شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
212- العودة
وطَفِقَ المهاجرونْ!
مَنْ فَقَدَ اسمه؛ وتاهَ حائرا،
ومن تباهى باسمه؛ وتاهَ ثائرا،
في فلوات التِّيهِ يبحثونَ عن وطنْ،
يفتِّشون في البراري والبحارِ عن سَكَنْ،
تفرَّقت بهم مذاهبُ الشرورِ والفتنْ،
ومزَّقتهم رغبات الطامعين في "اليمن"،
ووقفَ الشاعرُ مرةً يقولَ في حزَنْ:
هل نحن حقاً نَنْتَمي إلى بلادنا "اليمنْ"؟
وَقَف "الشاعر" وقفةَ اعتبارْ،
يسألُ ماذا؟ ولماذا نحن تائهون؟
هل بشفاء الأوَّلين؟
هل بذنوب البائدينْ؟
يوماً من الأيَّامِ قد كانتْ
بلادنا "سعيدهْ"..
طيِّبة كانَتْ
ورَبُّها غفورْ..
كما حكى "القرآن"!
ثم طغى "العُصَاهْ"،
واسْتَكْلَبَ الطغاهْ.
فاندثرتْ تلكَ الدِّيارْ،
ومُزِّقوا "أَيدي سبَا"..
لكنَّها كانَتْ ذنوبَ الأولين.
ما ذَنْبُنَا نحنُ تُرَى؟
إلى متَى؟.. إلى متَى نظَلُّ تائهين؟
إلى متَى؟. إلى متَى؟. نظَلُّ في الوضْعِ المشينْ؟.
مُسْتَضْعفينَ، خائِفينَ، حائرينْ!
آباؤُنا كانوا قديماً سادةً..
فيكفَ أَصْبحوا عَبيد؟.
آباؤُنا سادوا وشادوا،
وبنوا.. "غمدان".. فكيفَ عادوا
بين أغوارِ الكهوفِ، نائمينْ؟
إلى متى.. إلى متى؟.
وقالها "مهاجرٌ" رفيقْ (1)
"صنعاء"، قلبُها عصيّ!.
وقال لي: هل من مزيدْ؟
فارتعشَتْ نوازعُ الحنينْ،
وتِهْتُ "سَنواتْ"
بحثاً، وتفكيراً، وشوقاً، وضنى!
في كلِّ موجزٍ مفيدْ، عن العذاب، والعنا؛
وليس عن "صنعاء" فقط،
بل عن فنونِ وشؤونْ
"اليمنِ الكُبرى"..
من القديمِ والجديد، و "الدخيل" و "الأصيل"؛
تِهتُ وحيداً في مفاوزِ التاريخ؛
أَبحثُ عن نفسي.. وعن سعادة اليمن (2)
وقصص المهاجرين (3) ،
وقصص الطُّغاة والحكَّام في كلِّ زمانْ..
وصلح "دعَّانِ"،
وقصَّة "الوحدة" والذين
"واختَصَروا القُرآنْ"،
وثورة "الدستور"،
والشهداءِ الخالدين..
وعُدتُ أدراجي..
أهذي بأنغامي!
وكلَّما رأيتُهُ،
أو لامَسَتْهُ خلجاتُ الشعرِ
أَو شَافَهَتْهُ نبضَاتُ الحسِّ،
أو جسَّهُ الخيالْ،
غنَّيتُه، رويتُه، كتبتُه؛
وكانتِ القصَّةُ،
قصةُ المهاجرينْ..
تَرْوي "الدُّموع"،
دموعَ هاربين،
أو ثائرينَ.. أو مغامرينْ!.
وكلُّها تقول ما يقولُهُ "المهاجرون":
"صنعاء قلبها عصيّ".
وهم يردِّدونْ:
نحنُ إلى "السلامِ" ندعو الجميع،
شعارُنا "المساواهْ"،
والكلّ أبناءُ "اليمن".
ويصرخُ الصوت الذي ظلَّ يهيمْ،
يرتِّل الأنين والحنينْ.
يقولُ في صوتٍ حزينْ،
يَقطُرُ منهُ أملُ "الحياهْ":
"صنعاء يا لحن الزمان البكر في سمع العدمْ،
"صنعاء يا أَوَّل حرفٍ خُطَّ في لوحِ القِدَمْ
"أنا الَّذي قد باركَ الآلام فيكِ واصطبَرْ،
"لولا علاكِ لاندَحَرْ، لولا هواكِ لانتحَرْ،
"لولا خيالات الوصالِ، ما تغنَّى، أو شعرْ".
ورقَّ ذلك القلب العصيّ
للألحان والدُّموع..
وقَبِلَ "القُرْبانَ"
مُكَلَّلاً بالشِّعرِ والأَنغامِ.
وكانتِ "الثُّلوجُ" قد تراكمتْ،
وكانت "النيرانُ" قد تَلاَحَمَتْ،
وكانتِ "البروقُ" و "الرعودُ" قد تزاحمتْ،
وكانتِ الظنونَ والأَوهامُ قد تضرَّجتْ
بالشِّعرِ، باكياً، وراثيا،
والسِّحرِ، واشياً، ولاغيا،
لكنَّ قلبَ "الخاشع" "العائد" لمْ
يفزعْ لهولِ ما رآه!.
لأنَّه قد "عاد" "تائباً" إلى
"القلب العصيِّ" مما قد جناهْ!.
حتى "الثلوجْ"..
أَحْرقَها بزفراتِ أضْلعِهْ!
و "النار" قد برَّدها بأدمعِهْ!
حتى "البروق" قدْ
قال لها: لا تلمعي.
و "للرُّعود": أنصتي، ولا تهلَعي.
حتَّى "الظنون" اسْتَسْلمتْ،
و "الوهم" قد صلبَهُ فلا يَعي،
و "الشعر" قد رقَّصه بشعرِهِ،
و "السِّحر" قد سحرَهُ بسحرِهِ،
* * *
وإنَّما روَّعَهُ، وأفزعَهْ،
وكان قد أمضَّهُ وأفجعَهْ،
كما أقضّ مضجعَهْ،
أنَّ الذي قد خانَه وأَوجعَهْ،
من كان بالأمسِ معَهْ!..
رفيقُهُ في الجهلِ والصوابْ،
والصدق، والكذابْ،
وفي الثواب، والعقابْ،
قد كان أشرسَ الذئابْ،
وكان أغدرَ الصِّحابْ!.
* * *
فجرجر الذيل.. وعاد ساهما
يكفكفُ الدموعْ،
ويدفن الآلامَ
في.. القلب الذي بين الضلوع،
ويشعلُ الأحزان
للتَّاريخ.. كالشموعْ،
ويرتجي اليوم الذي،
يهواه في تلك "الربوع".
لندن: 15 شوال 1392هـ
21 نوفمبر 1972م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :423  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 237 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج