دَلَهُ الهوى، والشعرُ والأحلامُ |
هي كلُّ ما أبقت ليَ الأيّامُ. |
ستّون عاماً والجمال يذيقني |
من كأسِه ما يُشْتهى ويُرامُ؟ |
والشعر تنفحني عرائسُ سحره |
بشذى الحياة فتسكر الأنغامُ، |
ستون عاماً؛ كلُّ ثانيةٍ بها |
-من عمق إحساسي بها- أعوامُ! |
وإذا خبا أملٌ توهَّج آخرٌ، |
وإذا انطفى حلم زهت أحلامُ |
"ولقد نزحت مع الغُواةِ بدلوهم" |
لا العذل يردعني ولا اللوّامُ؛ |
وضربتُ في وادي الهُواةِ مخيَّمي |
"وأسمت سرحَ اللَّهو حيث أساموا، |
"وبلغتُ ما بلغ امرؤٌ بشبابه" |
والعيش حبٌّ كلُّه وغرامُ |
فإذا ملذّاتُ الحياةِ ودائعٌ |
"وإذا عُصارة كلّ ذاك أثامُ! |
* * * |
ستّون عاماً، والهوى لِمشاعري |
يشْوي، ولم يخمد لهنَّ ضرامُ |
وأنا الذي قد نال من دنياه ما |
يهوى؛ وحاز المجدَ وهو غلامُ، |
ورشفتُ نُعْمى العيش، بل وجرعته |
بُؤْسَى تقطِّر خمرها الآلامُ |
ما زال دهري بالخطوب يروضني |
وخطوب مثلي في الحياة جسامُ، |
والشعر ما ونِيَتْ قوافيه، ولا |
همدت لسحر نشيدها أنغامُ |
ومراصدي في كلِّ أفق جوَّلٌ |
سيّان إذْ أصحو، وحين أنامُ! |
ورؤاي تقتنص المعاني كلَّما |
سنحتْ، وما خابت لهنَّ سهامُ |
* * * |
يا من تغرَّب شاعراً ومناضلاً |
يحدو مطايا صبره الإِقدامُ |
للحق أخلص؛ وهو ما برِمَتْ به |
-رغم الولاء- "عراقُه" و"الشامُ"! |
شكواك قد أنكت جراحاً ما غفَتْ |
يوماً؛ وجرح الغدر لا يلتامُ! |
مَن ذلك الشتّامُ؟ لا نَبَسَتْ لَهُ |
شفةٌ، ولا ثَبَتَتْ له أقدامُ؟! |
أفجَعْظَريٌّ ينبري لمجاهد |
في الحق ما جفَّت له أقلامُ؟!
(1)
|
لو كنتُ في النّادي لجَلْجَلَ مقولي |
ولما تجرّأَ ذلك الشتّامُ! |
ولَزَمْجرَت لي في الحضور شقاشقٌ |
أنت الذي بجنونِها عَلاَّمُ، |
فجلال "يوسف" شامخٌ هيهات أن |
يخفى، وأن يرقى إليه الذّامُ |
ومقامُه في العلم لا يسمو إلى |
عليائه إلاَّ الفتى المقدامُ، |
هو للمنابر حبرها وخطيبها، |
فإذا تحدَّث أصغتِ الأفهامُ، |
والشعر كم في روضه ماسَتْ له |
غِيدٌ، وكم صدحت له أنغامُ |
ومحافل الأدباء تشهد أنه |
خرِّيتُها، والناقضُ البرّامُ! |
شرسٌ إذا ماريتَه؛ لكنَّه |
للحق يخضع؛ كلُّه استسلامُ؛ |
فانفُثْ على من عابَ قدرَك أو هذى |
رفثَ الحديث وما عليك ملامُ |
واعذر غريباً جفَّ نبع بيانه |
من طول ما انصهرت به الآلامُ |
في جوفه حرقٌ تذيب ضلوعَه، |
ولها وجيبٌ مقلقٌ وضرامُ؛ |
ولسانه معقودة يبستْ بها |
شُعَبُ الحروف.. فلا يُطاق كلامُ! |
يا ويحه لا النطق أسعفَه، ولا |
يأسٌ أراح، ولا شفاه حمامُ! |
سهران "يَلْبَحُ" وحده؛ والناس في |
غفلاتهم لا يشعرون نيامُ..! |
لولا مصابرة الحياءِ لخانه.. |
دمع له في خدِّه تسجامُ؛ |
ولَصَاح: وَاحَربا؛ فلا دينٌ، ولا |
دنيا.. ولا عَرَبٌ، ولا إسلامُ! |
كلاّ؛ ولا "الأقصى" بقبَّتِه هو "الأقصى"؛ ومسجدُه الحرام حرامُ! |
والنيل يفهق بالنجيع فقد قضى |
"رمسيسُ" لمّا "هَادَتِ" الأهرامُ! |
* * * |
يا "عزِّ دين الله" أيُّ هدايةٍ |
تُرجَى لمن في قفرتيه هاموا؟ |
ركنوا إلى أطماعهم، وتمزَّقوا |
شيعاً، لكلٍّ رايةٌ وإمامُ |
مردوا على طعم الهوان فأخلدوا |
يتثاءبون كأنهم أنعامُ؛ |
والناس؛ هذا تائهٌ ومشردٌ |
خوفاً؛ وهذا في حماه يُضامُ |
ولكم أديب قابع في سجنه |
يدعو؛ وفي فمه البليغ لجامُ |
"والمرء يهرب من أبيه وأمِّه |
وكأنَّ وصلهما له إجرامُ" |
وذئاب "إسرائيل" تسرح في الحمى |
والعرض يُهتَكُ والحقوق تسامُ! |
"شامير" يرقص عابثاً، وقد انتشت |
"قُولْدَا" وعربد يضحك "الحاخامُ"! |
والعرب في حرب الكلام أشاوسٌ، |
ولكل قوم حجةٌ وخصامُ؛ |
هذا يكيد لِذا؛ وذا متربصٌ |
حذراً، وذلك سلمه استسلامُ! |
لولا المروة قلت: لا احتفلت بهم |
دنيا. ولا رفعت لهم أعلامُ! |
* * * |
يا من تغرَّب في سبيل العلم لا.. |
يَعنيه إلاَّ الحقُّ والإِسلامُ |
لبِّثْ قليلاً؛ خلف كل دجنَّةٍ |
فجرٌ سيوقظ نورُه من ناموا |
لك في "الرياض" أحبةٌ وأخلَّةٌ |
وهمو لك الأخوال والأعمامُ |
وليوسفٍ في كلِّ قلب منهمُ |
ذكرى لها الإِعزاز والإِكرامُ |
* * * |
ولَعلَّ ما آذاك قولٌ كاذبٌ |
قد صاغه متربِّصٌ نمّامُ! |
"عبد العزيز" مقامه هيهات أن |
يؤذَى الأديبُ بسوحه ويضامُ! |
ماذا جرى قل لي؟ وهل حقّاً عوى |
ذئبٌ به؟ أو شانَهُ شتّامُ؟ |