ونزولاً عند رغبة جميع الحاضرين تحدث معالي الدكتور عبد العزيز حجازي قائلاً: |
- أرجو أن تسمحوا لي ربما أكون صريحاً، وأرجو ألاَّ يكون في كلامي ما يثير أحداً من الزملاء الصحفيين. إن تجربتي مع الصحافة قد تمَّ نشر جزء منها في كتاب أخير اسمه "القربة المقطوعة" لجلال الحممصي. قد يكون من حسن حظي أنني عندما عيِّنت نائباً أولاً لرئيس الوزراء أن أطلقت حرية الصحافة في مصر وذلك في منتصف عام 1974م. |
- وفي قصة "القربة المقطوعة" يظهر رأيي أو جزء من تعليقي على دور الصحافة في توجيه الحركة السياسية في البلد أو بالعكس في عمليات الإِثارة التي قد تحدثها الصحافة، وقد يكون ذلك إحدى النقط الخطيرة التي تؤدي إلى اتخاذ مواقف معينة من الصحافة الحقَّة. حينما أطلقت الصحافة أردت الوقوف على تأثير حرية الصحافة في الرأي العام، ومقدار دورها في الاضطرابات التي قد تحدث داخل الشعب. وعلى كل فالصحافة قد تلعب دوراً بناءاً وإيجابياً، وعلى النقيض فإنها قد تلعب دوراً هداماً ومؤثراً وسلبياً، وقبيل قيام حرب أكتوبر 73 بأيام قليلة أفرغت إحدى السفن حمولتها من الزيت الخاص بصناعة الصابون في أحد الموانئ الأوروبية مما ترتب عليه تعطيل مواد خام للتصنيع هذا أولاً. وثانياً تقدم شاب غير متوازن العقل بشكوى إلى أحد أقارب رئيس الجمهورية بالإِضافة إلى عضويته في مجلس الشعب يزعم في شكواه بأن ماء النيل بالقاهرة أصبح ملوثاً. |
- ولما كانت الصحافة في تلك الفترة تتمتع بقدر من الحرية هاجمت الحكومة، واستغلت هاتين المسألتين وأحدثت منهما ضجة كبيرة وأثارت الرأي العام المصري بحيث صورت له أن مصر تعاني من أزمة الصابون وأن حياة القاهرة ملوَّثة. |
- لقد سبَّبت الصحافة بإثارة هاتين القضيتين ومناقشتهما بطرق غير سليمة أقلقت الحكومة مما جعل المسؤولين يبرهنون بالأدلة العملية على عدم صحة دعوى الشاب المختل العقل وأجريت الفحوصات على الماء وتأكدَّنا من سلامتها من التلوث. |
- ولقد كتب الأخ جلال الحممصي مقالاً يؤلب فيه الشعب ضد الحكومة جاء فيه أن رئيس الحكومة يقضي إجازته في الإِسكندرية بينما مياه القاهرة ملوَّثة والمحلات خالية من الصابون. |
- في حين أنني في تلك الأيام كنت مشغولاً بمرافقة رؤساء الدول العربية التي قدمت بعد حرب أكتوبر لزيارة مصر، ولم أجد من الوقت ما يكفي لراحتي بين أفراد أسرتي. |
- وقد ترتب على هذه الحرية التي تمتعت بها الصحافة أن ترد الحكومة على تلك الاتهامات، أي أن تتم المواجهة بين الصحافة والحكومة، ولقد تمَّت تلك المواجهة فعلاً. وكانت الصحافة تهدف من هجومها على الحكومة إسقاط الحكومة وليس إسقاط شخص واحد. وفي اجتماع دعا إليه السيد الرئيس أنور السادات - الله يرحمه - بيَّن للصحفيين فيه أن الصحافة لا تعني إثارة الاضطرابات والفوضى. |
- على أن هناك قصة أخرى تتعلق بعملية الرقابة على الصحافة فقبل أن تتوفى الفنانة أم كلثوم أو بالأصح عندما كانت في الساعات الأخيرة من عمرها، أي في حالة الاحتضار قام الرقيب في ذلك الوقت وكان ذلك في أغسطس 1974، بتوزيع خبر على الصحافة مفاده أن أم كلثوم ماتت معتمداً على بيان أعددناه مسبقاً لرثاء أم كلثوم ننوي إذاعته بعد وفاتها، فسبق الرقيب الأحداث ورثاها قبل موتها ويعتبر هذا مقلباً آخر من المقالب التي أوقعتني فيها الصحافة والرقابة. |
- ومن هاتين القصتين تستطيع التعرف على ما يمكن أن تلعبه الصحافة في التأثير على حركة السياسة في البلد. |
- الإِيجابيات للناس معروفة، والناس لا تريد أن تعرف إلاَّ السلبيات، فنحن نريد أن ننتقد ونوجه النقد، وبالتالي يمكننا أن نبيع عدداً من أعداد هذه الصحف واستمر على هذا الأسلوب، ولكنه في النهاية فقد حياته. |
- فتجربتي مع الصحافة صعبة فقد كانت الصحافة باستمرار صحافة تحت الحراسة والرقابة الكاملة، ثم حصلت على بعض الانطلاق في الفترة التي قضيتها في الحكم، فأصبحت صحافة إثارة، والهدف منها وضع الحكومة في مواقف صعبة. ولكني أرى أن التوازن الصحفي يجب أن يكون عملية أساسية في مصر أو في أية دولة. فلا بدَّ من وجود نوع من التربية للشباب حتى يستطيعوا مناقشة الإِيجابيات والسلبيات بمعيار واحد غير أنه وللأسف ترى مثلاً في مصر اليوم أن عملية الإِثارة آخذة دوراً أكثر مما يجب سواء في قضايا الفساد، أو في قضايا المعارضة وأظن أن الصحافة بذلك تتجاوز حدود ما يمكن أن نطلق عليه حرية الصحافة. |
|