أُخْتاهُ.. جُرحي منكِ يعتذرُ.. |
والشعرُ، والقنديلُ، والوَتَرُ |
قد كانَ ليْ "نايٌ".. وحنجرةٌ |
وبروضَتي يتعانَقُ الشَجَرُ |
أختاهُ لو تَدْرينَ أيَّ فتىً |
هذا الذي برغيفِهِ غَدَروا..! |
جِيلان مَرّا في مُصارعةٍ |
أنا والأسى، والقَيْدُ، والسَفَرُ |
فإذا اسْتباح القَحْطُ سُنْبُلَتي |
فلأَنَّ حَقْلي عافَهُ المَطَرُ |
وَسَمَوْتُ عن أيكٍ ودانيةٍ |
فيها القُطُوفُ كأنها الصُوَرُ |
ما دَجَّنَتْني في مُقارَعَتي |
حالٌ نأى عن ليلها السَمَرُ |
أختاه لو تدرين ما خَبَري |
لَعَذَرْتنِي، والحلم مُنْكَسِرُ |
كيف الغناءُ وحول حنجرتي |
قيدٌ، ويشكو غِلَّهُ الوَتَرُ؟ |
أختاهُ والدنيا بِنَشْوَتها |
طَيْفٌ، وإنَّ مصيرَها خَبَرُ |
أختاهُ والدنيا إذا جَمُلَتْ |
تُغْري، فَيَنْسى طينَهُ البَشَرُ |
* * * |
ظَنَّ "الوضيعُ" بأننا هَذَرُ |
نغدو كما يرضى وَيأْتَمِرُ! |
وبأنَّ أُمَّتَنا – وقد رُزِئَتْ |
بوبائِهِ – لطموحِهِ نُذُرُ |
عجباً على الجلاّد قد هُزِمَتْ |
كفّاهُ، والمقتول مُنْتَصِرُ |
كم قِمَّةٍ – لجحودِها – انْكَفَأَتْ |
وَسَمَتْ – بفضلِ رُفاتِها – حُفَرُ! |
ولقد خَبَرْناها مُؤَجِّجَةً |
غاياتنا، من بَرْدِها الشَرَرُ! |
فَمَشَيْتُ مُنْتَصِباً على عَثَرٍ |
وسواي فوق صراطِهِم عَثروا!! |
يتفاخرون بعارِ سَطْوَتهم |
وأنا بوشمِ القَيْدِ أَفْتَخِرُ! |
* * * |
ورحلتُ عن بيتي وعن شَجَري |
أختاه لا خَوْفٌ ولا خَوَرُ |
قَدَري تنامُ لدى مرافِئِكم |
سُفُني، ونعمَ البحرُ والقَدَرُ |
إني حَجَجْتُ إلى مرابعكم |
مُتَبَتّلاً، والقلبُ يَعْتَمِرُ.. |
أنا "في السماوةِ" يرتمي جسدي |
و"لمكةٍ" يمضي بيَ البَصَرُ |
في كلِ يومٍ أستزوركمُ |
خمساً، وكل فريضةٍ سَفَرُ |
* * * |
عشرون في قَحْطٍ، بيادِرُنا |
أَثْمارُها الأشواكُ والحَجَرُ |
أَعْنابُنا حَسَكٌ.. وَقَهْوَتُنا |
آهاتُنا.. وثيابُنا وَبَرُ |
ولقد عطشتُ وكان طَوْعَ فمي |
نهرٌ، فلم أشربْ وبي شَرَرُ |
أبقى أردُّ الماءَ عن شفتي |
كِبَراً، وغيري ماؤُهُ الصِغَرُ |
وطني تقاسَمَ خُبْزَهُ نَفَرٌ |
مُتَهَتِّكٌ، ومياهَهُ نَفَرُ |
يرثي غدي أمسي، ويُخْجِلُني |
عمري إذا يَتَنازَلُ الكِبَرُ |
فَأَقَمْتُ في محرابِ صومعتي |
مُتَنَسِّكاً أفياؤُهُ السُّوَرُ |
وطني كما الأطفال في مرحٍ |
قد كان – حتى جاءَهُ التَتَرُ |
آباؤُهُ زُمَرٌ مُشَتَتَةٌ |
وعلى بَنيهِ تَسَيَّدَ الغَجَرُ |
مُتَرَقِّبين، وليس من أَلَقٍ |
والليلُ لا نجمٌ.. ولا قَمَرُ |
يا حزنُ فاتركنا.. لقد تَعِبَتْ |
أحداقُنا.. واغْتالها السَهَرُ |
* * * |
أختاهُ والأعمار أجمعها |
تفنى، ويبقى ظِلُّها العَطِرُ |
أختاهُ والدنيا بلا تَعَبٍ |
لفضيلةٍ: يَغْتالُها البَطَرُ |
وإذا احْتفى كلٌّ بمِطمحِهِ: |
ما كَحَّلَتْ أحداقَنا الصُوَرُ |
عشرونَ في حزنٍ وَمَسْغَبَةٍ |
فإذا شربتُ الماء: أَقْتَتِرُ |
لم تعرفِ الأقمارُ نافذتي |
يوماً، وحولَ صَباحِها سُتُرُ |
أمشي على نارٍ، تُخَرِّزني |
تلك السياطُ، وهذهِ الإبَرُ |
أختاهُ: ما رعدٌ بلا مطرٍ |
في مُقْفِرٍ والنارُ تَشْتَجِرُ؟ |
يَتَقَلَّدون عيونَنا دُرَراً |
ولنا الحصى ورِمالُهُ دُرَرُ..! |
فحملتُ سيفي – وهو من خَشَبٍ – |
لكنَّه بالحقِ مُزْدَهِرُ.. |
* * * |
أنا مَنْ سَيَسْألكم: أَمُخْتَلِجٌ |
أنا؟ كيف رُدَّ لمقلتي النَظَرُ؟ |
قد كنتُ مَيْتاً يا مُسائلتي.. |
باللهِ: كيف تَنَفَّسَ الحَجَرُ؟ |
كيف اسْتحالَ الشعرُ ليْ نَسَغاً |
وتعانَقَ الإلهامُ والظَفَرُ؟ |
إني هَجَرْتُ الشعرَ في وطني |
لمّا تَدَنَّسَ حرفُهُ النَّضِرُ |
حتى أتيتُ هنا.. فَأَيْقَظَني |
صوتٌ من الأعماق، مُسْتَتِرُ |
فإذا أَجَدْتُ فمن فضائلكم.. |
وإذا كَبَوْتُ فإنني بَشَرُ |
* * * |