| لا تعذلي دمعَهُ إنْ غَارَ، أو شرقا |
| وباتَ يشكو إليك الحزنَ والأرقا! |
| رفيقةَ العُمر؛ رفقاً إن بكى.. فَلهُ |
| أشجانُ مَن فقدَ الأحبابَ والرُّفقا |
| وأنتِ وحدَك من واسى شبيبتَهُ |
| سيّان في القيدِ أو حُرّا ومُنطَلقا! |
| تُصْغين، إن قال، تَحْناناً، وإن شَطحتْ |
| ظُنُونُه ذُدْتِ عَنهُ الخوفَ، والقَلقا؛ |
| دَهْراً يُردِّدُ أشعاراً.. مكرَّرَةً؛ |
| لم تَسأمي مِنه تكراراً، ولا نَزقا! |
| تُهَدهدينَ الأماني إن غفا؛ وإذا |
| صَحَا ابتسمت بِلُطْفٍ يَرْحَم الحمقا! |
| * * * |
| واليوم لا تعجبي إنْ بَاتَ مُكْتئباً |
| فَشِعرُ صاحبه كالسهم قد رَشقا؛ |
| رَمَى فؤاداً بغير الحب ما نَبضَتْ |
| أهواؤه، ولغير الحُسْنِ ما عَشِقَا |
| مِن "جِلَّقٍ" جَلق الذكرى على كبدٍ |
| مريضةٍ؛ فهفتْ تَنْثوا الشجا حُرَقا
(1)
|
| * * * |
| يا مَن تغرّب، لا جُبْناً ولا طمعاً |
| في كسْب مالٍ، ولا خوفاً، ولا مَلقا؛ |
| لكنْ هوى في عذابِ الشوق يَلْسعُهُ؛ |
| إذا تَذكَّر "صنعا" ذاب، واحترقا |
| وتلك شرعة من لِلْحُب قد خُلقوا |
| وللهيام؛ ومنْ سَنّوا لَهُ الطُّرقا |
| وقد بكى صاحب "الكندي" مُدّكرا: |
| كما بكى "ابن زُريقٍ" بل قضى صعِقا |
| شعر "الحنين" إذا غنّاه مُنتَجعٌ |
| تَمَلْمَلَ الليلُ وجداً، وانطوى فَرَقا؛ |
| وأقبل الفجر يسعى خاشعاً ثملاً؛ |
| يَنشوا أحاديث منْ عنهم قدِ افترقا |
| يأتي بِها من نأى من بَعْدِ غُربتِهِ |
| أو في "البريد" إذا "السَّاعي" بهِ طرقا |
| * * * |
| والشاعرُ الفذّ من يَدْري قوافيهُ |
| وصَانَ أوزانها باللحْن مُتَّسِقا! |
| ولَمْ يُمخرق بما لا نَستطيعُ لَه |
| فَهما ولا جُنَّ بالألْفاظ واخترقا |
| شعر الحقيقةِ روحُ الفَن نَحْفُظُه |
| ومن هَذَى صَلَفاً أو خانه انسحقا |
| "والشعرُ ما لم يكن ذكرى وعاطفة |
| أو حكمة"؛ فهو لَغوٌ ينثرُ الخرَقا |
| وللْقوانين في شرع؛ وفي أدَبٍ |
| قداسةٌ؛ كل مَنْ لَمْ يرعها فَسَقا! |
| "أخي" أتذكُر إذ كانت قصائدنا |
| شوقاً إلى الفَجِر تَحدُو للسُّرى الغَسقا؟ |
| وكم أرَقنا لَهُ وَزناً، وقافيةً |
| وكم نسجنَا لَهُ مِنْ وهمِنا فَلَقَا! |
| حتى إذا لاح وانثالَتْ قوافلنا |
| عليه، تَرشَفُ منه الأمنَ والألقا |
| قضى شهيداً، وعاد الليل مُنْتقما |
| ومزقَتْنا دياجي رُعبه مِزَقا |
| ولم نجدْ غير كَهفِ الشعر مِنْ وَزَرِ؛ |
| فيه"نُهندسُ" فجراً صادقاً، لبقا |
| إذا تمرد وهمٌ راضهُ نَغَمٌ |
| يسْقِيه راحَ القوافي قَرقفاً، عبقا؛ |
| وإن طغى اليأسُ مزَّقْنا جَحافِلُه |
| بالشعرِ "مُلْتَزِماً" والشعر مُنْطَلقا! |
| مَهْلاً، أخي، لا تلُمْ حظّاً، ولا زمناً |
| وصُنْ دموعك، واصبر، واترِك القَلَقَا |
| "مافي" الهوادج عن أرْواحنا عوضٌ |
| إذا هَلكنا.. كما قد قَال من سبِقا |
| "تَلْقَى بكلّ مكانٍ إنْ حَللْتَ بهِ |
| أهلاً بأهْل وجيراناً".. ومُرتَفقا؛ |
| هذا؛ إذا اليأس لم يَتركْ لِشاعِره |
| رجاء وصل، ولا حتى خيال لُقَى؛ |
| أمّا الألى اعتبروا، أو بالهدى عبروا |
| جسْرَ الضلال. فَهُمْ لاَ يَعْرِفون شقا؛ |
| يَسْتَروحُون نسيم الحُبّ مصطبحاً |
| ويرْشفون رحيق الخُلدِ مغتَبقا |
| * * * |
| لِلْحُب والحُسنُ محراب؛ إذا خشعَتْ |
| فيه أحاسيس صب بالهدى نطَقا |
| حبّ البريَّة؛ مَنْ حابى. ومَنْ صدقَا |
| ومن تغابى، ومَنْ والى ومَنْ أبقا؛ |
| والحسْنُ في نظرةٍ أو في شذى زَهَرٍ |
| أو في سَنَا قَمَرٍ يُسبي إذا ائتلَقَا |
| أو في مودة إنسانٍ إذا قَدُمَتْ |
| صَفَتْ، كما يتصَفَّى الخمر إن عتُقا |
| من عَلَّم الطير نوح الوُرْقِ؛ إن صَدحتْ؛ |
| غنّى هزارٌ، وطيرٌ آخرٌ نعقا |
| هو الذي خلق الإِنسان في أمَم |
| واختار للشَّعْر منهم بعض مَنْ خلقا! |
| شتى لُغات لمخلوقاته ولها |
| فيهم ضَجيجُ الذي قد خارَ، أو نهقا |
| إذا نَفى الحِقدُ حَقي صنتُه حَدَباً |
| ولو أردتُ مُحاباةً به.. نفقا! |
| "خمس وعشرون عاماً" ما فَتِئتُ بها |
| أعاشرُ الخوف والأوهامَ والأرقا؛ |
| * * * |
| مِن بعدِ "حجة" في أرض "الكنانةِ" قدْ |
| كنتُ الذي بوعود الحقّ قَدْ وثقا! |
| نصحْتُ: لكنهم قدْ داهنوا لغتي |
| فَعْدتُ بالصمت أغشى روضه الغدقا |
| أخلَصْت ودي؛ وأصحابي على دخَنٍ |
| يرون أني أغنِّي الصَّمتَ.. والحنقا! |
| "عبد العزيز"؛ بلادٌ أنتَ شاعرُها: |
| كم أنجبتْ قبل فذَّا شاعراً، ذلقا
(2)
|
| حَبَا "الكنانة" ما يَسْطيع من أدبٍ |
| وعَلَّم النَّاس فيها الدينَ والخُلقا..
(3)
|
| في أرضِنا منهم "الأحبابُ" قد رشفوا |
| كأس المودة، لا نزراً ولا رنقا |
| ولو أردْنا لقلنا ما يشينُ. وقد |
| نال الذي نال منهم -مَرَّةً- رَهقا..! |
| فكيف لم يَقْبلوا "حُرا" يعيشُ. وقد |
| رعَى رياضَ الوفا في أرضهم وسَقَى؟ |
| لكنْ.. وصوتُ دم التَّاريخ يصرخُ في |
| "قَبْرٍ" "عُمارةُ" قد وافاه منشنقا..! |
| حتى "الصديق" الذي قد كان يحمده |
| قد أوصدَ الباب عنه خائفاً، صَفقا
(4)
|
| تُعطيك عذراً لِمَن قد كان ذا ملق |
| منهم وهُمْ -فطرةً- ذو رحمةٍ وتُقى |
| دَعْوى "اليَسار" شِعارٌ ضدّ مَنْ حذقا |
| مثل "اليَمين" شِعارٌ ضدّ مَنْ صَدقا! |
| مكر يُلَفِّقه "السَّوَّاسُ" إن غضبوا |
| على الألى يُنكرون الزور والملَقا |
| إن جاءهم "مؤمنٌ قالوا به خَطَلٌ |
| أو جاءهم عالم.. قالوا لقد مرقا..! |
| لِلحقِّ ميزان عدلٍ عند شوكته |
| لا يستقيم سوى من عز أو حذقا |
| نحن الألى أيقظوهُ من مراقِده |
| ونحن من ألَّف "الميثاقَ" واعتنقا
(5)
|
| ونحن من صاح "بالدستور" نطلبُه |
| للشعب حُكماً عن الإِسلام منبثقا..! |
| إن كان خيراً فقد كُنا طلائعه |
| أو كان شراً فقد خِبْنا، وقد محقا |
| واليوم ماذا؟ أرى الآمال رابضة |
| في "مجلس الشعب" ترجو منه منطلقا |
| يحقق "الوحدة الكُبْرى" على أسُسٍ |
| حرية الرأي فيها تحرس الخُلُقَا.! |
| أما الدَّعاوى. إذا كانت مزيفةً |
| يَحمي بها الظلمُ من داجى ومن سرقا |
| فسوف يبغتُها في لَيل نَشوتها |
| من يحطمُ القيد. أو مَنْ ينقض الرّبقا |
| شقاشقُ الشعر تغلي في دمي ألما! |
| تستنْكر الظلم، لا طيشاً ولا حمقاً |
| لكنَّ حرية؛ نادى بشرعتها |
| من ثارَ أو مَنْ بدين الحُب قد وثقا! |
| * * * |
| لا تعذلوا شاعراً يبكي مآسيهُ |
| وفي "بروملي" أناخَ الهَمَّ وارتفقَا |
| عُشّ الدُّموع الذي بالدمع قد نسَجَتْ |
| لها بِهِ من دموعي.. "غُرْبتي" حَدَقا.! |
| فأصبحت حُرَّةً تبكي. وقد ملكتْ |
| عُشّا يُكَفكِفُ جفن الحُزن إن شرقا.. |
| حتى "عصافيرها" تهوى مُسَاجلتي |
| صوتاً بصوتٍ، وتحكيه إذا اخْتَنَقا |
| * * * |
| أخي؛ ترى لَو تركنا الشعر "يَعْصدهُ" |
| من "يعصد" النثر، واخترنا السكوتَ وِقا! |
| فَهَلْ سيرضى "ضميرٌ" كنتَ شاعره |
| سقاهُ غيثُ "الزبيريُّ" قَبلَما احترقا؟ |
| هل نتركُ الشعرَ "للسقّافِ" يهدمهُ |
| نثراً، ويزعمُ حقّاً كلَّما اختلقا..؟
(6)
|
| قد شَوَّهَ الشعرَ تَحليلاً، وترجمَةً |
| فحادَ عن لُغةِ التَّبيين وانْزلقا؟ |
| لا: سوفَ نحمي حِمَى التاريخ دون هوى |
| ونشجبُ الدَّجل. والتضليلَ، والخرقا |
| وليحفظِ الله أرْضاً كنتَ تسكُنها |
| ويا رَعَى "بَرَدَى" مِنْ غَيْثه، وسقَى |