أقلعتْ عن مرافئ الذلِّ نفسي |
بشراعين؛ من إبائي وبأْسي |
أتحدَّى الأمواجَ ما إن أُبالي |
كيف أجتازُها، ولا أينَ أرْسي |
وأُغني الرياحَ لحْنَ انكسَاري |
وأناجي في شاطئ التيهِ رَمسي |
وغدي في غياهبِ الغيبِ لا يعرف |
يومي، ولا يُبالي بأمسي |
* * * |
كمْ تحدَّى عقْلي نواميسَ كوْني |
ولكمْ سوَّلتْ ليَ الشرَّ نفْسي |
صنتُها فهيَ حرةٌ وتمادى |
بي هَواها؛ تزهو، وتكبُو وتغسي
(1)
|
في مدارِ الزمانِ خفضاً، ورفعاً |
ًوبشتَّى الأفلاك؛ سعدٍ ونحسِ |
تترامى بيَ الظُّنون على الآفاق |
حسْرى من طولِ ريبٍ وهجسِ
(2)
|
أنا ابْنُ الآلامِ في حقْلها المجـ |
ـدبِ شبَّتْ قوايَ واستد "غرسِي" |
غمرتْ مقلتي دموعُ اليتامى.. |
وجناحي يدفُّ في سنِّ "خمسِ" |
لم أزلْ أهصرُ الكوارثَ لا يبـ |
ـطرني الحظ، أوْ أضيفُ بتعسِ |
قدْ بلوتُ الحياةَ خيراً وشرا |
وتقلَّبتُ في نعيمٍ، وبؤسِ |
أتصابى مع الندامى وطوراً أحتــ . |
ـسي الضحْل منْ وجارِ "ابن عرسِ"
(3)
. |
* * * |
منْ رسولي إلى سفوحِ "أزالٍ" |
حيث أنْسِي وحيث أصحاب أنسي |
حيثُما افترَّ ثغرُ حبّي فتيا |
وشابي نمَا، وأخصَب حسِّي |
حيثُ كانت عرائسُ الشعر تروي |
لغرامي أشواقَ "ليلَى" و"قيسِ" |
عطَّرتْ بالرُّقى ترانيم روحي |
فسرتْ كالعبير في ليلِ عرسِ |
تمسح الدمعَ مِن جفون العذارى |
وتداري آلامهنَّ، وتنْسي |
حيثُ قطرتُ المجدِ خمرةَ لهْوٍ |
وهصرتُ الطموحَ لذةَ خلسِ
(4)
|
ترقصُ المغريات حَولي وتخْتا |
لُ الملذات في رفيفِ الدمقسِ |
* * * |
قل لهم: قدْ حطمتُ سيفي ولم يبـ |
ـقَ.. بكفِّي إلاَّ يَراعي وطرسي |
قدْ سئِمت النضالَ واشتبهتْ عِنـ |
ـدي ليالي أنسي وأيامُ بؤسي |
لا قُنوعاً ولا خضوعاً؛ ولكنْ |
"لَمْ يكن لي غدٌ فأفرغتُ كأسي"
(5)
|
يا رفاقي بحتْ حناجرُ لحْني |
فاعْذروه إذا تغنَّى بهمسِ |
طال تهيامُه؛ يُهمهمُ إن أضحى |
ويشدو مُغرداً حينَ يُمسي |
يتاهدى مع "القوافل" في قفــ |
ـر المآسي، أو في مهامِه مُلسِ
(6)
|
هذَّبتني كوارثُ الدَّهر حتَّى |
أملي في الحياة صار كيأسي |
وتغالى بي التهجد حتى |
لم أفرِّق ما بين معْنىً وحسِ |
لم يعد يطَّبي فؤادي منَ اللَّـ |
ـذات إلاَّ مَا لا يحسُّ بلمسِ
(7)
|
في لَظى توبتي حشرتُ ذنوبي |
وبماءِ الغفْرانِ طهَّرتُ رجْسي |
وتلاشيتُ في النواميس روحاً |
ًفتلاقى غَدِي، ويَومي، وأمسي |
واليتيمُ الحبيسُ بين ضلوعي |
قدْ وَهى مِن تطلُّعاتي وهجْسي |
أرهقَتْهُ وساوسي، ومتاها |
تُ ظنوني وعيلَ صبْراً بحبْسي |
كم إلى كمْ أحْدو "قوافل" وهْمي |
وهيَ تنسابُ في خشوعٍ ونكسِ
(8)
|
تترامى بيَ المتاهاتُ من أنجادِ |
حزنٍ، إلى مواطئ دهسِ
(9)
|
ورفاقي الأشباحُ: من أحْمر قانٍ |
وذي صُفرةٍ، وخضرٍ وطلسِ
(10)
|
بينَ عانٍ يرْنو بعين هوانٍ |
وأبيّ يزْهو ببسمة ندسِ
(11)
|
وطموحٍ عيناهُ تنفثُ غَيظاً |
كهزبرٍ قدْ استعدَّ لفرسِ |
ولعوبٍ يحْسوا مدامَ الأماني |
ثملَ الخطو من فتورٍ ونعسِ |
يا حُدائي؛ قوافلُ الأمس تاهتْ |
في الفيافي؛ فما لَها من مُحسِّ |
والغدُ المرتَجي قوافلُه تهـ |
ـدجُ خرْساء.. في كتائبَ خُرسِ |
ليسَ يدري مَتى تُناخُ؟ ولا أيـ |
ـن بأعْبائها الجِسامِ ستُرسي؟ |
وَوَراءُ الظَّلام يكمنُ فجرٌ |
ٌنورهُ يحسرُ العيونَ ويخْسي |
* * * |
قِفْ على قمةِ الزَّمانِ بصروا |
حٍ وسجِّل ميلادَ أوَّلِ إنْسي
(12)
|
قبل أن تعطسَ الحياةُ على "النـ |
ـيل" وتحْبو على جبالِ "البرنْسِ"
(13)
|
أرضُنا للفنونِ مهد عليها |
شعشعتْ للجمالِ أوَّلُ شمسِ |
رقَصتْ في "غمدان" بكراً، وغنَّت |
"ثيِّباً" في قصورِ "كسْرى" و"رمسي"
(14)
|
وطني؛ أَنتَ في الغَياهبِ نِبرا |
سي، وفي وحشةِ المفاوزِ أنسي |
أنتَ إن أجدبتْ حياتي رحيقي |
ونشيدي، وأنتَ دنّي وكأْسي |
في ثراكَ الطهورِ قد زرعَ الشِّعــ |
ـرُ حياتي، وأنبتَ الحبُّ غرْسي |
يا بلادي؛ وقيتِ منْ كل شرٍّ |
وعدتك الخُطُوبُ مِن كلِّ جنسِ |
ما فتئْنا نخبُّ، والأملُ الطَّا |
محُ يحدو نجائِباً غيرَ حُمسِ |
شرعةُ "العدْل" ما يُريد البرايا |
و"المساواةُ" مُبتغى كلَّ نطسِ
(15)
|
لا "يسارٌ" ولا "يمينُ" ولا نُشـ |
ـرى بوعْد ولا نباعُ ببخسِ |
فوقَ أُسِّ "التقوى" تشادُ المعالي |
فإذا ما وَهى.. وهي كلُّ أُسِّ |
لم ينلْ عاملٌ على الأرضِ خيراً |
دونَ يومٍ سعدٍ وآخر نَحسِ |
من "نبي"، و"شاعرٍ"، و"مَليك" |
و"رئيس"، ومن "فقيهٍ"، و"قسّ" |
رُتبُ المجدِ لا تُنالُ اعتباطاً |
ًبالتمنّي، ولا تسنَّى لجبسِ
(16)
|
سَلْ "ستَالينَ" و"ابْن هِند" قديما |
و"فرانكُو"، والألمعيّ الفرنسي |
قد تفانتْ أيَّامهم في جدالٍ |
وعراكٍ دَامٍ، وحسّ، وضرْسِ
(17)
|
وطويلٌ عُمرُ العقابِ، وعمرُ الْـ |
إِثمِ وهمٌّ؛ كنشوةِ المتحسّي |
وقوانينُ الحُكمِ؛ ما لمْ يصنها |
خُلُقُ الحكْم.. فهي أوهامُ مسِّ
(18)
|
إنَّما يشرفُ الفَتى حينَ يستبْـ |
ـصرُ نورَ اليقينِ في ليلِ لبسِ |
ألفُ يومٍ من الأماني لا تعْـ |
ـدلُ عندَ الشجاعِ لحظةَ يأسِ |
* * * |
يا حماةَ القانونِ؛ رِفقاً بأهْل الـ |
أرضِ فالعقلُ وحدهُ ليس يؤْسي |
إنصعاقُ "الكَلِيم" في "طور ِسينا" |
وانسحاقُ "المسيحِ" في أرضِ "قُدْسِ" |
صَقُلَتْ في "حرى" ابتهالاتُ "طه" |
فزهتْ بالهُدى على كُلِّ نَفسِ |
ليس تُبنَى الشعوبُ من دونِ عقلٍ |
وتشوهُ الحياةُ من غيرِ حسِّ |
والقوانينُ، والنواميسُ عطشى |
لنَدى الشِّعر، والولاء الأمسِ |
ورَحيقُ الأخلاق في الأرض نبعٌ |
ٌيستقي منهُ كلُّ ندبٍ وندسِ |
كرَّمتْ "آدماً" على "الخلْق" طرا |
واصْطَفَتْ للإِنسانِ أشرفَ كُرسي |
يا صحَارى الرَّجاء: هذِي صلاتي |
جئتُ أحْدو بها قوفلَ أمْسي |
أظمأَتهَا الأشواقُ فهيَ لُهاثٌ |
يتلظَّى عَلى شفاهِ التأسّي |
وابتهالاتُ الخلقِ تُصغي إليها |
في تهاويم ضارعينَ، ونُعسِ |
أسفي أنَّني، بأحْلام لَيلي |
ونهاري أفْني أحاسِيسَ نفْسي |
في "بروملي"؛ حيثُ الخمائلُ، والأدْ |
واحُ تزهو ما بين آسٍ وورْسِ |
والهزاري بينَ الأزاهير تشْدو |
رَشرشَتْ ريشها بطلّ و"أيْسِ" |
غيرَ أنِّي مَا زِلتُ خدنَ "التعاليمِ" |
وعهْدُ "المِيثاقِ" ليس بمنْسي |
العُلا محْرابي، وحُبي صَلاتي |
ويقيني دِرعي، وصبري تُرسي |