حفارُك الملحودْ |
لو أحيا الإِلهْ |
رميمَهُ الفاني وعادَ إلى الوجودْ |
لرأى النيازكَ وهي تهوى |
والقنابلَ كالرعودْ |
تدُكُّ أعذاقَ النخيلْ |
وتصُبُّ من كبد السما |
حمماً تسيلْ |
على المدائن والقُرى |
تتخطَّفُ الأرواحَ تخطئ أو تصيبْ |
فالموت صار بأرضنا |
"حظْ يا نصيبْ" |
يسلُّ من حضن أمّهِ |
طفلاً يتوقُ إلى الحليبْ |
يهدُّ بيتاً سقفهْ |
أوى الحبيبة والعجيبْ |
كانا هنا يتناجيان ويحلمانْ |
فأفزع الأحلامْ |
كابوسٌ رهيبْ |
يوزع الموتَ الزؤامْ |
بالعدلِ والقسطاسْ |
لا ( جيكورْ) تخشى أن تُضامْ
(1)
|
ولا ربوعُ (أبي الخصيبْ) |
* * * |
لو عاد (حفار القبورْ) |
لرأى رياحَ الموتْ |
وهي تهبُّ من كل الجهاتْ |
من الجَنوبْ |
من حيث تمتدُّ البحارْ |
على كنوز اللؤلؤ المكنوز في قلبِ المحارْ |
من الشَمالْ |
من حيث تطوي دجلةُ اللهفى |
إلى لقيا الفراتْ |
بطون أودية الجبالْ |
ويحَ الردى |
ألقى عصا الترحالْ |
في أرض العراقْ |
على شواطئِهِ يُقيمْ |
يحيلُ وجه الصبح كالليل البهيمْ |
يجولُ في الطُرُقاتْ |
يدخلُ للبيوتْ |
يهدهدُ الطفلَ الفطيمْ |
على دويّ الرعب مقتلعاً سريرهْ |
يرميه في وجه الجدارْ |
ويلتقيه براحتيهْ |
لكي ينامَ هناكَ نومته الأخيرهْ |
* * * |
لو عادَ حفارُ القبور إلى هناكْ |
إلى بلادِ التمر والنخل الظليلْ |
ورأى الدمَ القاني يسيلْ |
وجثة الأخ في الترابْ |
لم يحتفرْ قبراً لهابيل القتيلْ |
ولصاحَ من أعماقه: |
قابيلُ لا تدفنْ أخاكْ |
فإنَّ ما فعلَ الغرابْ |
حكايةٌ طُويت مع الزمن الطويلْ |
أو مَا تُحِسُّ الجوعَ يعوي كالذئابْ |
في كل درب حيثُ آلافُ الجياعْ |
تكادُ تلتهمُ النخيلْ |
ألا ترى الأجسادَ راقصة تغني |
أينعَ المرعى |
فأطعمْ قومَكَ الجوعى
(2)
|
لحومَ الأخوة الصرعى |
فخيل البغي في أجسادهم ترعى |
وتشربُ حين يشتد الظما دمهمْ |
وتشرب منهم الدمعا |
سواءٌ عندها أن تأكلَ الطفلا |
أم الشيخ أم الكهلا |
لماذا يأكل الأغراب |
أبناءَ الأخ القتلى |
فنحن الأهل يا قابيلْ |
نحن بلحمهم أولى |
فأطعِمنا لحومَ الأهلْ |
لا أبقتْ لنا كفُّ القضا أهلا |
وإن قال لكَ الكُهَّانْ |
لحمُ الأخ لا يؤكلْ |
فقل كلا |
هُراءٌ ما تقولونْ |
فقد حلَّلتمو أكلَ الأخ المقتولْ |
مُذْ حلَّلتم القتلا |
* * * |
هنيئاً أيها الحفارْ |
قد عدتَ فهالتِ الفأسْ |
واحفرْ هذه الأرض لنا قبرا |
فإن جراحنا |
هيهات لا تَبرا |
وإن وسَّدتَ قتلانا |
لحودَ الموتْ |
فاقطع صلة الأرحامْ |
عن أجسادها بترا |
وذرِّيها بوجه الريحْ |
تحملُها إلى الصحرا |
وخَلِّ دمائنا تجري |
فمن أحرى |
من الأوباش تحكمنا |
بحدِّ السيفْ |
كي تجري لهم تِبرا |
* * * |
هنيئاً أيها الحفارْ |
قد كنتَ حريصاً أن تموتَ الناسْ |
كي تدفع عن أطفالك الفقرا |
وقد أغناكَ أهلونا |
فبارِكْ رزقَكَ الموفورْ |
يزددْ إن تزدْ شكرا |
وبُشرى |
إن أطفالَك بعد اليوم لن تعرا |
فإن جلودَ قتلانا |
تُخاطُ لجلدهم سترا |
يقيها البردَ والحرّا |
وإن عظامَ موتانا |
كصخر (الهرم الأكبر) لا تبلى |
فمن أضلاعهم إن شئتَ |
شيِّدْ واتَّخِذْ قصرا |
وإن دموعَ ثكلانا |
سنعصرُها لهم خمرا |
ألستَ ترى رؤوسَ الحاكمين اليومْ |
من دمنا انتشتْ سكرى |
* * * |