شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نحن نَدْري أنَّ الهوى قَدْ تَبَغْدَدْ!؟ (1)
[بقلم: الأديب الكبير، الشيخ (أبي تراب الظاهري)]
قال أبو تراب:
لا جرمَ إنّ وُدَّ الدكتور الفاضل زاهد محمد زهدي قد تمكَّنَ من مجامع القلب، وثوى في أقطار الفؤاد، وارْتبعَ بين الجوانح، فإذا أطْرقتُ لأُنقِّبَ عن سِرِّ السبب وجدته ذا سَبَلَتَيْنِ آثنتَيْنِ، شِقٍّ يذهب بي إلى خُلقهِ العالي الذي جبله الله عليه، وهو ألْيقُ بذوي النَّباهةِ، وأحق بالمدح، وأزْين في السُّمعة، وشِقٍّ يجذبني إلى نَتوجِ قريحته الفياضة بالشعر الذي طُبع عليه، فهو يعوم في يَمِّهِ ويَتَنَاثََلُ على لسانه انصباب الماء الهمور وكان في خريرهِ عذباً زُلالاً، يترقرق إذا انساب، ويبدو كاللُّؤلؤِ إذا قَطَر، فيطيب في النَّشر، ويجمُلُ في الأُحدوثة، ويتألَّق سناؤه، ويبهر جماله، ويعجب ذوي الدُّرْبة نسجُ لُحْمته وسَداهُ.
فهل رأيتم رجلاً هذا ملء إهابه، وجُمَّاعُ محاسنه يَقْلاهُ مَنْ تُرنِّحُه ترانيمُ الأشعار، ويُطربه شدْوَ الأطيار، وتُنعشُ روحه نُسَيْماتُ الأسحار، كلا.. فإن مثلَ هذا الشاعر يُميلُ مَقانعَ المحافل لِتُقْْبِلَ عليه صاغيةً، ويَنْتزعُ المسامعَ لِيْؤَلِّلَ الآذانَ نحوه، ولا غَروَ فهو سليل أولئك الشعراء المُفْلِقينَ في العِراقَيْنِ، اتَّحَدَ معهم في المَشْرَب، ورَضِعوا سَواسيةً لِبانَ أثْداءِ المعاني والألفاظ غِزاراً، حيث أرْواهم الفُراتُ ودِجْلةُ بالقريض نَهَلاً وعَلَلاً.
ما سألنا عن الهوى آهل نجد
نحن ندري أن الهوى قد تبغدد
وعَلِم الله أني مذ اجتمعت بهذا الشاعر العراقي خفيف الروح والظل، لطيف الحوار والمَعْشر، وسَبَرْتُ غَوْرَ موهبته، وأنِسْتُ بخِلالِه الحميدة ابتداءً من استِنْبائِه عن أصحابه، وجمليه لأحبابه، إلى صحيح عزائمه وفعله لإزجاء العُرْفِ إليهم، امْتَدَّتْ بيني وبينه أَرْشِيَةُ التَّزوار، لتأكيد علاقةِ الوُدّ، وإبرامِ رَبْقَةِ التواصل، يأتيني لأَسْمَعَ من أحْدثَ ما أمْلَى عليه فِكْرُهًُ، ورُبَّما طارَحَني بقصيدةٍ كأمِّ اللُّهَيْمِ، وهو يَعْني:
فقارضيني إذا ما اعتادَنِي طَرَبٌ
وَجْداً بوَجْدٍ وسُلواناً بِسُلْوانِ
فإن كنت نشطاً أجبت من وزنه وقافيته، وإن أَلْفَيْتُ في نفسي فتوراً أرْجأْتُ مُعارضتَه حتى يصفو لي الجو بعد الدَّوِّ.
هذا مع البَوْنِ الشاسعِ بين نظمي وبين شعره المرفرف، فزينته به معصوبـة، وبهجته له لائحة، وفخرُهُ إليه راجع، وزُخْرُفُه عليه عائد، ولقد شهـد له أهل الحِرْفَة والفن بأن ديباجته مَوموقَة، ومَمادحَه مَعْشوقة، وطُنُبَـهُ مَرْموقـة، وأفْوافَه زاهيةُ الحواشي، سواءٌ خَمَّرَ معانيه في الذهـن أم أرتجل كلماتهـا الموزونة مُسْتَرَطَةً، كأنما هي في آنية البِلَّور قالباً لِميزان نُضارِ الشعـر تَتَلأْلأُ جُماناً مُنَمْنَماً.
إذا أخَذَ القِرطاسَ خِلْتَ يمينَه
تُرَصَّعُ دُرًّا أو تُفَتِّحُ جَوْهَرا
وبالجملة فإن من حق الصديق النابغة الدكتور زاهد على مِرْقَمي آن يَزْبِرَ هذه الكُليمةَ المُقْتَضَبَةَ تَقْدِمَةً لِديوانِه الجديد، عَلَّها تفي ببعض التعريف به، وعسى أن يرتضيها هو.
ولا يفوتني في ختامها أن أشير إلى صنيع كريم الأعطاف، مُكْرِمِ الأضياف، زعيمِ الاثْنَوِيَّةِ الصديق المفضال عبد المقصود خوجة الذي أَنْفَقَ على طبع هذا الديوان الطريفِ من ماله ما جاء بذله بِسُخُوَّة نَفْسٍ وطيبتها، كما هو معهودٌ ويعرفه عارفوه، كيف وقد بَلَّ الشاعر صداه بِنَدَى شعره، وطَلِّ نَسيبِه، ونجلُ خوجة له ذَوّاقة، وأذنه إليه طرّاقة، وجِرِشَّاهُ صوبه توَّاقة، كَلأَهُ الله من كُلِّ لَفَّاقَة، وجَعَلَ حُسْنَ مقاله مترجماً من خير فعاله، وصَيَّرَ في ذِكْرَها في الأفواه قَنْدَاً مُتَلَمَّظاً؟
وكتب أبو تراب الظّاهري عفا الله عنه
في 18/9/1412 هـ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :514  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 146
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

التوازن معيار جمالي

[تنظير وتطبيق على الآداب الإجتماعية في البيان النبوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج