للمجدِ والشرفِ التليدِ، للصَّبر، للحق الشَّهيدِ |
للعلم، للأخلاق، للآداب، للرّأي السَّديدِ |
أمضَى، "أبو سَلمَى" حَياة الثائر، الحرِّن العنيدِ |
يشوي عواطفه، ويصهرها.. على لَهبِ القصيدِ |
ويصوغها لَهفات مأسور يُصلي في القيودِ |
طوراً مُولولة، وآونةً تجلجلُ.. كالرُّعودِ |
ولقد يوقعُها فترقصُ كلُّ ذرّات الوجودِ |
وتكادُ تجذِبُ قاصرات الطَّرفِ من دار الخلودِ |
تبكي العدالة وهي تجأرُ بينَ أنياب "اليهودِ" |
وتؤنِّب الأسيافَ قد هجعتْ طويلاً في الغمودِ |
تشدُو، وتهتفُ "بالشآمي"، و"العراقي"، و"السَّعودي" |
والقومِ في "وطني"، وهُمْ ما بين "قات"، أو هُجودِ |
كيْ ينهضوا، ويمزِّقوا حجُب الجهالةِ، والجمودِ |
"عبد الكريم"، و"صنوه"، نجمان في فلكٍ فريدِ |
"حسنانٍ" في الآداب، والأخلاق، والحسب التَّليدِ |
هذا يُحاور "سيبويه".. وذاكَ يروى عن "لَبيدِ" |
ذاكَ "ابن هاني"، في قصائِده، وهذا "ابن العَميدِ" |
قَطفا "كرومَ" الفن، والشِّعر المعتق، والجديدِ |
وتوزِّعاهُ فارسيْن، مُظفرين، بلا نديدِ |
العالمُ النحريرُ يملأ صوتُه سمعَ الوجودِ |
"قولٌ علىَ قولٍ" بِه، ما شئت.. منْ أدَب مفيدِ |
والشاعر الغرّيد، يعبثُ بالنهى "عبث الوليدِ" |
يُنشي القصائد كالعرائِس للمتيمِ، والعميدِ |
ويذيبُها في كأسِه لهباً يُعربد بالنشيدِ |
روح تُصلّي للوعود… ولا تخاف لظَى الوعيدِ |
قد تيَّمتها قوةُ الإِيمان.. بالنَّصر الأكيدِ |
رُحمى "أبا سَلمى"، ولا تسألْ.. فما إن من مزيدِ |
والحالُ، ما زَالت.. كما فارقَت.. في كربٍ شديدِ |
كلٌّ لَهُ وطن، سوى هذا "الفَلسطيني" الشريدِ |
ما انفكَّ يرحلُ ثلثَ قرنٍ.. تائهاً في كلِّ بيدِ |
بينَ العواصِفِ صابراً، أو رابضاً خلفَ الحدودِ |
يُصغي إلى الأقوال: تُنشئُها، عباقرةُ "الوفودِ" |
"عبد الكريم"، وهاكَها شكوى القوافي، والقصيدِ |
عاثوا بأوزانِ "الخليلِ" وبالبيانِ، وبالعمودِ |
هدموا بيوتَ الشعر.. فانْهارتْ تُحشرجُ بالنشيدِ |
ترثي قوافي "الأخطل" العربيد و"الملك الطَّريدِ" |
وسُهاد "جروَلَ"، وهو ما بينَ المهامِه والنُّجودِ |
كالجرو يعْوي، يرصُد الأوزانَ في لحنٍ شرودِ |
لِيصوغَها في شعره عقداً من الدُرِّ النضيدِ |
لم يعقلوا أنَّ القوافي في "الخفيف" وفي "المديدِ" |
مثل "المقاطع" في "اللّحون"، وفي "النقوش"، وفي "العقودِ" |
والشعر موسيقى، ولا نغمٌ بلا وتر و"عودِ"؛ |
"عبد الكريم".. وأنتَ في غُرفات جنّات الخلودِ |
وأنا "حبيسُ" الذكْريات، وخدن أخبار "البريدِ" |
عفتُ السياسةَ، بل وعافتني، فقد كلتْ جهودي |
وحبستُ نفسي، حارسي قَلمي، وأوراقي قيودي |
والكتبُ صحبي، والقناعةُ والمحبةُ من شهودي |
هذي تحيةُ شاعر يرنو إلى الأفقِ البعيدِ |
يترقبُ الأجلَ الهصورَ بمقلة العاني العنودِ |
أو لمحة الحُر المريدِ، أو نظرة الشيخ القعيدِ؛ |
هي دمعة الحُلمِ اليتيم، على مُنى الأمل الشهيدِ؛ |
طفرتْ لذكرى وقفة بيني وبينكَ في "الصعيدِ"؛ |
في "مصر"، و"الأصواتُ" تهتفت بالوعود، وبالوعيدِ |
وأنا بأحلام الشباب أهيمُ في عيشٍ رغيدِ؛ |
قد قلتها: .. لا بالوعود، ولا الوعيد، ولا العهودِ |
بلْ بالجحافل، والقنابل، والمدافع، والجنودِ |
بلْ بالفداء، وبالضّحايا تحت رفرفةِ البنودِ |
ومقانب الأبطال تزحفُ في السهول وفي النُّجودِ |
سَنعودُ.. أو أبناؤنا رغم المكابرِ، والجحودِ |
"قُدسي"، "فلسطيني"، مرابعُ صبوتي، وثرى جدودي؛ |
* * * |
واليوم ماذا؟ ها هُمو الأبطالُ بالعزمِ الأكيدِ |
وجحافلُ الأحرارِ من "حَلبٍ"، إلى "بلد الرَّشيد" |
وهِضاب "تطوانٍ" إلى "أحُدٍ" إلى "اليمن السَّعيدِ" |
يتنافسون على الشهادةِ كالفهودِ، وكالأسودِ |
* * * |
مَن ذا أعزّي في الفقيد؟ مَن ذا أكرمُ في الفقيدِ؟ |
أأخاهُ؟ أمْ زملاءهُ؟ أمْ كلَّ مُغتربٍ شريدِ؟ |
أمْ منبر "القدس الشَّريف"؟ أم الأشاوس في الحديدِ؟ |
أمْ كل مُبتهلٍ "بإنجيل"، و"قرآنٍ" "مَجيدِ"؟ |
* * * |
لو شئتُ قلتُ: ومَن "بصَنْعا" من جحاجحةً وصيدِ؛ |
نشأوا على أشعاره، وتلقَّنوها في المهودِ |
كانتْ "زواملُهم" وهمْ بينَ السَّلاسِل والقيودِ؛ |
وتكاد تذكر في القيامِ، وفي الركوع وفي السجودِ |
ويُودعونَ بها الشهيدَ… وينشجون على الطَّريدِ |
* * * |
يا مزنةَ الرَّحماتِ جفَّ الدمعُ، فانتحبي، وجُودي؛ |
قد جفَّ من طُول البُكاء على المقابر، واللُّحودِ |
يا مزنةَ الرحمات.. فانتحبي معي -حَدباً- وزِيدي؛ |
زيدي. بما يَشفى أوامَ الروحِ من عَطشي المبيدِ؛ |
"ذهب الَّذين أُحبُّهم" |
وبقيتُ كالطيرِ الوحيدِ |
أبكي بلا دمعٍ ولكنْ… |
باللُّحونِ وبالقصيدِ |