شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
يا غابة الفضل
إلى أديـب الكرم، وكريم الأدب: الشيـخ المفضال عبد المقصـود خوجـة، اعترافاً بأمطـاره التي أَعْشَبَتْ صحـاراي.
كفى بفضلِكَ نوراً عند ذي كَمَدِ
أَنْ أَشْمَسَ الليل رغم الهمِّ والنكَدِ
فيا نَدِيَّ وريقِ الظِلِّ في وطنٍ
أرادَهُ اللهُ يبقى كالخلودِ ندَي
مـن بعـضٍ فضلِكَ هـذا الشعـرُ أَنْضـدُهُ
وكان منذُ ربيعٍ غيرَ مُنْتَضِدِ
يا غابَةَ الفَضْلِ تُسْقى من مكارِمِها
غِراسُها من أَبٍ حُرٍّ إلى وَلَدِ
أَنْزَلْتَني منكَ قلباً شَعَّ من نُسُكٍ
فبارَكَتْهُ حقولُ النُسْكِ بالرَغَدِ
مهلاً فَدَيْتُكَ، إني غيرُ مُقْتَدِرٍ
حَمْلَ الجبالِ وغابات الندى بيدي!
أَجَلْ تَعِبْتُ وَمَلَّ البحرُ أَشْرِعَتي
أَلَعْنَةٌ؟ فأَعيشُ السَبْيَ للأَبَدِ؟
عطشانُ أَبْحَثُ عن نبعِ يُعَمِّدُني
بالماء، إنَّ قليبي كالفراتِ صَدِي!
كلُ النوارسِ قد عادَتْ لساحِلِها
فما لنورسِ قلبي بعدُ لم يَعُدِ؟
يَرودُ بعضُ بُغاثِ البغي من عَسَلٍ
وغيرَ قَيْحِ صديدِ القهرِ لم أَرُدِ
أَدُورُ حولَ نواعيري فما وَصَلَتْ
قوافلي غيرَ بِئْرٍ مُقْفِرٍ حَرِدِ
تثاقَلَ الفجرُ لم يقربْ لنافذتي
وَحَوْلَ شُرْفَةِ أهلي سَيْفُ مُرْتَصِدِ
فيا جَليدَ ليالي النفي كُنْ لَهَباً
بين العروقِ، ويا نيرانُ فابْتَرِدِي
يا شَهْقَةَ الضوءِ في قِنْدِيلِ أَزْمِنَةٍ
خَبَت هناكَ ألا باللهِ فاتَّقِدي
أنا الغَريقُ بأَمْواهي.. يُمَزِّقُني
سيفي، وَيَنْهَشُ نابُ الحزنِ من جَسَدي
لِمَنْ تَفَتَّحَ زهرُ الشوق في مُقَلي
وَعَرْبَدَ الوجدُ كالطوفان في كَبَدي؟
لِمَنْ وُهِبْتُ مياهَ العِشْقِ إنْ شَفَتي
تَعْيا، وَيُوهِنُ هذا البعدُ من عَضُدي؟
بيني وبين حقولِ الرافدين دمٌ
على الدروبِ، وصحراءٌ من الكَمَدِ!
حقائبي ضَجِرَتْ مني.. وأَضْجَرَني
إني أخيط قميصَ النفي في جَلَدِ
عامٌ وبعضُ حُطامِ العامِ، لا خَبَرٌ
مِمَّنْ أُحِبُّ، ولا ليلي بِمُبتَعِدِ!
فإنْ كَتَمْتُ لهيبَ الوجدِ أَحْرَقَني
وإنْ فَضَحْتُ رأيتُ النارَ في بُرَدِي
أُنِيخُ قلبي لأحلامي، وما طَرَقَتْ
إلاَّ وتطرقني الأحلامُ في نَكَدِ!!
فَيا حطامَ شبابي كيفَ تشفعُ ليْ
كُهوُلةٌ، ورمادُ العمرِ مِلءَ يدي؟
* * *
وَقِيْلَ ما قيلَ عني.. أنني دَنِفٌ
عيناهُ من سَهَرٍ: حقلان من رَمَدِ!
وقيلَ عنيَ مجنونٌ يُؤَرِّقُهُ
راحُ المدائنِ لا ريحانةُ الرُؤُدِ
وأنني سندبادٌ دون أَشْرِعَةٍ
بِحارُهُ دَمْعُهُ لا مَوْجَة الزَبَدِ!
وكافرٌ بنعيمٍ كان يمكنني
أنْ أَجْتنيهِ بمدحِ "القائِد" الوَغِدِ
وكنتُ أَحْسَبُني طفلاً، إذا ركضتْ
بيَ السنونُ: أتاني طائرُ السَعَدِ
جَلَسْتُ أَنْبِشُ أيامي، أَمَعْصِيَةٌ؟
وهل على بُرْدَتي البيضاءَ مِنْ سَوَدِ؟
إني سأَلْتُكَ غفراناً، فما عرفَتْ
عينايَ موبِقَةً أو جُرْمَ مُفْتَسِدِ!
وكنتُ منذُ ربيعِ العمرِ مُنْغَرِساً
جذراً بظلمةِ كَهْفٍ مرعبٍ صَلِدِ
وإذْ خرجتُ: فلا طفلي ولا أَبَتي
سوى حقولِ جراحاتٍ بلا ضَمَدِ!
وكان شكلُ رغيفِ الخبزِ – من سغبٍ –
نجماً من الطينِ في سَقْفٍ بلا وَتَدِ!
وليسَ أَظْلَمَ من أَرْضٍ مَنَحْتُ لها
زهرَ الشبابِ، ولم تمنحْ سوى صَفَدِ!
* * *
سأَلْتُكِ العفوَ يا أماهُ عن وَلَدٍ
ما خانَ ثَديَكِ لا غابَ عن عَمَدِ!
ويا تَقِيَّةُ صَفْحاً ثُمَّ مَعْذَرةً
فَنَزْفُ جُرْحِكِ من عيني ومن كبدي
جـارَ اللئامُ – وما جار الزمانُ – وَقَدْ
أبى وليدُكِ كُفْراناً بِمُعْتَقَدِ
إني أُقايضُ باقي العمرِ أَجْمَعَهُ
بساعتين قُبَيْلَ النومِ في اللَحِدِ!!
فيا دوارسُ: مني شَوْقُ مُغْتَرِبٍ
ضُمِّي لصدرِ أبي – في رِقَّةٍ – وَلَدي!
لكِ السلامُ قبورَ الأهلِ قاطبةً
تَنَعَّمي برياضِ الواحدِ الأَحَدِ
أكادُ حتى رُفاةُ الميتِ أحْسِدُهُ
غَداةَ يملكُ أرضَ القبرِ في بَلَدي!
أَعَدَّ ليْ وطني لمَّا فُتِنْتُ بهِ
سيفين قَدْ شَهَقا جيلين في جسدي!
أُصَبِّرُ الروحَ: يا روحي اصبري فَلَنا
وعدٌ مع المُرتَجَى والمَنْهَلِ الغَرِدِ
وإنَّ مَنْ رَحَلوا عنّا سَتَجْمَعُنا
إليهمُ بعدَ حينٍ دارةُ الصَّمَدِ!
* * *
خَبا الوِجاقُ.. فلا أُخْتٌ لِتُسْجرَهُ
ولا العجوزُ، وَجَمْري غيرُ مُنْخَمِدِ!
وأَعْجَبُ العَجَبِ المفضوحِ في وطني
أَنَّ المُشَرَّدَ أَضْحى مَوْضِعَ الحَسَدِ!!!
تَرَكْتُ "دجلةُ" يعوي في خرائبِها
كلبٌ، وَتَمْرَعُ ذِئبانٌ بلا عَدَدِ
فما جَلَسْتُ إلى شُطآنها غَرِداً
إلاَّ وَيَسْبقني نحو العذابِ غَدي!
تَمَخَّضَ الرِجْسُ يوماً في مرابعها
فَلَيْتَ "صَبْحَةَ" لم تَخْصَبْ ولم تَلِدِ (1)
فيا كريمَ عشيرِ الحرفِ: شَرَّفني
منكَ السؤالُ عن المحزونِ للأبدِ
ويا أديبَ عشيرِ الجودِ: في مُقَلي
شكرٌ، وفي خافقي شكرٌ، وفي خَلَدي
أبا الفضائِلِ عذراً، إنَّ قافيتي
تَعْيا، ويخذلني حرفي فلم أُجِدِ
فيا مَسَرَّةُ: كوني زادَهُ أبداً
ويا نعيمُ: أَقِمْ في دارِهِ وَزِدِ
ويا ضياءُ: اسْتَحِمْ في روضِ مُقْلَتِهِ
ويا نجومُ: على شُبّاكِهِ احْتَشِدي
للهِ دُرُّكَ.. تبقى زادَ قافيتي
إنْ أَعْسَرَ البحرُ؟ تبقى بحر مُقْتَصَدي
كفى بفضلِكَ نوراً، لم يَعُدْ رَمَدٌ
في مُقْلَتَيَّ، ولا قلبي بِمُنْتَكِدِ!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2796  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 26
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[صفحة في تاريخ الوطن: 2006]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج