ثم تُعْطى الكلمة لمهندس الكلمة الأستاذ محمد حسين زيدان، حيث يقول: |
- بسم الله الرحمن الرحيم، اعذروني فقد أثقلت عليكم حين ألزمت نفسي بالحديث عن كل محتفى به. وهذا لم يفرض عليَّ، ولكن أنا فرضته على نفسي. قد لا أعود إلى ذلك مرات أخرى، ولكن الأستاذ أحمد عبيد فرض عليَّ بما أُكنه له من الحب والاحترام أن أتكلم عن بعض ما فاته: |
- السيد أحمد عبيد ابن أُمِّه، نشأ يتيماً فأمه سيدة فاضلة كريمة، فقد نشأ يتيم الأب... وهي التي نشأته. فالأم الكاملة الكريمة حينما تحتضن ولدها تنشئه هذه النشأة. |
- أذكر من الذين أنشأتهم أمهاتهم السيد/ عبيد مدني أيضاً. فنشأ الرجلان في تمام الرجولة تحثهم أمهاتهم على التحصيل والعلم. |
- السيد أحمد عبيد ما كنت أظن أنه ولد سنة 1330 لأنني كنت أظن أني أكبره بكثير فأنا ولدت سنة 1325هـ. |
- ولأني كنت رجلاً وأستاذاً في المدرسة وأحمد عبيد طفل لكنه كان طفلاً ناجحاً كريماً نظيف العرض أقولها بكل فخار لي وله. اتصل بالكُتّاب واتصل بالشيخ عبد القادر شلبي، واتصاله بالشيخ عبد القادر شلبي جعلني أنا أتصل به أكثر لأنني كنت خادماً في بيت عبد القادر شلبي. |
- والدي - رحمه الله - قال: دعني لا أكسب من ورائك ريالاً، ولكن أريدك أن تطلب العلم. |
- فدفعني إلى الشيخ عبد القادر شلبي وكنا عندما خرج من عمادة المعارف في أول الأمر قد أسَّسنا مدرسة ذات فصلين: فصل يدرس به الشيخ عبد القادر شلبي، وفصل أدرس به الحساب والجغرافيا وما إلى ذلك. |
- وكان أحمد عبيد تلميذاً، وكان للشيخ عبد القادر علاقة وتربية خاصة بأحمد عبيد، كما أضفى تربيته الخاصة على السيد الكريم الفاضل الجليل السيد أحمد العربي أمد الله في عمره. |
- الكثير منكم لا يدري كيف التحق أحمد عبيد بمدرسة اللاسلكي، فلعلي كنت أحد أسباب التحاقه بها لم أغره، ولم أطلب منه الالتحاق. ولكن جاء إلى المدينة السيد إبراهيم زارع يريد أن يأخذ طلبة من المدينة. للالتحاق بمدرسة اللاسلكي. ولكن لماذا اختار المدينة بالذات لينتقي منها طلبة مدرسته؟ |
- لسبب واحد هو أن الأمية منذ عام 1318 قل وجودها بالمدينة، بل انمحت الأمية منها، وتعتبر المدينة المنورة البلدة الوحيدة التي لم يسيطر عليها حكم الأشراف، وإنما كانت السيطرة فيها بعد جلاء محمد علي للحكومة العثمانية. ولقد فتحت الحكومة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد المدرسة الإِعدادية التي تخرج منها أفواج من الطلبة متزودين بالعلم وبالمعرفة. |
- كما أسسوا داراً للمعلمين تخرَّج منها أفواج، أسسوا ثماني عشرة مدرسة ابتدائية، بالإِضافة إلى أن في المدينة وقتئذ أكثر من خمسة عشر كُتَّاباً، ولقد ذكر السيد أحمد عبيد أنه تعلم في كتّاب العريف بن سالم، ولعله يذكر أن كتاب العريف بن سالم وبجانبه كتاتيب أيضاً. |
- هذه الكتاتيب وهذه المدارس قد محت الأمية في الجيل الذي قبلي والجيل الذي قبله إلى الأجيال الآتية. |
- والمدينة كانت تعيش في شظفٍ، فأبناؤها كانوا يطلبون العمل، فلما جاء إبراهيم سلسلة وإبراهيم زارع أخذا من شباب المدينة أحمد عبيد، صالح طه، محمد نيازي وغيرهم إلى مدرسة جدة، وذلك أن هذا الشباب في المدينة قد حمل عبئاً كبيراً في الدولة ولا أقول عن الدولة. |
- فمدرسة اللاسلكي، ومدرسة الدفاع، ومشروع الخرج، ومشروع السكة الحديدية، كان أكثر العاملين بها هم من أبناء المدينة لأنهم يعرفون القراءة والكتابة. لا أقول هذا فاخراً ولا شاكراً وإنما التاريخ يحكم. |
- قد توجد في مكة مكتبة هي مكتبة الشيخ ماجد الكردي مثلاً لنفوذه. ولكن في المدينة مكتبات عدة: |
- فهناك مكتبة الشيخ عارف حكمت، ومكتبة السلطان محمود، ومكتبات أخرى. ذلك لأن المجال اتَّسع لأهل المدينة خصوصاً بعد وصول السكة الحديدية أن ينتشر فيها التعليم وأن يتخرج منها الرواد أمثال أحمد عبيد وغيره. |
- التحق بمدرسة اللاسلكي وتخرج منها وعمل بإدارة اللاسلكي حتى أصبح مديراً لها، ولكنه نسي أو لعله تعمد النسيان أن يذكر فترة عمله مديراً لمالية الظفير، ولعله تعمَّد أن ينساها لأنه كان خلالها جريئاً، لا يخضع لأحد ولم يخضعه أحد، وإني لأذكر له مجلة "الصرخة"، فقد كان أول من فتح لي الطريق في أن أعرف عن حضارة مصر، وأنها حضارة ليست الوحيدة، وليست الفريدة، وإن بقي عمرانها، وإن بقيت في التاريخ شامخة، حينما نشر صورة لما يشبه الفراعنة من أهل اليمن، ولقد قلت في سينمار عين شمس أن الآباء الذين نحتوا الجبل في حجر ثمود (مداين صالح) هم آباء وإخوان الذين بنوا جبل الأهرامات في مصر، فالحضارة متحدة. |
- وإني لأعجب من سيِّد كريم المهندس العظيم أن يقول: إن حضارة مصر قد عبرت إلى مصر كاملة من المكسيك. |
- سألته: كيف وصلت من المكسيك؟ هل حينما كانت قارة الأطلانتيك؟ وهل عبرت شمال إفريقيا ولم يبق لها أثر في شمال إفريقيا؟. |
- إن حضارة مصر ممتدة فرعونية من الفراعين. والفراعين والكنعانيون والفينيقيون قد رحلوا من قرية بون في اليمن، وعرفنا قرية بون في اليمن من خبر من إذاعة القاهرة يوم جلت جيوش مصر بعد مؤتمر الخرطوم. |
- قال المذيع: لقد رحل الجيش المصري من صنعاء إلى الحديدة عبر بون. |
- فقد استفدت من جريدة "الصرخة" هذه الملاحظات التي تجعل الحضارة العربية واحدة. وقد تعجبون من احتفال القرآن الكـريم بذلك: إرم ذات العماد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد، و "الملكين ببابل"، و "ذو القرنين"، ويخطئ كثير حين يزعمون أن ذا القرنين هو الإِسكندر المقدوني والحقيقة أنه المصعب بن الحارث اليماني. |
- ذكر ذلك المقريزي، وذكر ذلك أكثر من مؤرخ وآخر من ذكره أستاذنا معروف الدواليبي. |
- أذكر هذا الفضل لأحمد عبيد. جعلني أتبع ذلك وأقرأ كثيراً عن حضارة مصر. عمرّها الله. إنها كنانة الله في أرضه.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
|