حانوت البقالةِ صار يبيع القماش |
الأبيض.. |
والمَنْجَرُ لم يُنْجِزْ صنعَ سريرٍ لطفلي |
منذ شهرين.. |
إنه منشغل بصنع التوابيت الخشبية |
الرجل الذي كان يبيع الزهور – |
يفترش الأرصفةَ اليوم، عارضاً للبيع |
الأحذية المستعملةَ والثيابَ القديمة |
إنَّ رائحةً لم أألفها من قبل، تنبعث |
من الأسواق.. |
تشبه رائحة الخُوَذ الفولاذية التي |
تركها الجنود - حين نزعوا ملابسهم |
الخاكيَّةَ، متجهين نحو الضفة الأخرى |
من نهر الدم، وهم يلوِّحون "بالفانيلات" |
البيضاء! |
أشعر بالاختناق - مع أني في مدينتي |
وليس في سفينة للقراصنة! |
إنّ جرحي لا يحتاج إلى مبضع.. |
دعوه ينفجر من تلقاء نفسه.. |
فما جدوى أنْ يشفى جرح الجسد - إذا |
كان جرح الضمير عصيّاً على الشفاء؟ |
* * * |
مَنْ ينقذني منّي؟ |
في الوطن، أكتب عن المنفى.. |
وفي المنفى أكتب عن الوطن! |
قد أكون جالساً الآن على بقايا غابةٍ |
أفريقية - أو في حقل استوائي.. |
آهِ لو تعرف هذه الأريكةُ – |
أيةَ شجرةٍ كانت بالأمس.. |
آهٍ.. يا قلقي المُزْمِن.. حتى وأنا |
مُسْتَلقٍ فوق سريري الخشبي في بيتي: |
أشعر أنني مستلقٍ خارج الوطن.. |
فالأشجار في غابات بلادي لا تُستخدم |
لصنع الأسرةِ أو أراجيح الأطفال.. |
إنها تستعمل لصنع المشانق، أو |
هراوات الشرطة.. |
أمّا الأرائك: فإنها تأتي من غاباتٍ |
بعيدة.. بعيدة - بُعْدَ الحريةِ عن |
وطني المعتقل! |
* * * |
لماذا يستميتُ الطغاةُ من أجل الجلوس |
على كرسيّ السلطة؟ |
أمس رأيتُ شحاذاً يجلس على الرصيف.. |
فَذُهِلْتُ: |
لقد اكتشفت أَنّ كُلاًّ منهما، |
يجلس على "قِفاه".. |
كلاهما يجلسان على "المؤخرة"!!! |
* * * |
حين دخلتُ حديقة الحيوانات، ذُهِلْتُ.. |
كان القِطُّ البريُّ أليفاً كالشجرة، |
والنسانيسُ هادئةً، لا تحتج على |
ضحكات الأطفال المتقافزين.. |
والدِّبَبَةُ القطبيةُ وديعةً كالخِرافِ، |
تماماً كأعضاء "مجلس قيادة الثورة".. |
لكنَّ قفصاً كبيراً في الجهة اليسرى، |
قفصاً يَسَعُ خنزيراً ضخماً، بقضبان |
حديدية سميكة - كتلك القضبان |
المستعملة مشانقَ في وطني -، جعلني |
أتساءل، إنْ كان سيكون منزلَ |
حيوانٍ خرافيّ جديد.. |
حيوان لم تعرفه الغابةُ والبريَّةُ.. |
ترى، هل سيكون المقرَّ المؤقتَ |
لراعي خِراف القيادة القطريةِ في بغداد، |
آخر ديناصورات الزمن الهمجيّ؟! |