شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مدْخل لعَالَم بَلخير الشعْري
إن الفيض الشعري، والموهبة الإبداعية لتجري في عروق شاعرنا عبد الله (1) بلخير، ومنذ نعومة أظفاره، وإن لم يصبح العمل الفني لديه يواكب مراحل حياته في مسيرها الزمني المستمر، لأن نبعه الشعري تفجر عطاء في فترة مبكرة من حياته، ثم غاض وجف أو كاد.. واستمر جفافه تاريخاً طويلاً في عمر الشاعر، لتعود دورة النبع إلى تفجرها وفيضها، وتغمر الوجود عطاء من جديد.
وإن شاعرنا بلخير، من الشعراء القلائل الذين ارتفع خطهم الشعري، في سن مبكرة إلى النقطة القصوى.. ثم تلاشى الخط في بدايته ونهايته، ولكنه عاد بعد نصف قرن تقريباً، ليصعد إلى ذات المستوى الأول، بل تجاوزه. وكأن نومته الشعرية كانت غفوة خاطفة، وسنة عابرة لم تؤثر في روحه الشعرية. وإنها لتكاد تكون ظاهرة فريدة في تاريخ الأدب عموماً.
ومع كل ذلك فإن الشاعر يؤكد أنه لم ينقطع عن الشعر ونظمه.. فيقول: "لا يمكن ذلك! فهذا أمر مرتبط بحياة الإنسان، ويصل ارتباطي بالشعر في بعض الأحيان- وأثناء رحلاتي- أن أكتب شعراً في كل مدينة أزورها، أو معظمها، خصوصاً إذا حركت فيّ نوازع الشعر وأثارتها.. ولا يمكن للإنسان أن يتخلى عن نفسه" (2) ومما يؤكد أيضاً استمرار شاعرية بلخير، ونظمه الشعر ما حدث به -فـي ذات الحوار- عن زيارته لأمريكا، والأسطول البريطاني البحري عام 1943 برفقة كل من الأميرين فيصل وخالد- آنذاك- ومكثهم ساعـة أو ساعتين في غواصة ببحر المانش الذي كان مشحونا بالألغام البحرية، من الحرب العالمية الثانية، ومما قاله عن انطباعه لذلك الموقف الخطر المرعب: كان شعوري عندما بدأت الغواصة تغطس بنا تحت أعماق الماء مرتبكاً.. وبقيت له ذكرى لا تمحى من ذاكرتي، حتى إنني سجلت الحادثة بقصيدة طويلة محفوظة في ديواني أسميتها [في أحشاء غواصة]. كما يقول في مكان آخر من اللقاء، معترفاً بفتور نشاطه الأدبي والإبداعي، ولكنه لم يتوقف عنه البتة:
فعلاً طغت أعمالي الرسمية على أعمالي الشخصية أو الفكرية، سواء الشعر أو النثر، خصوصاً وأنني- عندما كنت في الإعلام- كنت أعمل أكثر الأشياء بنفسي تقريباً، وذلك قبل أن يتوفر المندوبون والموظفون، وبعد ذلك طغت مسؤوليات العمل وغيرها.. ولكنني كنت أقتنص الوقت من حين لآخر، وأتفاعل مع الأحداث التي أمر بها، فأقول الشعر وأكتبه في المناسبات العابرة التي كانت تهز العالم العربي.
وهذا يفسر أن للشاعر شعراً غزيراً، كما يؤكد الحقيقة التي تبدو لمن يقرأ شعره في المرحلتين (3) ، أن ثمة اتصالاً طبيعياً وتشابهاً كبيراً بينهما. وحتى ليخيل إلينا أن شعر المرحلة الحديثة، لا بد أن يكون قيل في المرحلة الأولى، أو بالعكس. والعجيب أن التشابه لا يقتصر علـى المضمون والشكـل والأساليب التي اتبعها، وإنما يتعداه إلى الروح العميقة التي تكون شخصيته الشعرية والاجتماعية والثقافية والقومية والدينية.
على أننا سنجد ظاهرة جديدة في شعر المرحلة الثانية، وهي طول النفس الشعري الذي يحيل القصيدة إلى ملحمة كبرى.. كما سنرى.
وإن ما نعزوه- وما يعزوه الشاعر نفسه- من أسباب الانقطاع الشعري إلى الانصراف للدراسة التعليمية، ومن ثم الارتماء في غياهب المهام الإدارية والسياسية التي تقلدها (4) ليست أسباباً مقنعة بالقياس إلى بعض الشواهد التي تعيش بيننا في واقع المسؤولية.
إلا أنَّ الشاعر بلخير- فيما يبدو لم يرغب في نشر أو إذاعة شعره وهو في خضم المسؤولية، لا سيما حينما كان المسؤول الأول في إعلام المملكة العربية السعودية. وحتى لا يقوَّمَ شعره من خلال مكانته في تلك المسؤولية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1215  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 4 من 36
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.