يا هاتف السعد ماذا أنت حامله |
على الأثير؟ وفي خيط من النور |
أسرى بـه السحر مـن أنفاس شاعــرةٍ |
عبر الجوار إلى أعماق مصدور |
أصوتُ ورقاءَ أم نأيٌ له نغم |
والرجْع منه شفيف الوقع كالنور |
فيه المقاطع ألفاظٌ مجنحة |
يهذي بها كل نشوان ومخمور |
هزَّ الشعور وأذكى حرَّ لاهبةٍ |
من لاعج في حنايا النفس مستور |
قد علمتني الهوى بـل أسرفـت ودمـت |
بنا بفتنتها في جوف تنور |
نار الهوى فيه ألفاظ مفردة |
دوت بأصدائها في كهف ديجور |
فيا أعز الهوى أحلامنا رقصت |
لما شدوت بدُرٍّ غير منثور |
والحسن سطوته أن يستبي رشداً |
بما يرقرق من فيض التباشير |
يسير فينا الجوى رجع له ألقٌ |
زاكي العبير كأنفاس الأزاهير |
قد أسكرتنا برجـع الصـوت وانطلقـت |
منا أحاسيس مأخوذٍ ومبهور |
فيه القلائد أطياف قد انتظمت |
عِقـْداً يفـوق عقـود الأُنَّـس الـحور |
جاءت قلائدُه منظومة عجباً |
وقد تناثر من أنفاس شحرور |
وراح رجع الصدى يسبـي العقـول بنـا |
فكل مُستمع في شبه مسحور |
يضيء دنيا الهوى لكن يُغلِّفه |
بما ينير النُّهى وسْط الدياجير |
فما أرق حديث الحي يحمله |
إلى الجوانح في رجع المزامير |
فيا أعز المنى جودي بأغنية |
كيما أغردَ في حفل المشاهير |
أصفيت لكن عمري لا تزال به |
بقية أرهفتْ حسي وتفكيري |
إن الخريف الذي عانيتُ وطأته |
له الرواء مزيج من عقاقير |
يهفو به الداء لكن ليس يذهبه |
لذا أعيش بدائي غير موتور |
أمشي علـى الدرب لا ركضـاً ولا خَبَبـاً |
ولست أكبو لأن الحب دستوري |
قد أثقلتني ديون الحب فانحبست |
فيَّ المشاعر من إحساس تقصير |
أنتِ العليمة كم للحب من نِعَم |
وخير نعمائه آيات تقديري |
لعارف بفنون الشعر ينظُمها |
من فتنة الغيد أو من أعين الحُور |
الشعر في نفسه الإِنسان ألبسه |
سمتاً رؤاه تفوق كل تصوير |
لها الشمائل أوصاف منمقة |
تنسَّقت كبنات الدين في الدير |
يزهو بها طرباً والفكر معزفه |
به يناغي ترانيم الشحارير |
وكل قافية قد آمنت سلفاً |
وأذعنتْ رهَباً إذعان مغمور |
ولا يزال بها يعطي ويمنحنا |
طوراً نثيراً وطوراً غير منثور |
وإن أحلى هدايا الاحتفاء به |
سُؤلٌ إلى الله وهَّاب المعاذير |
بأن يعيش وفي إنتاجه قبس |
يضيء درب النُّهى بالنَّوْر والنُّور |