صَبَوْتُ وللهوى صَبَتِ القلوبُ |
فحقلي تَسْتَحِمُّ به الطيوبُ |
ولي قلبٌ تتوقُ له العذارى |
على شَغَفٍ، تنامُ به خَلوبُ |
تُقَبِّلُها يدي، وَلَرُبَّ كَفٍّ |
عن الشفتينِ في لَثْمٍ تنوبُ |
يكاد إلى وريقِ الثغرِ منها |
يَفُرُّ فمي، فَيَخذِلُهُ الوثُوبُ |
تُحَدِّثني فَيأْرقُ نهر عطرٍ |
على شطآنِهِ ثَملَ الأديبُ |
وكاد على مَرايا الجيدِ منها |
يسيلُ الضوءُ والأَلَقُ الرطيبُ |
وَعَتَّقَ ليْ الهوى في مُقْلَتَيْها |
رحيقاً ما لِشارِبِهِ ذنوبُ! |
مُطَيَّبَةُ الثنايا في عفافٍ.. |
فليس لها – سوى أَرَقي – عيوبُ |
تَطَبَّعْتُ الهوى مذ كنت طفلاً |
فقلبي من صَبابتِهِ خَضيبُ |
تعالَ تعالَ.. يا مَرَضاً لذيذاً |
سألتُ اللَّهَ يُزْمِنُ.. لا يَطيبُ |
تعالَ تعالَ، نُرْجِعُ للمرايا |
وجوهاً باتَ يرهقُها الشُحُوبُ |
تعال تعال نَخْتَتِمُ المراثي |
تعالَ تعالَ من فَرَحٍ نذوبُ |
تعال، غَسَلْتُ بالصَلَوات روحي |
وفوق فمي تَزَهَّدَ عّنْدَليبُ |
* * * |
أكادُ أُجَنُّ: ما لحريقِ عشقي |
إذا ما شَبَّ: يُطْفِئُهُ اللهيب؟ |
أكادُ أُجَنُّ، ما لنجوم ليلي |
تراقبني، ولي نُسْكي رقيبُ! |
أكادُ أُجَنُّ، ما للقلب يأبى |
مطاوعتي، وقد كَثُرَتْ نُدُوب! |
تَقَرَّبْ يا بعيدُ.. فأنت أدرى |
بما يشكوهُ عاشقُكَ القريبُ |
على شفتيك فاضَ دمي، وليلي |
على عينيك يغفو، هل أتوبُ؟ |
أَقَلْبٌ ليْ فأعشقُ ألفَ نبعٍ |
بِمَنْ أَحْبَبْتُ؟ أمْ عندي قلوبُ؟ |
وما عَرَفَ الصدود سليلُ قومٍ |
بداءِ العشقِ من زمنٍ أُصِيبوا |
يُبادِلُ بعضُهم بالوصل عمراً |
لهم في العشقِ نحو غدٍ ركوبُ |
وقلبي ما اعتراه غبار حقدٍ |
وإنْ أَلْقَتْ غُلالَتَها الحروبُ! |
وكم غَنَّيْتُ عن وطنٍ جريحٍ |
تُهانُ به المحبَّةُ والشعوبُ |
* * * |
فيا نَخْلَ العراقِ متى نؤوبُ |
لِيَجْمَعَنا شمالٌ أو جَنوبُ |
ويا ماءَ العراقِ ألا ارتواءٌ؟ |
ذَوى حقلي، وبُستاني جَديبُ |
ربيبُ هواكَ قلبي، كيف تَأْبَى |
له وصلاً؟ ويفديك الربيبُ! |
حَمَلْتُ تميمتي جُرْحاً وحزناً |
خُرافيّاً – وذا زمنٌ عَصيبٌ |
وللجرحِ الأخيرِ نزيفُ روحٍ |
وما للروحِ لو نَزَفَتْ طبيبُ! |
نَصَبْتُ على سفوح الموتِ كوخي |
وقد ضاقَتْ هضابُكَ والسهوبُ! |
وليس أَذَلَّ من ماءٍ وخبزٍ |
يجودُ به المنافقُ والكَذوبُ |
يُراوِدُني النعيمُ على عَفافي.. |
فَيَأْباهُ التَنَسُّكُ والنَسيبُ |
فما شَرَفُ الهوى من دون عهدٍ |
نموتُ عليه ما ثَقُلَتْ كروبُ؟ |
وحسبي قد سقيتُ حقولَ قومي |
دماً صِرْفاً – وما اقتربَ الوجيبُ |
أنا ابنُكَ يا عراقُ.. على اشتياقي |
أصونُ العهدَ إنْ عَصَفَتْ خطوبُ! |
فعذراً يا عراقُ إذا اشْتَكَيْنا |
عتاباً، فالهوى أَمْرٌ غَلُوبُ! |
أَتَعْرِف عاشقاً قد كان طفلاً |
غَداةَ مضى، وجاء بهِ المشيبُ؟ |
غداً آتي فلا شَفَةٌ تُغَنّي – |
مواويلي.. وتنكرني الدروبُ! |
وَتُطْفَأُ ضحكةٌ كحفيفِ زهرٍ |
ويومئُ نازلٌ: هذا غريبُ!! |
كأني ما نَسَجْتُ الروحَ شعراً |
ولا رقَصَتْ لقافيتي طروبُ! |
* * * |
فيا أهلَ الهوى صبراً جميلاً |
فإنَّ غدَ العراقِ غدٌ رحيبُ |
ويا أهل الهوى لا طابَ حبٌ |
بقلبٍ لا يرى شَعْباً يذوبُ |
أَضاعَ ليَ الشبابَ ظلامُ كهفٍ |
غُرِسْتُ به، وطاغيةٌ لَغُوبُ |
إذ قيلَ "العراقُ": وَضَعْتُ كفّي |
على قلبي، وَيَخْنِقُني النحيب! |
كأني قد شُدِدْتُ لِرَحْمِ أمي |
بسَعْفِ نخيلِ دجلةَ يا عَذوبُ! |
وما نَكَرَ العراقُ هواي، لكنْ |
تَنَكَّرَ ليْ، وللوطنِ "المهيبُ" |
"وإنَّ غداً لناظرِهِ" بعيدٌ |
إذا صَمَتَ المفكِّرُ والخَطيبُ! |
إذا اسْتَعْدى الجنوبُ على شَمالٍ |
ونامَ على ضَحاياه الجنوبُ! |
وما نَفْعُ الحمائلِ دونَ سَيْفٍ |
يَذودُ بهِ عن الشَرَفِ الطَلوبُ؟ |
فيا شعراءُ، يا خُطباءُ: عندي |
لكم من شعبِنا عَتَبٌ يَهيبُ |
"أبو تمام" حَمَّلَني عتاباً.. |
"وأحمدُ" و"المعرّي" و"اللبيبُ"
(1)
|
وأطفالُ العراقِ، وكلُّ أُخْتٍ |
مُشَرَّدَةٍ، وَشُبّانٌ، وَشِيبُ |
لكم شَرَفُ البداءةِ في جهادٍ |
ولولا فجرُكُمْ: ما طابَ طيبُ |
حملتم رايةَ الإِسلامِ طرّاً |
فما ذُلَّتْ – بِنَخْوَتِكم – عَروبُ |
فما لقصائدِ الشعراءِ تشدو |
لليلى – وهي فاتنةٌ لَعُوب؟ |
وأَنْتُم في كتابِ الشعرِ "كعبٌ" |
و"حسانُ بن ثابتَ" والمُثِيبُ |
أَيَغْتالُ القصيدَ مليسُ جيدٍ |
وثغرٌ للهوى لا يَسْتَجيبُ؟ |
فيا شعراءُ: هذا الجرحُ جرحي |
وجرحُكُمُ، لنا شَرَفٌ سليبُ |
إذا سَكَتَ القصيدُ عن الخطايا |
فلا كان القصيدُ، ولا الأديبُ! |
* * * |
وليْ قلبٌ إذا مَا رَفَّ هدبٌ |
بأرضِ الشامِ: نبضي يَسْتَجيبُ! |
وأقسمُ: ما شَدَوْتُ بحبِ أنثى |
ولا عَبَثَ الهوى بيَ والحبيبُ |
"حِجازيٌّ" تُقايَ، وإنَّ عشقي |
وقد أَحْبَبْتُ: "نَجْدِيٌّ" قشيبُ |
وَطَهَّرَني من الأدران بيتٌ |
حَجَجْتُ له، وعافاني "القليبُ" |
قد الْتَحَما معاً عشقي ونُسكي |
كما التَحَمَتْ بلادُكُمُ الخَلُوبُ! |
ونحنُ إذا اشتكى ظَبْيٌ بنجدٍ: |
بَكَتْ "أربيلُ" وانْتَحَبَ "الخَصيبُ" |
وإنْ هَطَلَ السحابُ على "عسيرٍ" |
ففي "بغدادَ" تَخْضَرُّ الدروبُ! |
وإنْ لَثَمَ الربيعُ حقولَ "أبها" |
تَغَنّى "بالسماوةِ" عندليبُ |
عَشِقْنا هذهِ الأَفياءَ لمّا |
حَباها اللهُ مجداً لا يؤوبُ |
كأنّا تَوْءمانِ بِرَحْمِ أُمٍّ |
وإنْ عَزَّ المزارُ فلا نَجُوبُ! |
فَوَاقَوْماهُ من رُزْءٍ عظيمٍ |
أصابَ الرافدين ولا مُجِيبُ! |
يَئِمُّ بنا الصلاةَ ربيبُ كُفْرٍ |
لهُ في البَغْيِ مُنْتَجَعٌ مُرِيبُ |
فَقِبْلَتُهُ المدافعُ والخَطايا |
وَكَوْثَرُهُ من الصَهْباءِ كُوْبُ! |
وفاضَ العُمْرُ في بغداد لمّا |
تَوَحَّلَ في رذائلِهِ "المَخِيبُ"! |
* * * |