شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
459- حُداء.. بلا قافلة
أقلعتْ عن مرافئ الذلِّ نفسي
بشراعين؛ من إبائي وبأْسي
أتحدَّى الأمواجَ ما إن أُبالي
كيف أجتازُها، ولا أينَ أرْسي
وأُغني الرياحَ لحْنَ انكسَاري
وأناجي في شاطئ التيهِ رَمسي
وغدي في غياهبِ الغيبِ لا يعرف
يومي، ولا يُبالي بأمسي
* * *
كمْ تحدَّى عقْلي نواميسَ كوْني
ولكمْ سوَّلتْ ليَ الشرَّ نفْسي
صنتُها فهيَ حرةٌ وتمادى
بي هَواها؛ تزهو، وتكبُو وتغسي (1)
في مدارِ الزمانِ خفضاً، ورفعاً
ًوبشتَّى الأفلاك؛ سعدٍ ونحسِ
تترامى بيَ الظُّنون على الآفاق
حسْرى من طولِ ريبٍ وهجسِ (2)
أنا ابْنُ الآلامِ في حقْلها المجـ
ـدبِ شبَّتْ قوايَ واستد "غرسِي"
غمرتْ مقلتي دموعُ اليتامى..
وجناحي يدفُّ في سنِّ "خمسِ"
لم أزلْ أهصرُ الكوارثَ لا يبـ
ـطرني الحظ، أوْ أضيفُ بتعسِ
قدْ بلوتُ الحياةَ خيراً وشرا
وتقلَّبتُ في نعيمٍ، وبؤسِ
أتصابى مع الندامى وطوراً أحتــ .
ـسي الضحْل منْ وجارِ "ابن عرسِ" (3) .
* * *
منْ رسولي إلى سفوحِ "أزالٍ"
حيث أنْسِي وحيث أصحاب أنسي
حيثُما افترَّ ثغرُ حبّي فتيا
وشابي نمَا، وأخصَب حسِّي
حيثُ كانت عرائسُ الشعر تروي
لغرامي أشواقَ "ليلَى" و"قيسِ"
عطَّرتْ بالرُّقى ترانيم روحي
فسرتْ كالعبير في ليلِ عرسِ
تمسح الدمعَ مِن جفون العذارى
وتداري آلامهنَّ، وتنْسي
حيثُ قطرتُ المجدِ خمرةَ لهْوٍ
وهصرتُ الطموحَ لذةَ خلسِ (4)
ترقصُ المغريات حَولي وتخْتا
لُ الملذات في رفيفِ الدمقسِ
* * *
قل لهم: قدْ حطمتُ سيفي ولم يبـ
ـقَ.. بكفِّي إلاَّ يَراعي وطرسي
قدْ سئِمت النضالَ واشتبهتْ عِنـ
ـدي ليالي أنسي وأيامُ بؤسي
لا قُنوعاً ولا خضوعاً؛ ولكنْ
"لَمْ يكن لي غدٌ فأفرغتُ كأسي" (5)
يا رفاقي بحتْ حناجرُ لحْني
فاعْذروه إذا تغنَّى بهمسِ
طال تهيامُه؛ يُهمهمُ إن أضحى
ويشدو مُغرداً حينَ يُمسي
يتاهدى مع "القوافل" في قفــ
ـر المآسي، أو في مهامِه مُلسِ (6)
هذَّبتني كوارثُ الدَّهر حتَّى
أملي في الحياة صار كيأسي
وتغالى بي التهجد حتى
لم أفرِّق ما بين معْنىً وحسِ
لم يعد يطَّبي فؤادي منَ اللَّـ
ـذات إلاَّ مَا لا يحسُّ بلمسِ (7)
في لَظى توبتي حشرتُ ذنوبي
وبماءِ الغفْرانِ طهَّرتُ رجْسي
وتلاشيتُ في النواميس روحاً
ًفتلاقى غَدِي، ويَومي، وأمسي
واليتيمُ الحبيسُ بين ضلوعي
قدْ وَهى مِن تطلُّعاتي وهجْسي
أرهقَتْهُ وساوسي، ومتاها
تُ ظنوني وعيلَ صبْراً بحبْسي
كم إلى كمْ أحْدو "قوافل" وهْمي
وهيَ تنسابُ في خشوعٍ ونكسِ (8)
تترامى بيَ المتاهاتُ من أنجادِ
حزنٍ، إلى مواطئ دهسِ (9)
ورفاقي الأشباحُ: من أحْمر قانٍ
وذي صُفرةٍ، وخضرٍ وطلسِ (10)
بينَ عانٍ يرْنو بعين هوانٍ
وأبيّ يزْهو ببسمة ندسِ (11)
وطموحٍ عيناهُ تنفثُ غَيظاً
كهزبرٍ قدْ استعدَّ لفرسِ
ولعوبٍ يحْسوا مدامَ الأماني
ثملَ الخطو من فتورٍ ونعسِ
يا حُدائي؛ قوافلُ الأمس تاهتْ
في الفيافي؛ فما لَها من مُحسِّ
والغدُ المرتَجي قوافلُه تهـ
ـدجُ خرْساء.. في كتائبَ خُرسِ
ليسَ يدري مَتى تُناخُ؟ ولا أيـ
ـن بأعْبائها الجِسامِ ستُرسي؟
وَوَراءُ الظَّلام يكمنُ فجرٌ
ٌنورهُ يحسرُ العيونَ ويخْسي
* * *
قِفْ على قمةِ الزَّمانِ بصروا
حٍ وسجِّل ميلادَ أوَّلِ إنْسي (12)
قبل أن تعطسَ الحياةُ على "النـ
ـيل" وتحْبو على جبالِ "البرنْسِ" (13)
أرضُنا للفنونِ مهد عليها
شعشعتْ للجمالِ أوَّلُ شمسِ
رقَصتْ في "غمدان" بكراً، وغنَّت
"ثيِّباً" في قصورِ "كسْرى" و"رمسي" (14)
وطني؛ أَنتَ في الغَياهبِ نِبرا
سي، وفي وحشةِ المفاوزِ أنسي
أنتَ إن أجدبتْ حياتي رحيقي
ونشيدي، وأنتَ دنّي وكأْسي
في ثراكَ الطهورِ قد زرعَ الشِّعــ
ـرُ حياتي، وأنبتَ الحبُّ غرْسي
يا بلادي؛ وقيتِ منْ كل شرٍّ
وعدتك الخُطُوبُ مِن كلِّ جنسِ
ما فتئْنا نخبُّ، والأملُ الطَّا
محُ يحدو نجائِباً غيرَ حُمسِ
شرعةُ "العدْل" ما يُريد البرايا
و"المساواةُ" مُبتغى كلَّ نطسِ (15)
لا "يسارٌ" ولا "يمينُ" ولا نُشـ
ـرى بوعْد ولا نباعُ ببخسِ
فوقَ أُسِّ "التقوى" تشادُ المعالي
فإذا ما وَهى.. وهي كلُّ أُسِّ
لم ينلْ عاملٌ على الأرضِ خيراً
دونَ يومٍ سعدٍ وآخر نَحسِ
من "نبي"، و"شاعرٍ"، و"مَليك"
و"رئيس"، ومن "فقيهٍ"، و"قسّ"
رُتبُ المجدِ لا تُنالُ اعتباطاً
ًبالتمنّي، ولا تسنَّى لجبسِ (16)
سَلْ "ستَالينَ" و"ابْن هِند" قديما
و"فرانكُو"، والألمعيّ الفرنسي
قد تفانتْ أيَّامهم في جدالٍ
وعراكٍ دَامٍ، وحسّ، وضرْسِ (17)
وطويلٌ عُمرُ العقابِ، وعمرُ الْـ
إِثمِ وهمٌّ؛ كنشوةِ المتحسّي
وقوانينُ الحُكمِ؛ ما لمْ يصنها
خُلُقُ الحكْم.. فهي أوهامُ مسِّ (18)
إنَّما يشرفُ الفَتى حينَ يستبْـ
ـصرُ نورَ اليقينِ في ليلِ لبسِ
ألفُ يومٍ من الأماني لا تعْـ
ـدلُ عندَ الشجاعِ لحظةَ يأسِ
* * *
يا حماةَ القانونِ؛ رِفقاً بأهْل الـ
أرضِ فالعقلُ وحدهُ ليس يؤْسي
إنصعاقُ "الكَلِيم" في "طور ِسينا"
وانسحاقُ "المسيحِ" في أرضِ "قُدْسِ"
صَقُلَتْ في "حرى" ابتهالاتُ "طه"
فزهتْ بالهُدى على كُلِّ نَفسِ
ليس تُبنَى الشعوبُ من دونِ عقلٍ
وتشوهُ الحياةُ من غيرِ حسِّ
والقوانينُ، والنواميسُ عطشى
لنَدى الشِّعر، والولاء الأمسِ
ورَحيقُ الأخلاق في الأرض نبعٌ
ٌيستقي منهُ كلُّ ندبٍ وندسِ
كرَّمتْ "آدماً" على "الخلْق" طرا
واصْطَفَتْ للإِنسانِ أشرفَ كُرسي
يا صحَارى الرَّجاء: هذِي صلاتي
جئتُ أحْدو بها قوفلَ أمْسي
أظمأَتهَا الأشواقُ فهيَ لُهاثٌ
يتلظَّى عَلى شفاهِ التأسّي
وابتهالاتُ الخلقِ تُصغي إليها
في تهاويم ضارعينَ، ونُعسِ
أسفي أنَّني، بأحْلام لَيلي
ونهاري أفْني أحاسِيسَ نفْسي
في "بروملي"؛ حيثُ الخمائلُ، والأدْ
واحُ تزهو ما بين آسٍ وورْسِ
والهزاري بينَ الأزاهير تشْدو
رَشرشَتْ ريشها بطلّ و"أيْسِ"
غيرَ أنِّي مَا زِلتُ خدنَ "التعاليمِ"
وعهْدُ "المِيثاقِ" ليس بمنْسي
العُلا محْرابي، وحُبي صَلاتي
ويقيني دِرعي، وصبري تُرسي
بروملي: 12 صفر 1397هـ
1 فبراير 1977م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :475  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 487 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.