عيناكِ كُحْلُهما الأفياءُ والأَلَقُ |
وكُحْلُ عيني رمادُ الحزنِ، والأرَقُ |
وللنعيمِ على نَهْرَيكِ أَشْرِعَةٌ |
ويستريحُ على شطآنِكِ الشَفَقُ |
وليس لي شاطئ يهفو لأَشْرِعتي |
إلاَّ مرافئُ ليلٍ عافَهُ الغَسَقُ |
رياشُكِ الدِفءُ لم تَقْرَبْكِ فاجعةٌ |
أَمَّا رياشي؟ فَصَخْرُ الصَّبْرِ والقَلَقُ! |
فكيف يُجْمَعُ ذو ضَيْمٍ وذو بَطَرٍ |
وقد تبايَنَت الأهواءُ والخُلُقُ؟ |
وأيُّ عاشقةٍ تسعى لِذي سَفَرٍ |
متاعُهُ الحِبْرُ والأقلامُ والوَرَقُ؟ |
مُطارَدٌ يَتَسَلَّى في حرائِقِهِ |
أهدابُهُ من لظى عينيهِ تَحْتَرِقُ؟ |
قد اعْتَنَقْتِ من الدنيا مباهجَها |
أمّا أنا؟ فهمومَ الناسِ أَعْتَنِقُ…! |
ماذا يُزِينُك في صَبٍّ خلائقُهُ |
أَنَّ الهوى عنده: الإِبحارُ والغَرَقُ؟ |
لقد شربتُ ولكنْ لا كما شربوا |
وقد عشقتُ ولكنْ لا كما عشقوا |
وكنتُ لو نَزَلَتْ في الحيِّ فاتنةٌ |
جُنَّ الفؤاد، ونبعُ الشعرِ يَنْبَثِقُ |
نَما على شفتي نهرٌ، وفي مُقَلي |
فجرٌ وراءَ جدارِ الحزنِ يَأْتَلِقُ |
وما بَنَيْتُ على رملٍ قصورَ غدي |
وإنْ بَنَيْتُ: فكوخاً سَقْفُهُ رَنِقُ |
وما ارْتَوَيْتُ على نهرين من عسلٍ |
وفي دمي تلهثُ النيرانُ والحُرَقُ |
وكنتُ أَعْصِرُ أشجاري لذي عطشٍ |
وأَشْرَبُ الدمعَ في سِرٍّ وأَنْطَلِقُ! |
وأَحْلِبُ الضوءَ من عَيْني لِمُنْطَفِيءٍ |
من الأنامِ إذا الظلماءُ تَنْعَتِقُ! |
وأَخْبزُ التِبْنَ ليْ زاداً، ولي شَرَفٌ |
أني أكلتُ بجهدٍ لا كما سرقوا |
فَقَطْعُ كَفِّيَ خيرٌ من مُصافَحَتي |
يدَ اللئيمِ، وإنْ ضاقَتْ بيَ الطُرُقُ! |
وما ادَّخَرْتُ سوى زهدي وَحَبَّبَ ليْ |
زيفُ الحياةِ رحيلاً، حينما فَسَقوا |
وكنتُ ذاتَ يمينٍ غيرِ حانثةٍ |
حتى إذا سامَني في ظُلْمِهِ الخَرِقُ |
فَبِئْسَ عِشْقُ الفتى يحياه في نَزَقٍ |
وليس عشقاً إذا يحدو به النَزَقُ |
لقد عَشِقْتُ دهوراً ليلُها سنةٌ |
من السهادِ، ولم يَجْزَعْ بيَ العُشُقُ |
فما عرفتُ لخطوٍ غيرِ طاهرةٍ |
درباً، ولا قادَني للزَّيْفِ مُنْزَلَقُ |
وَرَبِّ نَخْلِ ضفافٍ شاصَ من خَسَفٍ |
ونجمةٍ بدخانِ الظُلْمِ تَخْتَنِقُ |
مُسَهَّدٌ أنا، بيْ وجدٌ لشمسِ غدٍ |
حتى لقد نَسِيَتْ ألوانَها الحَدَقُ! |
* * * |
فَأَرْسَلَتْ دمْعَها نحوي وَقَدْ عرفَتْ |
َأنَّ الرحيلَ معي شطآنُهُ الغَرَقُ |
قالَتْ: بِرَبِّكَ رِفْقاً في مكابَرَتي |
خُذني لِفَقْرِكَ، نعمَ العِشْقُ والعَبَقُ |
فَمُدَّ جَذْرَكَ في لحمٍ الثَرى وَتَداً |
وَسُلَّ سَيْفَكَ حتى ينجلي الأُفُقُ |
حالي كحالِكَ، بي خوفٌ يُؤرِّقني |
أني "بصدام" طولَ العمرِ لا أَثِقُ! |
* * * |