هذي القلوب تشوقها نجد |
عاد الصبا وتبسمت دعد |
لعنيزةٍ ذكرى مُحببة |
ولخولة أطلالُها الجُرْد |
وعكاظُ يحلم بالألى رَحَلُوا |
وعليه من أمجادهم مجْد |
شمختْ معاطسهم وقد بلغتْ |
هام السماء كأنهم أسْد |
ساروا على الرمضاء يدفعهم |
عزمٌ قوي صامد صلْد |
ومفاوز الصحراء يغمرها |
وعد السراب وملؤه وقد |
ووعوده كذب وتسلية |
كالغيد ليس لغادةٍ وعد |
لو سار فيها الجن ممتطياً |
صهواتِ جن ما لها ند |
لمضوا حيارى في مفازتهم |
تاه الدليل وضُيِّع القصد |
ويظل يسأل من يمر بها |
ولـــه فــؤاد فـوقهــا جلــد |
ما بال هذا الأفق منسرحاً |
ومهامه الصحراء تمتد؟ |
وتلوح فيه قوافل ضربت |
كبد الصحارى سيرها وخد |
فإذا شدا الحادي مضت قدماً |
ويظل خلف بعيره يحدو |
وهوادج الغيد الحسان مضت |
بسعاد في أعقابها هند |
ويلوح لي نسج الرياح على |
ذهب الرمال كأنه بُرد |
تتفنَّن الصحرا فكم رسمتْ |
صور الجمال وما لها قصد |
وتظل تنضد إذ تهب على |
سقط اللوى فيروقنا النضد |
ولكم بنت من رملها جبلاً |
أثر البناء تراه ينهد |
نحتت بأزميلِ الهوى فهوى |
واندك ذاك الشامخُ الطود |
والرمل في الرمضاء مضطرب |
فيه يلوح الجزْر والمد |
فكأنه سيل به ثبجٌ |
عالي الغوارب ما له سد |
قد جاده هطل فوا عجباً |
تبكي السماء فيضحك الورد |
وتهب أنسام معطرة |
فترى الزُّهور على الرُّبا تعدو |
فكأنها قلب المحب إذا |
ذكر الحبيب يشوقه وعد |
تتسابق الأزهار في شغف |
ويكاد ينطق ثغرها الوجد |
وعرار نجد يستبي خلدي |
وتروقني بجمالها نجد |
وأرى اليمامة في الرياض شدت |
فتمايلت أغصانها المُلْد |
قمرية تشدو على فنن |
إنَّ الغصون لشدوها مهد |
من أين يأتي الحزن غانية |
في صدرها يتلألأ العقد؟ |
وتخضَّبت مثل العروس وذا |
لون الخضاب بساقها يبدو |
وترنَّمت بهديلها فلها |
تتراقص الأغصان إذ تشدو |
غنتْ بأمجاد الأُلى زرعوا |
ما طاب منه القطْف والحصْد |
وامتد منهم تحت كل سما |
عيش رخي ناعم رغد |
فغدت رمال البيد ضاحكةً |
فيها يرف الطير والورد |
كانوا ليوثاً لا ينالهمُ |
ضيمٌ وليس لعزهم حد |
لا يؤمنون بغير عزتهم |
إن الذليل لديهم عبد |
ويهل في الصحراء فجر سنىً |
عنوانه الإِسلام والحمد |
جمع الأُلى كانوا بها شِيَعاً |
ضلتْ خطاهم ما لهم رُشد |
نشأوا على الفوضى فكم ولدت |
بنت فكان مصيرها الوأد |
وتقاتلوا دوماً بلا سبب |
وتخاصموا وتفاقم الحقد |
بالسيف كاد يذوب من حنَق |
لو لم يضم شباته الغِمْد |
وسنابك الخيل التي دميت |
من طول ما كانت هنا تعدو |
حتى أتى الإِسلام فانبجست |
منه الغيوث وأطفئ الوقد |
وإذا القبائل وحدة فتحت |
كل الحصون فما لها وصد |
كانت مشاعرهم بمقدمه |
كالروض حين يقهقه الرعد |
رفعوا على البيداء رآيتهم |
وغزا المدائن ذلك الجند |
كانوا غيوثاً أينما نزلوا |
يخضر منها السهل والنجد |
وانداح في الآفاق متَّسعاً |
مثل الصدى في الأفق يمتد |
فحدوده في الغرب أندلس |
وحدودُه في المشرق الهند |
وجنودُه آي الكتاب وكم |
فتح المعاقل ذلك الجند |
ملأوا الدُّنى عدلاً ومفخرةً |
ومآثراً ما إنْ لها جحد |
وسرت بنا الأعوام دون ونىً |
فكأنها في جيدنا عقد |
ألف ونصف الألف يتبعها |
طال الزمان وأرهق العد |
يا للثواني في مسيرتها |
تمضي القرون وما لها عود |
طوراً نرى في قمة سمقت |
ولكم نرى ومكاننا الوهد |
ذقنا بها المر الزعاف وكم |
ذقنا زلالاً دونه الشهد |
كنا لهذا الكون سادته |
وبنا يكون الحل والعقد |
ومنارة تهدي الأُلى عشيتْ |
أبصارُهم فعيونُهم رَمْد |
أيام قادت زحفنا فئةٌ |
ما فيهم إلاَّ الفتى الجَلْد |