ينطفئُ الليلُ وتمضي النجومْ |
كُلٌّ إلى مخدعها والظلامْ |
يدُبُّ نحو الجانبِ الآخرِ |
من عالمٍ لا ينامْ |
وأهلُه لا يعرفونَ السكونْ |
من مشرقِ الشمس إلى مغربها يكدحونْ |
وتحتَ جنحِ الليل في الظلمة يكدحونْ |
جرياً إلى الشمس |
طِوالَ الليلِ يركضون |
سعياً إلى الليل |
مع النهارِ يركضون |
في طلبِ الحياةِ |
أو خوفاً من المماتْ |
حبّاً بنور الشمس أو رعباً من الظلامْ |
لا بدَّ يركضون |
كأنهم فيها على سباقْ |
كأنهم أشباحُ موتى |
نفضتْ أكفانَها |
تحلُمُ أن يستيقظَ العراقْ |
وينفضَ الذلَّ الذي |
رانَ على دجلةَ والفرات |
وسمَّمَ الشواطئ الخضراء |
واغتالَ في نفوسنا الطموحَ والرجاءْ |
* * * |
قد. رحلَتْ يا وطني النجومْ |
والقمرُ الملطَّخُ الأضواءْ |
عادَ إلى ديارِهِ |
لكننا لم نلمحِ النهارْ |
ولم يَلُحْ خيطٌ من الشمس على ضفافنا |
هل غضبت؟ |
أم أنها الغيومْ |
قد ضربتْ من دونها الأستارْ |
أم أنها خجلى لأن الضفافْ |
قد نسيتْ ضحكَتها |
ومزَّقَتْ في ليلة العرس |
ثيابَ الزفاف |
وأغلقتْ من دونها الأبواب |
واختبأت تحت ضلال النخل والصفصافْ |
تخافُ كلَّ قادمٍ |
تخالُه الموتَ |
وقد أضاعت العفافْ |
تحسبُ أن أهلَها |
ما زالَ فيهم رمقٌ أو حدُّ سكّينْ |
وليسَ تدري أنهم صاروا مساكينْ |
وماتت النخوةُ والمروءةُ الشمّاءْ |
وانتشر العارُ على وجوههمْ |
كالسُلِّ كالجَربْ |
ولم يعودوا. يعرفون أصلَهمْ |
وضيّعوا الأحسابَ والنسبْ |
وماتت النيرانُ في موقدهمْ |
وانطفأ اللهب |
لأنهم بيادقٌ في رقصة شوهاءْ |
دُكَّتْ بها القلاعُ، والخيلُ غدت عرجاءْ |
وأصبح الوزيرُ سمسارا |
على بوّابة السلطان في المساءْ |
وفي الصباحِ حارساً يجلد بالسياط من يشاءْ |
ليحرسَ القصرَ من العبيد والدَهْماءْ |
* * * |
بلادنا |
يا حسرة الجبال والأنهار والماءْ |
يا خيبةَ الأشجار في أغصانها ينتحرُ الرجاءْ |
والدجلتينِ انطوتا |
على ضفافٍ كاد أن يخنقَها البكاءْ |
الشمسُ في بلادنا |
للآنَ تخفي وجهها تنظر باستحياءْ |
تأنفُ أن تُشرق في ديارنا |
لأنها تعرفُ ما الحياءْ |
وهي ترى وجوهنا بليدةً خرساءْ |
شفاهُنا لا تحسنُ الغناءَ للشمسِ |
ولا تعرفُ ما الغناْ |
ولم تعدْ عيونُنا تعرف لون الضوءِ |
أو تهفو إلى الضياءْ |
لأنها قد عَميتْ من زمنٍ بعيدْ |
وأظلمت أحداقُها فلا ترى الأشياءْ |
بل إنها سعيدةٌ بعُميها السعيدْ |
تهتفُ في أعماقها |
ما أروع العَماء |
وتهمسُ الأسماعُ في سكوتها |
ما أجمل الصمتَ لدى الأحياءْ |
وليس تدري أننا لسنا من الأحياءْ |
بل إننا جنازةٌ ترقصُ في الظلام كالأشباحْ |
حتى تكف (شهرزادُ) القصرِ |
عن كلامها المباحْ |
ويغزل الفجر خيوط النور للصباحْ |
فتنطوي أجسادنا في ظلمة القبورْ |
تنتظرُ الخلاص من لحودها |
وساعةَ النشور |
يا وطني يا أيها المعذّب المقهورْ |
ما زال (إسرافيلُ) |
من عهدِ (رسولِ اللَّهِ) حتى يومنا |
يلتَقمُ (الصُّورْ)
(1)
|
فهل تظلُّ تألفُ العذابَ |
حتى يؤذِنَ الله بها |
لتمّحي الشرور؟ |
* * * |