وطَفِقَ المهاجرونْ! |
مَنْ فَقَدَ اسمه؛ وتاهَ حائرا، |
ومن تباهى باسمه؛ وتاهَ ثائرا، |
في فلوات التِّيهِ يبحثونَ عن وطنْ، |
يفتِّشون في البراري والبحارِ عن سَكَنْ، |
تفرَّقت بهم مذاهبُ الشرورِ والفتنْ، |
ومزَّقتهم رغبات الطامعين في "اليمن"، |
ووقفَ الشاعرُ مرةً يقولَ في حزَنْ: |
هل نحن حقاً نَنْتَمي إلى بلادنا "اليمنْ"؟ |
وَقَف "الشاعر" وقفةَ اعتبارْ، |
يسألُ ماذا؟ ولماذا نحن تائهون؟ |
هل بشفاء الأوَّلين؟ |
هل بذنوب البائدينْ؟ |
يوماً من الأيَّامِ قد كانتْ |
بلادنا "سعيدهْ".. |
طيِّبة كانَتْ |
ورَبُّها غفورْ.. |
كما حكى "القرآن"! |
ثم طغى "العُصَاهْ"، |
واسْتَكْلَبَ الطغاهْ. |
فاندثرتْ تلكَ الدِّيارْ، |
ومُزِّقوا "أَيدي سبَا".. |
لكنَّها كانَتْ ذنوبَ الأولين. |
ما ذَنْبُنَا نحنُ تُرَى؟ |
إلى متَى؟.. إلى متَى نظَلُّ تائهين؟ |
إلى متَى؟. إلى متَى؟. نظَلُّ في الوضْعِ المشينْ؟. |
مُسْتَضْعفينَ، خائِفينَ، حائرينْ! |
آباؤُنا كانوا قديماً سادةً.. |
فيكفَ أَصْبحوا عَبيد؟. |
آباؤُنا سادوا وشادوا، |
وبنوا.. "غمدان".. فكيفَ عادوا |
بين أغوارِ الكهوفِ، نائمينْ؟ |
إلى متى.. إلى متى؟. |
وقالها "مهاجرٌ" رفيقْ
(1)
|
"صنعاء"، قلبُها عصيّ!. |
وقال لي: هل من مزيدْ؟ |
فارتعشَتْ نوازعُ الحنينْ، |
وتِهْتُ "سَنواتْ" |
بحثاً، وتفكيراً، وشوقاً، وضنى! |
في كلِّ موجزٍ مفيدْ، عن العذاب، والعنا؛ |
وليس عن "صنعاء" فقط، |
بل عن فنونِ وشؤونْ |
"اليمنِ الكُبرى".. |
من القديمِ والجديد، و "الدخيل" و "الأصيل"؛ |
تِهتُ وحيداً في مفاوزِ التاريخ؛ |
أَبحثُ عن نفسي.. وعن سعادة اليمن
(2)
|
وقصص المهاجرين
(3)
، |
وقصص الطُّغاة والحكَّام في كلِّ زمانْ.. |
وصلح "دعَّانِ"، |
وقصَّة "الوحدة" والذين |
"واختَصَروا القُرآنْ"، |
وثورة "الدستور"، |
والشهداءِ الخالدين.. |
وعُدتُ أدراجي.. |
أهذي بأنغامي! |
وكلَّما رأيتُهُ، |
أو لامَسَتْهُ خلجاتُ الشعرِ |
أَو شَافَهَتْهُ نبضَاتُ الحسِّ، |
أو جسَّهُ الخيالْ، |
غنَّيتُه، رويتُه، كتبتُه؛ |
وكانتِ القصَّةُ، |
قصةُ المهاجرينْ.. |
تَرْوي "الدُّموع"، |
دموعَ هاربين، |
أو ثائرينَ.. أو مغامرينْ!. |
وكلُّها تقول ما يقولُهُ "المهاجرون": |
"صنعاء قلبها عصيّ". |
وهم يردِّدونْ: |
نحنُ إلى "السلامِ" ندعو الجميع، |
شعارُنا "المساواهْ"، |
والكلّ أبناءُ "اليمن". |
ويصرخُ الصوت الذي ظلَّ يهيمْ، |
يرتِّل الأنين والحنينْ. |
يقولُ في صوتٍ حزينْ، |
يَقطُرُ منهُ أملُ "الحياهْ": |
"صنعاء يا لحن الزمان البكر في سمع العدمْ، |
"صنعاء يا أَوَّل حرفٍ خُطَّ في لوحِ القِدَمْ |
"أنا الَّذي قد باركَ الآلام فيكِ واصطبَرْ، |
"لولا علاكِ لاندَحَرْ، لولا هواكِ لانتحَرْ، |
"لولا خيالات الوصالِ، ما تغنَّى، أو شعرْ". |
ورقَّ ذلك القلب العصيّ |
للألحان والدُّموع.. |
وقَبِلَ "القُرْبانَ" |
مُكَلَّلاً بالشِّعرِ والأَنغامِ. |
وكانتِ "الثُّلوجُ" قد تراكمتْ، |
وكانت "النيرانُ" قد تَلاَحَمَتْ، |
وكانتِ "البروقُ" و "الرعودُ" قد تزاحمتْ، |
وكانتِ الظنونَ والأَوهامُ قد تضرَّجتْ |
بالشِّعرِ، باكياً، وراثيا، |
والسِّحرِ، واشياً، ولاغيا، |
لكنَّ قلبَ "الخاشع" "العائد" لمْ |
يفزعْ لهولِ ما رآه!. |
لأنَّه قد "عاد" "تائباً" إلى |
"القلب العصيِّ" مما قد جناهْ!. |
حتى "الثلوجْ".. |
أَحْرقَها بزفراتِ أضْلعِهْ! |
و "النار" قد برَّدها بأدمعِهْ! |
حتى "البروق" قدْ |
قال لها: لا تلمعي. |
و "للرُّعود": أنصتي، ولا تهلَعي. |
حتَّى "الظنون" اسْتَسْلمتْ، |
و "الوهم" قد صلبَهُ فلا يَعي، |
و "الشعر" قد رقَّصه بشعرِهِ، |
و "السِّحر" قد سحرَهُ بسحرِهِ، |
* * * |
وإنَّما روَّعَهُ، وأفزعَهْ، |
وكان قد أمضَّهُ وأفجعَهْ، |
كما أقضّ مضجعَهْ، |
أنَّ الذي قد خانَه وأَوجعَهْ، |
من كان بالأمسِ معَهْ!.. |
رفيقُهُ في الجهلِ والصوابْ، |
والصدق، والكذابْ، |
وفي الثواب، والعقابْ، |
قد كان أشرسَ الذئابْ، |
وكان أغدرَ الصِّحابْ!. |
* * * |
فجرجر الذيل.. وعاد ساهما |
يكفكفُ الدموعْ، |
ويدفن الآلامَ |
في.. القلب الذي بين الضلوع، |
ويشعلُ الأحزان |
للتَّاريخ.. كالشموعْ، |
ويرتجي اليوم الذي، |
يهواه في تلك "الربوع". |