلُ |
| ونور في العيون إذا تراءى |
| يقوم على الحياة به الدليلُ |
| وفجرُ ليسَ تنكره الليالي |
| وشمسٌ لا يُشامُ لها أفولُ |
| وميقات الكواكب في سُراها |
| تحوّلتِ الدهور ولا يحولُ |
| كذلك حُبنا -لولا المنايا- |
| تزول الراسيات ولا يزولُ |
| * * * |
| سرى ما بين روحينا وصالاً |
| شرايين القلوب لها رسولُ |
| يعيش على مدى العمرين فينا |
| وما طال المدى بهما يطولُ |
| نديّاً لا تجفُّ له غصون |
| إذا اختلفت بروضته الفصولُ |
| ولا تظمأ له أبداً جذورٌ |
| رواها من عيونِكِ سلسبيلُ |
| ولا تلوي بها ريحٌ عصوفٌ |
| لوى عُنُقاً لها الشجر الهزيلُ |
| * * * |
| ربيع حبنا ما زال يذكو |
| شذاه والقلوب له مقيلُ |
| تفجر في حنايانا عيوناً |
| بها يبرا من الظمأ الغليلُ |
| تجديد حبنا مهما تناءت |
| بنا الأيام وانقطع السبيلُ |
| وطالت غربةٌ ودجتْ ليالٍ |
| وعزَّ إلى مرابعكِ الوصولُ |
| لقد أسكنْتُهُ قلباً وفياً |
| لغيرِك لا يقارب أو يميلُ |
| يعيش بخاطري ويمدُّ روحي |
| بأسبابِ الرضا منه قليلُ |
| * * * |
| تمادى ظلم هذا الدهر فينا |
| "وإن الظلم مرتعُهُ وبيلُ" |
| نأى غدراً عما عشقنا |
| فلا أرض العراق ولا النخيلُ |
| ولا أهلٌ تشاركنا هموماً |
| وكل همومنا عبءٌ ثقيلُ |
| * * * |
| تداعى الأمسُ لي من ذكرياتي |
| وأينَ الذكرياتُ وما تقولُ؟ |
| فلا "الغرّاف" مهد صباي فيه |
| ولا صفصافُه الخَضِلُ الأثيلُ
(1)
|
| ولا قيلولة الشاطي يقينا |
| ضراوةَ شمسها ظلٌّ ظليلُ |
| وأشرعة المراكب وهي تجري |
| تُغذُّ مسيرَها الريحُ الشَمولُ |
| تسابقها خيوطُ الشمسِ فجراً |
| ويُسلِمُها إلى الليل الأصيلُ |
| وتغفو في صواريها الليالي |
| وليل الساهرين بها طويلُ |
| يشُحُّ الماء في مجراه صيفاً |
| فيؤنسنا به الرمل المهيلُ |
| ونحفُرُ في قرارتِه فيبدو |
| كماءِ العينِ رقراقاً نَشيلُ |
| ونهفو للشواطى عامرات |
| بساتيناً تحيطُ بها الحقولُ |
| نُغالبُ سورَها حتى نوافي |
| كنوزاً لا يعادلها عديلُ |
| نهزُّ بها جذوع النخل حتى |
| إذا ما اسّاقَطَ الرُطَبُ الخضيلُ |
| جمعناه وقد أغفى بعيداً |
| عن الأنظار ناطورٌ كسولُ |
| * * * |
| هفا قلبي، فهل عَوْدٌ رفيق |
| على بدء وذاك المستحيلُ |
| فلا الراعي ولا خُضْرُ المراعي |
| ولا أمٌ يداعبها الفصيلُ |
| ولا الطََرْفاءُ تَحطِبُها العذارى |
| فيوخزَها من الشوك القطيلُ |
| يحاولن الفؤوس به فتعيا |
| ويستعصي عليهن النجيلُ |
| تميل شعورهن إليه شوقاً |
| فيعلق في مصائده النسيلُ |
| فيجمعن الحصيل وقد تلوّى |
| وشد وثاقَهُ حبلٌ وثيلُ |
| * * * |
| نأتْ عني الديار فلا نَقيلُُ |
| ولا بُرُدٌ تجيءُ ولا رَسولُ |
| ولا (بغداد) حيث (أبو نؤاس) |
| ودجلة والهوى والزنجبيلُ |
| "ومسقوفٌ" من السمك المنقّى |
| يُشَبُّ له من الحَطبِ الجَزولُ |
| تَجَمَّعَ حولَهُ رهطٌ نشاوى |
| على لهبٍ رؤوسهم تميل |
| ولا سجع الحمام على قباب |
| المساجدِ يستظلُّ ولا الهديلُ |
| و(صحن الكاظمية) إذ عقدنا |
| رباطَ العُمرِ شاهِدُنا قبيلُ |
| * * * |
| تباعَدَ عهدُنا عمّا عَهِدْنا |
| ولا ندري أيقصرُ أم يطولُ |
| وشَذَّبَ من مطامحنا – فجفت |
| رياض غصونها – داءٌ وبيلُ
(2)
|
| أصاب قلوبنا فإذا كلانا |
| -وإن عِشنا- بطعنته قتيلُ |
| تحيّرتِ الأساةُ فليس إلا |
| احتمال الكربِ والصبرُ الجميلُ |
| فوا لهفي إذا الميعاد وافى |
| بأيامي وأن أزف الرحيلُ |
| واغمضت الجفون فلا وجيب |
| يُحَسُّ ولا إلى الدنيا سبيلُ |
| وصوّحتِ الشموع فلا فتيلُ |
| وأُرخيَتِ الغلائلُ والسُدولُ |
| ولم أتنشّقِ العِطرَ المُندّى |
| لدجلةَ أو تطالعني النخيلُ |
| وإن لم يروني منها نميرٌ |
| وعزَّ إلى شواطئها الوصولُ |